انتحار الغراب

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

.. الغراب فوق عمود

الكهرباء ماذا يفعل هناك؟.. منذ زمن هو هناك.. يفكّر.. لا هو لا يفكّر هو يتفكّر..

لا هو لا يفكّر ولا يتفكّر هو يتذكّر ويتألّم ويبكي أراه ساكنا.. أراه مكتئبا.. أراه

منتحبا محاولا الانتحار لكنّه لا يستطيع ولا يقدر.. نظرت إليه فالتفت بعيدا.. ثمّ طار

وحلّق باتجّاه الشّمس وهي تغرب في عين حمئة..

 الباب لا يفتح والأبواب كلّها لا تفتح.. أبواب منغلقة..

مغلّقة وموصدة.. على الأبواب أرقام.. على المنازل أرقام وعلى البيوت أرقام.. على السيّارات

وعلى الحافلات وفي البنوك أرقام..  زحام وصراع

وحروب وخراب ودمار من أجل الأرقام..

قال لك..

 ـ كم رقمك؟..

فقلت..

 ـ أنا لا أحمل رقما..

فقال مستغربا..

 ـ كلّ إنسان عنده رقم..

 ـ كلّ النّاس..

 ـ نعم كلّهم.. كلّهم..

 ـ ومن أين آتي بالرّقم؟..

 ـ من هناك حيث يقف النّاس في صفّ ..

 ـ ولكنّ الصفّ طويل..

 ـ هكذا هو دائما..

 ـ ألا يمكن الحصول على رقم دون الوقوف في الصفّ..

 ـ لا يمكن..

 ـ لماذا لا يمكن؟..

 ـ إلاّ إذا كنت من....

 ـ هكذا...

 ـ إلى أين؟..

 ـ سأذهب لا أريد..

 ـ سوف تندم..

 ـ فليكن النّدم فليكن..لا بأس فالحياة كلّها ندم

وحسرة..

وذهبت لكنّك ندمت

وتجرّعت الهزيمة لا لأنّك لم تأخذ رقما بل لأنّك كنت رقما لا قيمة له ولا حول له ولا

قوّة.. رفضت وجودك رفضت حدودك.. رفضت قيودك وحطّمت السدود لتروي العباد وتسقي الزّرع..

فقالوا لك..

 ـ لقد أغرقت البلاد وجرفت العباد..

فبقيت وحدك.. تمضي

وحدك.. تجلس وحدك..  تراقب الغراب وهو يذوب

في حمرة الشفق الغربيّ منتحرا..