الشيطان والذئاب

أصاب الزلزال المدينة الخضراء، فحولها إلى أشلاء مدينة، يرسم الناظر في خياله صورة المدينة الجميلة وهو يرمم في قلبه، ما تراه عيناه، فتتناثر دموعه على صدره كأنها أحجار أبابيل، دفن الزلزال أعداداً لا حصر لها من سكان المدينة، لم ينس الزلزال الحيوانات والمواشي في المدينة، فخطف أرواحهم وحولهم إلى حجارة جامدة بأشكال متنوعة.

- الناجون من الزلزال من سكان المدينة الخضراء، لجأوا إلى مدن أخرى، وقد حملوا معهم بعض الأشياء التي استطاعوا حملها، الحسرة تقتلهم على سعادتهم التي فقدوها بخراب مدينتهم ودمار منازلهم وضياع اموالهم، لكنهم يشكرون الله الذي أنقذهم ووهب لهم الحياة، ويترحمون على إخوتهم وأخواتهم الذين تمزقت فيهم الأرض، وسلب الزلزال أرواحهم.

- صوت يدوي في فضاء المدينة المنكوبة، تهتز له زوايا الأرض، ويبعث الرهبة في صدور الناس ممن يسكنون قرب المدينة الخضراء المنكوبة، حتى أن الناجين من سكان المدينة المنكوبة ابتعدوا عن دخول مدينتهم للبحث عن متاعهم خوفاً من هذه الأصوات التي تهابها القلوب.

- تناقل الناس أخبار المدينة المنكوبة، تعاظمت الأخبار، وأصبحت قصصاً محبوكة بعناية، توحي بالخوف و الألم و الحسرة، بكت القلوب دماً على المدينة الجميلة و ليس في الأمر حيلة، لا يملك المحبون إلا الدعاء لرب العالمين.

- طيور جارحة تهاجم المدينة، تنهش أجساد البشر والحيوانات الذين صرعهم الزلزال، ذئابُ البراري حَوْل المدينة، دخلوا المدينة، وأقاموا أفراحاً، حول أجساد سكانها وأجساد حيواناتهم.

- كل من سمع بقصة المدينة المنكوبة أقام خيمة عزاء في قلبه، الناجون من سكان المدينة أحزانهم تتدفق كالأنهار، يريدون أن تبادر دول العالم وترسل بعثات الإغاثة والطواقم الطبية، وتمد سكان المدينة بالمعونات العاجلة، فقد تمزقت آذانهم من سماع كلمات الإنسانية والرحمة ومساعدة المنكوبين.

- الناس في الماضي إذا شاهدوا بيتاً مهجوراً، أطلقوا عليه وصفاً بأنه (مسكون) أي تسكنه الجان والشياطين، ويتناقلون قصصاً في سهراتهم عن الجان والشياطين وسكنهم في الأماكن المهجورة.

- تناقل الناس حول المدينة المنكوبة، أن صوتاً قوياً ارتعدت منه التلال، يعلن أن الشيطان هو ملك المدينة المنكوبة وأنّ أوامره هي المتحكمة بتلك المدينة، اكتملت صحة أخبارهم السابقة، بأن الشياطين والجان يسكنون الأماكن المهجورة، وأن الغرابيب السود تعزف ألحان الدمار في كل مكان مرتفع، وأدركوا أن الصوت القوي الذي اهتزت له زوايا الأرض عندما غادروا مدينتهم، هو صوت الشيطان.

- الناجون من الزلزال يتبادلون قصة عن حلف جرى بين الشيطان الذي يغني ويضحك لخراب المدينة وبين الذئاب المنتشرة في كل شارع من شوارع الميدنة، يقول رواة القصة: أنّ جني مؤمن استرق السمع لحوار جرى بين الشيطان والذئاب، وأن هذا الحوار نقله الجني إلى إنسان من أهل المدينة كان يتفقد بيته.

- الشيطان يضرب بذنبه أطراف المدينة المدمرة، ويعوي كصوت الرعد، كثير من أهل الأرض يسمعون أوامره، واراد أن يضم إلى سكان مملكته الذئاب المنتشرة في المدينة المنكوبة، إنهم يأكلون أجساد الضحايا ويمزقونها بكل سعادة وهناء، فهم يشبهون أعوانه الذين يقومون بالفسق والفساد والقتل والدمار وهم سعداء بأعمالهم، ليضمهم إلى مملكته، وهم قريبون منه.

- أرسل الشيطان نائبه إلى الذئاب المنتشرة في المدينة المنكوبة، ليأتي بوفد منهم، اختار ثلاثة ذئاب، سيرتهم الذاتية توضح أنهم أشرس الذئاب وأنهم أكثر قتلاً للإنسان والحيوان، أقنعهم نائب الشيطان بالذهاب معه لمقابلة الشيطان لمناقشة أمور يستفيدون منها، لم يجد نائب الشيطان صعوبة في إقناعهم، لأن مصالحهم تتحقق بسرعة مع الأب الروحي للإجرام والفساد.

- تعجب الذئاب من مقر إقامة الشيطان، فقد اتخذ المسجد الكبير الذي هز الزلزال أركانه وحطم جدرانه، ومزق سقفه مقراً له.

- رحّب الشيطان بالذئاب ترحيباً لا أفق له، وأشعرهم بصداقته، كلاهما يحاربهما الإسلام، وكلاهما يجد نفس النظرة من المسلمين.

- بدا اللقاء ودياً وأخوياً فالمصالح المشتركة واحدة، والاتهامات التي تصيبهما من المسلمين واحدة، واتفقا على العمل المشترك ضد المسلمين، وقالت الذئاب للشيطان، إننا نثأر لأنفسنا، فالمسلمون الذين صرعهم الزلزال تمزقهم تمزيقاً لا رحمة لنا فيهم.

- قال الشيطان للذئاب.. لقد توعدني الله بالنار، لأنني شجعت نبي الله آدم على الأكل من الشجرة، التي أمره الله أن يتجنب أكلها، وهو من ذلك التاريخ يخوض حرباً لا هوادة مع عباد الله، ويأخذ أعداداً منهم وإلى مملكته، ويسهل عليهم كل فعل منكر ليكونوا أعواناً له.

- استراحت الذئاب لأقوال الشيطان وأحسوا بصداقته، وأخرجوا ما خبأته نفوسهم ضد الإسلام والمسلمين.

- قال ذئب: أيها الشيطان العظيم إنّ إخوة يوسف لما ألقوه في الجب، قالوا لابيهم عندما قابلوه مساءً ، لقد أكله الذئب وقدّموا له ثياباً ممزقة ملطخة بالدماء، كأنّ الذئب رمز للعداوة والقتل.

- وقال ذئب آخر: يا سيد النار، إن رسول الإسلام، عندما أراد أن يشجع المسلمين على الجسم الواحد، والأيدي المتشابكة، قال: إنما تأكل الذئب من الغنم القاصية. وصفنا رسول الإسلام بالخديعة والمكر وقتل الشاه الشاردة البعيدة عن القطيع.

- وقال الذئب الثالث: وقد بلغ الغضب ذروته في نفسه.. يا ملك المعاصي والفتن والمهالك، يا جبل الشر والفساد. في هذا العصر، وصف المسلمون مصطفى كمال الزعيم التركي، الذي رفع شأن تركيا وأنهى الخلافة العثمانية بالذئب الأغبر. مع أنه لم يرتكب ذنباً، جعل الأذان باللغة التركية، واعتمد في كتابة اللغة على الحروف اللاتينية.

- امتد الحوار بين الذئاب والشيطان لفترة طويلة، وشعروا أن قنوات الشر بينهما واحدة، وكل من الطرفين لهما الطرق المشروعة بالإيذاء بالإنسان، مدح الشيطان الذئاب، وأشاد بخبثها ومكرها، وقدّم الوفد المفاوض للذئاب أوراق التبعية للشيطان، وانتهى لقاء الشر، وكل طرف يشعر أن سعادة الحياة لديه عندما ينتشر الفساد، ويعم البلاء، وتجري الدماء.

وسوم: العدد 670