مكالمة

مصطفى محمد رشدي مفتي

بسم الله الرحمن الرحيم

لم أتكلم معها منذ ثلاثة عقود وفوقها سبع من السنوات، لم يخطر في بالي بأنني سأكلمها أو أسمع صوتها، لأنني تعمدت أن أمسح من ذاكرتي ومذكراتي أحبابي الذين يعيشون في بلدي والذين يعششون في شَغَاف قلبي، وذلك لشدة خوفي من أن تنالهم مساءلة بسببي ممن لا يخافون الله ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمّة.

نادتني قريبتي من بعيد وكنا في الحديقة القريبة من المنزل مشيرة إلى جوالها ففهمت أنه ثمّة من يريد التحدث معي، فتبادر إلى ذهني أن أحد إخوتي الذين تشتتوا في الأمصار -بداية من مصر الكنانة ومروراً بفرنسا وهولندا والدانمارك وبلجيكا وانتهاء بأمريكا- على الطرف الآخر، وكانت المفاجأة!! إنها (دعاء) تسأل عني وتطمئن على حالي، تكلّمَتْ ورحّبَتْ بي بنبرة مختنقة فأذهلني الموقف وتاهت حروفي وضاعت كلماتي، وتلعثمْتُ وتلكأتُ وعجزْتُ عن ترتيب الحروف المبعثرة التي كنت مبدعاً في ترتيبها وأنا في الأيام الأولى من الدراسة، ولكنني سرعان ما تصنعت الثبات وبدأت أخرج من أثر الصدمة الأولى متجلداً متناسياً حرقةَ ومشقةَ وألمَ وغصةَ ما خلا من السنين، لأسألها عن حالها وعن حال أهلها وأقربائها؟!! يا للهول؟!! إن من غادرونا إلى جوار ربهم هم الأكثر!!وهناك قسم آخر تركوا وطنهم تحت وطأة الضغوط التي لم تعد خافية على أحد، ولم يبقَ في انتظارنا إلى القليل من الأحباب والأقرباء يرمقون بأعينهم الذابلة النور القادم في الأفق البعيد.

أسأل الله تعالى أن لا يطيل انتظارهم ويفرج عنا وعنهم وعن بلدنا في القريب العاجل إنه نعم المولى ونعم النصير.  

وسوم: العدد 730