أقاصيص من أدب السجون

عندما يصبح الصمت سيدا

زكرياء بوغرارة

عندما يصبح الصمت سيدا

1

كان يقف كأنه قطعة من جماد ملتصقا بالحائط الأصم الأخرس.. عندما جاء الجلاوزة أدركته صعقة كهربية من  داخله اهتز لها جسده بالكلية إنه شعور بالرهبة والخوف  غالب نفسه وهو يحاول أن يمنع قطرات من البول سالت على سرواله مع شعور بالغثيان.. أنه لايزال تحت وقع الصدمة, للموت رائحة في هذا المكان.. بحركة آلية نزعوا الأصفاد الحديدية من يديه وقدميه بينما الخرقة الملعونة لا زالت تحاصره وتحجب عنه الاشياء وتفاصيل المكان ووجوه الحقراء

تحلقوا حوله في دائرة مغلقة بينما الصمت سيد المكان كان يحس بأنفاسهم المتلاحقة ودخانهم الذي ملأ الغرفة كأنه ثعبان يتجه نحوه وهو   واقف في استسلام مطلق.. بعد لحظات صامتة سحبوه كالأعمى الى المجهول

اقترب أحدهم من أذنه رويدا رويدا

وقال بصوت كأنه  فحيح الافعى

- ما اسمك؟؟؟

تاه وكأنما السؤال لجة غرق فيها  للعميق.. فقد ضاع صوته  مع كل الأشياء التي تبددت كالبخار في المعتقل السري تمارة

لايزال يبحث عن صوته  بكل مايملك من قوة إدراك  ولكن  بلاجدوى

عاجله الجلاد بلكمة على صدغه الأيمن

انطق أدووووووووي

بينما دمعة متحجرة في محجريه وزفرات وئيدة مخنوقة في صدره وآهات  تعلن إحتراقها....

جدار الصمت

2

تحسس جدار الصمت كان باردا كالثلج, أنصت للحظات لعله يجد خبرا  من وراء هذا الصقيع.. هاهو ذا يلفظ أنفاسه الأخيرة بتصميم هادئ متواصل على اللحاق بالقافلة...

إرتجف وقد علاه الشحوب   دموعه وقتذاك كانت مختلطة بعرقه الساخن.. كانت أسرع تدفقا من الدم وهو ينبعث دفاقا من رأسه

معتقل تمارة صوت القهر فينا ينكؤ زمن الجمر يذكرنا قسوة الجلاد كابيلا وهو يعتصر القلوب كموجات البحر الهاذر وهو يثور  غضبا ويستقبلنا كالعاصفة

كل الحكاية  تلك الليلة  اختصرها عبد الحق مول الصباط في الرحيل

لقد رحل وعم الصمت العتمة

لحظات تحترق

3

يدب الحنين في قلبه دبيب القلق في ليالي الغسق يصبح في لحظة  ما ومضة حانية تتوقد في قلبه فتصير جذوة من الإشتياق.. ويهتف شوقا إليها يردد هتافه القديم  وهو يناديها يا له من شوق ظل كامنا في حسه  كل  تلك السنين المقبورة الراحلة

 صفحة وجه زوجته ظلت تلاحقه انها تستكن مخياله وهي شاحبة في وجوم بعد ساعات من مداهمة الدار  تتحجر الدمعتان اليتيمتان في محجريه وهو  يغالب لحظة القهر عندما انتزعوا منها خمارها فبدت لأول مرة  سافرة أمام وحوش غرباء

  لا زال ذلك اليوم في ذاكرته بعد سنوات العتمة والجمر والرماد

تلتف حول عنقه كل ليلة كأنها  ثعبان الأناكوندا الرهيب

4

دوش أسخون

صدى أجراس بذاكرته تدق بعنف دون توقف,أصغى بعمق لمصدر انبعاثها وأنا له أن يعرف ذلك. ها قد توقفت طاحونة الإستذكار أمام ذلك المشهد الدامي

كان  وجهه كفطير محترق بشفاه زنجي وعينين بارزتين وكرش عظيمة.. بينما العرق يتصبب من جسده كأنه  فقاقيع ماء مغلي برائحة منتنة كالجيفة

 توقف لحظة أمام الجثة الممددة قبالته ثم أرسل من فمه بصقة زرقاء نتن ريحها كان ذلك دأبه دائما مع سائر ضحاياه كأنما  هي تحيته المفضلة

 وفي حركة جبانة تقدم أكثر إلى الأمام خطوات وبينما أنين الضحية يعلو باغته بماء نتن الريح..كأنما يصبه من إبريق

 كان الجلاد كابيلا يبتسم وقتذاك وهو يحاول أن يجفف عرقه بيده الغليظة

أستدار ببطء لقد انتهى من وليمة الالم والدم

 شعر بالارتياح وهو  يمسك بشيئه ويمعن النظر في الجسد الطريح أرضا

 كانت رائحة البول منتنة

 غاذر الجلاد الغرفة السوداء وقهقهاته تتعالى كأنما هي أغنية  من قهرنا

_ بصحتك.. دوش أسخون

  من الآن فصادعا أنتم بدل المرحاض.. نتبول فوق أجسادكم  اليوم ونتغوط... غدا..

 _ نيها نيها نيها... ها ها ها