عرس العربي

أيت حسو مبارك السعداني

أيت حسو مبارك السعداني

صكت خالتي وجهها بحدة وصاحت بصوت جاف خرج من بين أسنانها :

- بنت الحرام !!

خالتي وأمي انزوتا في غرفة "بالدويرية" بعيدا عن أنظار المدعوات.أطرقت

خالتي ودموعها على خديها بينما رفعت أمي صوت جهاز التلفاز مخافة أن يسمع

كلامهما خارج الغرفة.ظهر على الشاشة مذيع نشرة منتصف الليل وقد ارتسمت

على وجهه المستطيل ابتسامة لا معنى لها :

 - مازالت قوة التحالف تدك بغداد بأنواع مختلفة من القنابل والصواريخ

تأتيها من كل الجهات ...

رفعت العريفة العجوز صوتها الأجش وعيناها على الباب محاذرة أنيتسرب شيء

من كلامها إلى الخارج :

 - الرجل حاول كثيرا،لكنه لم يجد شيئا !!

ليلى ابنة خالتي مكومة ،كفأرة مذعورة،فوق السرير في غرفة تنيرها في غرفة

تنيرها شموع فوق شمعدان سداسي.الجو ثقيل، ورائحة العرق والخمر تزكم

الأنوف .جسدها الصغير ملفوف في إزار أبيض أعد ليكون عربون طهارتها؛في

الوقت الذي قبع العربي ،بجلبابه الأبيض، في ركن قصي من الغرفة يتصبب عرقا

ونظراته زائغة .

 أردفت العريفة ،وعيناها تمسحان وجه خالتي وقد شعت منهما مخايل الدهاء :

 - المسكين صبر عليها كثيرا؛ لابد أن نجد حلا..

 النساء والفتيات يرفلن في أبهى حللهن في خيمة كبيرة نصبت أمام الدار،

يقرعن الدفوف ،يغنين،يزغردن ويرقصن في هيستيريا واضحة.وبين الفينة

والأخرى يسترقن النظر والسمع إلى غرفة ليلى وينتظرن، بفارغ الصبر، ما

ستسفر عنه اللحظات القادمة .

 كبس الليل على القرية رغم المصابيح الكثيرة المحيطة بالدار في علنية مع

ظلام الليل. الزغاريد تتوالى والأغاني تتعالى ... وبين لحظة وأخرى يحل

السكون دليل تعب المغنيات ليُسمع نباح الكلاب ونقيق الضفادع...

كانت ليلى فراشة ندية أينعت في غفلة من الجميع، لم يأبه لها أحد إلى أن

خطبها العربي،الكهل الذي عاد من فرنسا بعدما هجرته زوجته وأولاده، بمشورة

مع العريفة.

قال أبوها :

 - على بركة الله ..

قال العربي :

 - خير البر عاجله..

ذات ليلة ظلماء ،تسللت ليلى إلى فناء الدار المكشوف على أطراف أصابعها

وتلقفها الدهليز الطويل،الذي كانت ترتعش عندما كانت تقطعه وحدها.في غفلة

من الجميع،ارتمت في أحضان الزائر الغريب كعصفورة كعصفورة خائفة ...

انتبهت خالتي على صوت العريفة المنهك:

 - أريد فروجا صغيرا ...

طارت أمي إلى الزريبة من الباب الخلفي دون أن يلحظها أحد. أحضرت ديكا

صغيرا،انتزعته من أحلامه،وسلمته للعجوز التي جزت رأسه بموسى صغيرة

واعتصرت دمه في قنينة صغيرة أخرجتها من حضنها.

 بعد لحظات، خرجت العريفة من غرفة ليلى وفوق رأسها صينية فيها ثوب أبيض

تجلله قطرات دم طري،فتبها العربي مهرولا وقد دثر رأسه بقب جلبابه متجها

إلى حيث ينتظره الرجال .تطايرت الأوراق والقطع النقدية وارتفعت أصوات

النساء والفتيات ، وهي تقرع أذني العربي الذي حاول جاهدا أن لا يسمعها:

 هـــاهو يا أولاد الدرب...

 لاتقولو العريس كذب ...

 بياضي على اليوم يا يما...

 بياضي على اليوم يا يما...