الربيع يتحدى المصائب

جمال المعاند -إسبانيا

[email protected]

- جلسات السمر تستهوي الكثيرين، وعادة ما يشوبها بعض التحدي، على الأخص إذا التقى خصِمان .

 في سهرة ضمت لفيفاً من الحضور، بينهم ربيع وغريمته مصائب، و اعتد  كل منهما بنفسه لدرجة التلاحي، وأيهما أكثر شعبية عند الناس، وبلغ التحدي شأواً عظيماً،واتفقا على التنافس، في مكان معين.

 فاختار ربيع ابنته حرية نائبة له، فيما اختارت المصائب ولداً لها يدعى غدار، هو بذرة سوء ولدته من رجل خبيث الطوية، ، و أن يبدأ ابن المصائب أولاً .

كانت تلكم المنطقة المحددة، قد أهلت بالسكان منذ ثمانية ألاف سنة، أهلها كريموالأرومة، ألفوا المجد كابراً عن كابر، قلما يتصفح الناس سجلات القرون الخالية، ولا يجدون لهم مأثرة،  إلا عقوداً من سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، تلك السنون الأخيرة العجاف عيل صبرهم منها، وعصر الخوف فيها؛ كل قطرة كرامة لديهم، فنمى لسمعهم ، أن بعضاً ممن يجاورونهم، نعموا أخيراً بغيث يبشر بالبشر، فحلموا بالأفضل، وهمسوا بذلك في منامهم، ووصل الأمر إلى الكلام  حالة اليقظة .

لكن غدار لم يمهل آمالهم لتلامس الوقع، فنفسه المريضة،  تحسب كل صيحة عليها، وتميل للمغالبة، فحصب القوم بما بيده، وبأيدي زبانيته من سلاح ، وأصيب بعضهم إما بمقتل، أو جرح يعاند البرء، كان تأكيداً منه لمرض الرهاب في نفوسهم،  لكن الناس رأوا أن آمالهم الغالية تستحق هذا الكلفة الباهظة، فزادهم إصراراً، وأعيته هذه الحيلة.

واستمر في غيه على ذلك الديدن، واستخدم أعوان التضليل، وهم يهذرون كلاماً عقيماً، ويتفوهون بحجج لا تقوى حتى على مجرد ملامسة الهواء، فلا ترقى لمرتبة المعقول، فضلاً عن التصديق، فأرعد كل مهذار وأبرق واختلق ما يظنه حججاً، فهو إن يُحمل عليه يلهث وإن يترك يلهث .

وهيهات لشعب خَبر غدار وأباه من قبل، أن يصغي لهما، وصار كهنة تزييف الحقائق،  أعجوبة في الكذب،  ونفض التضليل يده من دجلهم .

نثر غدار كنانته، فوجد فيها ، الصرصر، وهي ريح عديمة اللون باردة رطبة، وهي تؤذي كل مسامٍ لحي، لا تفرق بين عدو وصديق، و الصداقة عند غدار، كالأشياء التي تستخدم مرة واحدة فقط ، ومن ثم ترمى في القمامة،  الصرصر، حولت المشهد إلى خليط يجمع الأسود والأحمر، بهرير إيقاع يستدر عطف الصخور الصماء، عندها ضج المتفرجون وارتفعت أصواتهم، ولأن ابن المصائب يعتقد أن المسألة هي تحدٍ بين أمه، وغريمها الربيع، لم يعبأ باستهجانهم .

ومضى حين من الدهر، بلغ فيه حراك الشعب حد الفطام، فأتى على جزء كبير من أزلامه، فخشي قلة  الناصر، وراح يقلب جعبته فما وجد  فيها، إلا قوماً عجباً،  وهم شرذمة أدمنت التعاطي مع أوجاع التاريخ، فأصيبت بمرض الحقد العضال، وهو مرض يؤدي لعاهات نفسية وفكرية، كل من يخالطهم يحذر عدوى تصيبه منهم، فتخرجه من نطاق الإنسانية  .

فجمع كل زنيم، وحل عقاله، و استعان بزوابع منهم، وهم قطعان تنتمي اسماً لبني البشر، أحلامها كأحلام الطير، همها الطعام والشراب والسفاد، عقولها تبرمج على موجة الكراهية فقط، فلا تلتقط سواها، فوجهت عزيمتها على دوائر من الناس، لكنها كسابقتها، وإن أطالت في عمر مغامرات غدار، لكن تأثيرها بقي محدوداً، وضررها مقدور عليه .

وتصدى لها أهل البلد، فهم أشداء ، كما أن تجارب أجدادهم أنارت لهم طرق التعامل معها .

عند هذه المرحلة اعتذر الربيع، وطالب بالانسحاب من المسابقة، لكن حيزبون المصائب، قالت: هذا اعتراف بالخسارة، فأجابها ولتكن خسارة ، فالتنافس لا يعني أن الأرواح بلا ثمن، قد أقبلُ ببعض التضحيات ، أما أن يتجاوز عدد من غدر بهم، مئة ألف أو يزيدون، فتلك داهية، ولأثبت لكم سَبقي من قبل، سأريك شريطا مسجلاً يظهر تفوق ابنتي حرية .

وبدأ العرض، طاغية بشري، في بقعة أخرى، كانت سماؤها ملبدة بغيوم القهر، وتشكو أرضها من صقيع الظلم، فما أن طلت حرية بجمالها الفاتن، وأرسلت ألحاظ أشعتها أياماً، حتى انقشعت كل تلك السحب، وما أرعفت دماء، إلا تحلة العمل، وسرى الدفء في أوصال الناس .

ولا يزال غدار وأمه مصائب، مستمتعين برعونتهم، في بقعة التنافس الأولى ، ووصل الأمر، لأن ينتشيا بمناظر أشلاء الرضع، ومن لم يبلغوا حد الفطام، ورؤية قوافل الآمنين يتركون أعشاش مهدهم، ليظفروا بأبسط  ما يقيم أودهم.