في حي الراشدين

تلاقينا والعبرة تملأ العيون ، على ماكان ، وما قد يكون ، بعد غياب طويل ، قبلته وتعانقنا قال : 

أنت صديقي فدعني أسكب على يديك ماتبقى من عبرات .

ولدي الوحيد ابراهيم ، رزقته بعد ولادة ابنتي وانتظار سنتين ، فأشرق في نفسي اشراقة الأمل المفقود ، وأزهر في روضي كما الزهرة النضرة ، وانقلبت بقدومه كهولتي الى شباب ، ويأسي الى أمل وشقائي الى سعادة ، بلغ من العمر تسع سنوات ، وقد ترعرع ونما كعود الريحان ، لاينقصه الا الماء والغذاء والكساء ومتابعة التعليم الذي انقطع عنه لأن الصواريخ دمرت المدرسة ، بغياب التلاميذ ، وحرقت البراميل ماتبقى منها . 

وفي مدينة هنانو حيث نسكن ، وبسبب الحصار الشديد ، وقلة الغذاء والقصف المتواصل كنا مضطرين للخروج معا . 

وكالعادة خرجنا للبحث عن الماء والغذاء وما قد يتيسر من الكساء ، كان الجو حارا وقائظا ، مررنا من أمام الفرن الوحيد الذي كان يعمل ليل نهار لتأمين الخبز .

قال الصبي ابراهيم : أبتي سأنتظم مع المنتظرين دورهم لأحصل على الخبز ، اذهب لتأمين الغذاء ، تركته وذهبت ، سمعت أزيز الرصاص وقد تعودناه ، كما سمعت صوتا منبعثا من مروحيتين تسيران معا ، نظرت اليهما بعين الخائف المذعور ، وتابعت سيري متوكلا على الله ، وفي الطريق صدمت شابا رافعا رأسه الى السماء فنظرت حيث ينظر واذ بي أشاهد برميلين يتساقطان من الطائرتين نحو الأرض ، فاستعذت بالله والتجأنا جميعا أنا ومن حولي الى أقرب بناء لنتحاشى الانفجار والحريق . 

سقط البرميلان الواحد تلو الآخر ، وكثر اللغط بين المتواجدين من أن الفرن هو المستهدف ، فأسرعت راكضا صوبه ، فرأيت ويا لهول مارأيت الفرن مدمر والأشلاء متطايرة والدماء تغطي سطح الأرض ، وبدون أن أشعر صرخت ابراهيم ، ابراهيم ، فقادني اليه جارنا ، كان مبتسما يسبح في بركة حمراء ، مات ابراهيم . 

في سرعة البرق تبدلت دنيانا ، وماتت أحلامنا مع من مات ، وها نحن في طريقناالى الموت نسير .

وسوم: العدد 701