نزف قلم

شيماء اعبيدو

اخذت تكتب ما يجول بخاطرها… بدأ قلمها باجتياز مثبطات الكتابة ، العيب ٬ العار و مصطلحات اخرى عقيمة لمجتمعها المتلون و المخيف… قلمها يتأرجح في يدها و يأس جامح يجتاح روحها بينما ترتشف قهوتها المرة التي تنبعث منها رائحة الهال… الكل نائم حتى أخاها الشقي الصغير نام الليلة باكرا، يقال أن الليل مجرة تسمح لشهب الحنين باختراق غلاف الذاكرة؛ وحدها و الليل و القلم ثالثهما و هذا اليأس الجامح أليس مخيفا حقا ما قد تنتهي به ليلة كهذه ؟ 

بدأت عجلة الزمان بالدوران تنقلها من ضفة الى اخرى تارة تهب قلمها السعادة و تارة تهبه المعاناة و الصبر فالكتابة نزف في كلتا الحالتين ولكن لا بد أن نكتب من حين لآخر كمحاولة للتنفس حتى لا يخنقنا الواقع المرير…بدأ قلمها الجريء بالقفز على جسور الحياء… بدأ المشي على ماء العيب و الواقع دون الغرق فيه و احلامها التي تمنت أن تحققها داخل مجتمعها تتعلق بأقدامها في سقف الغرفة مثل خفافيش قبيحة كيف لتلك الاحلام التي كانت جميلة جمالا لا وصف له بقدر جمالها بقدر طهر نواياها أن تصبح بهذا القبح ربما لأنها لم تجد من يعتني بنضارتها و جمالها او ربما لانها لم تستطع الصمود أمام الجفاف و القحالة التي تطبع مجتمعا لا يملك جرأة الابتداء و يتوجسه الحذر من كل تغيير ربما وربماتختلف الاعذار والمآل واحد

تتنفس الصعداء تعدل جلستها ثم تفتح نافذة الغرفة تود لو تهديها السماء طيورا بيضاء بدل الخفافيش المخيفة… أحلامها باتت باهتة تتلاشى رويدا رويدا و ملا محها باتت مبعثرة تواصل حروفها بالنزف بقدر ما آلمتها بقدر ما كانت مصرة على نثرها … صودف أن تاريخ اليوم الموالي هو عيد المرأة تصدر ضحكة استهزاء ممزوجة بحسرة دفينة… تكتب كلمات بقدر ماهي قاسية و موجعة بقدر ما هي واضحة و صريحة " كل عام و أنت امرأة منسية ، يختلقون يوما دوليا و ستظلين دوما امرأة لا مرئية " ويمضي القلم وحيدا مكسور الاحلام مرهقا …مل سيناريو الكتابة المتكرر يود لو يتبنى حبالا صوتية كي يثور في وجه القراء …مل قسوتهم جمودهم و ظلمهم… قراء يجيدون قراءة ما يكتب و لكنهم لا يقرأون ما لا يكتب اين حاستهم السابعة المزعومة …قراء ليسو أهلا حتى لامتلاك حواسهم …مل القلم كل شيء رائحة النفاق و الكذب زكمت أنفه امتصت عنفوان حبره و سلبته رحيق أيامه اهترأ هذا القلم اليتيم من كثرة الخذلان … قلم هو لكنه اكتسب الاحساس من حاملته اليوم يعلن انتحاره فكيف له ان يصمد كل هاته السنين أمام هاته الاوراق الجافة اوراق بلاصوت… اوراق خرساء لا تجيد سوى عكس الحبر على مرآة قارئ ابكم هو الاخر لا يجيد تسخيرحواسه …اليوم يعلن القلم انسحابه مرفقا هذا الانسحاب ببرقية لحاملته التي غابت بسمتها بعد تشييع جنازة أحلامها الموؤودة قائلا فيها " كفى احلاما منتهية الصلاحية يا حالمة… لا توهمي نفسك بأحلام أكثر أملا لاتوهمي نفسك بغد أفضل بانتظار و انتظار لأن الانتظار سينتهي بلا شيء …تعالي معي نغادر احلامنا بهدوء و نغرق بنوم عميق حد اللاإكتفاء… حد اللانهاية ربما نلتقي القراء في حياة أخرى أكثرسخاءً …اكثر ثراءً… و اكثر صدقا "

تضع جثمان قلمها داخل صندوق خشبي قديم تنفض عنه غبارا ذهبيا لزمن ولى لكنه لا زال يذكرها برماد ذكراه … احتراما و اجلالا لجرأة هذا القلم لصدقه و لوفائه و لأنه كان ونيسها في ليال كثيرة حين يتخلى عنها النوم ليتبناها الأرق …تأخذ قلما جديدا فالاول لم يعد صالحا للكتابة لقد استقل عن وظيفته الفطرية فالقلم لا يكتب الا حين تنهشه رغبة في ذلك و ليست كل الاقلام دوما تابعة لرغبات حامليها تكتب آخر كلماتها خاتمة بها كتابها " و انتحر قلمي رفيق أيامي …و انتحرت كلماتي… و انتحرت حروفي …و انتحرت الحواس…اما انا باقية على قيد الكتابة حتى ينتحر الفساد ".