(واخفضْ لهما)

تراني كيف أسطيع أن أخفي نتائج دراستي في كلية الهندسة عن أبي؛ فلو علم أنني قد رسبت في سنتي فربما أصابته جلطة أو سكتة دماغية، إذاً لا بد من تبرير الأمر حتى لا أقع في حبائل الكذب، وشرك المراوغة، فأنا كبير إخوتي، وينظرون إليَّ على أنني القدوة، ولا أريد أن أخسر ثقة أبي بي كذلكم؛ فهو الذي قد أمنني على أعماله مذ كنت صبيا  يافعاً في السادسة عشرة...... يا الله لقد مضى هزيع من الليل ولما أهتد لمبرر يسعفني من هذه المعضل. حك رأسه مرتين، ثم قبض على عُثنونه وشده بعنف علَّه يفرز مع بعض الشعيرات التي تساقطت من لحيته الشقراء بعض حلٍّ، ولكنْ، لقد أرتج على أي تبرير معقول لا يشوبه كذب ولا تدليس؛ فالكذب ريبة، وإنْ استساغ كذبة يوماً، فقد يتهاون حتى يُكتب عند الله كذابا؟

نام بعد صراع مرير مع الغرق في لجِّ التفكير المستغلق، ولقد رأى فيما يرى النائم أنه يصارح أباه بالحقيقة المرَّة، ويعده أن يكون طالباً مجداً في العام القادم. هبَّ أبو بشر مستبشراً، وهُرع إلى الحمام ليتوضأ، صلى ركعتي سنة الوضوء، ثم أعقبهما بأربع الضحى، وجعل يلبس ثيابه كمن استُنفر للوغى، وزوجه تسَّاءل عن كُنْه عجلته، فهي التي تعرفه هادئاً غير متعجل، فما كان جوابه إلا أن قال:

وجدتُها.

وما هي؟

حلُّ المصيبة.

 وما هي؟

سأخبرك حين أعود، ومعي حلوى حل المشكلة التي أرَّقتني ثلاث ليال، ثم صَفَقَ الباب، على غير عادة وقاره وتؤدته، ولقد رأته زوجه من شرفة المنزل، يركب سيارته، ويطير بجناحي أربعة دواليب سيارته، وربما شكَّت أهو توقف عند الإشارة الحمراء، أم  تجاوزها، وهو الذي كان يفتي الناس أن مخالفات قواعد المرور مخالفات شرعية؟! 

جثا على ركبتيه ووضع رأسه في حجر أبيه ينتحب، سامحني أبتاه فقد خنتُ الأمانة.

سأل أبو ياسر وقد فغر فاه دهشة وريبة: آياسر يخونها؟ لا أصدق، لعلك تمزح.

بل حصل يا أبتِ.

جفَّف الأب دموعاً سخينة أُهرقت على خد ابنه الأبيض المشرب بحمرة تركية خفيفة، ثم ساءله: وأنا مسامح سلفاً، ولكنْ ما عساها تكون؟

لقد رسبت في كلية الهندسة لهذه السنة بسبب عدم انتظامي في الدوام، وغيابي عن بعض الامتحانات.

فيم؟

لا شيء خلا التواكل.

قطَّب الأب جبينه، وعقد بين حاجبيه هُضيبة صغيرة، على غير عادته، رفع ياسر وجهه ورنا إلى وجه أبيه فهاله منظر لم يره من قبل قط، فعاد ينتحب وأقعى، ثم طمر رأسه الصغيرة بين فخذي والده؛ يستعطفه العفو والرحمة.

قم يابني، ولا تعد لمثلها أبداً، فأنا أنظر اليوم الذي تتخرج فيه مهندساً في جامعة حلب بفارغ الصبر، صحيح أن بعض أخواتك قد تخرجن مهندسات، ولكن المؤمل عليك لكي تصبح مهندس مصنعنا لمواد التنظيف، ويومئذ لن نحتاج لمهندس نستقدمه، ثم أخرج محرمة كلينكس من جيبه، ومد يده إلى قنينة المعقم، فرشَّ على المنديل قُطيرات من المعقم، ثم مسح بها وجه الابن المتعفر بالخِطىء والحُوب معاً... لا عليك إن قاسمتني لتكوننَّ من الناجحين.

سأكون بحول الله، ولكن ارحمني أبتاه من معقماتك.

ضحك الأب ضحكة عريضة، عرف الابن الذكي بها أن الأب قد رضي رضاء تاماً، فانكبَّ على يديه يلثمهما بشغف وحدْب معاً.

رنَّ جرس الهاتف حوالي الساعة الحادية عشرة قبيل منصف الليل فإذا صوت قريبه من عمَّان.

كيف حالك يا صويحبي؟

الحمد لله.

سأخبرك بخير ما طلعت عليه الشمس!

وما هو؟

لقد أخبرت أبي ضحى هذا اليوم عن رسوبي سنتي، فسخط قليلا، ثم رضي كثيراً!

ما رأيت في حياتي وأنا في أواسط الثلاثينيات من عمري أبرَّ منك قط؛ لا بدَّ وأنك سفكت دمعا مدراراً، وأجريت أمامه بصدق المواجد أنهاراً؟

ضحك ياسر ضحكة مجلجلة- على غير عادته- فضحكاته دائماً متزنة خجولة، ثم أردف: لا بد يا صاحبي أن تدخل لنا في الحديث نتفاً بلاغية.

لا عليك، فأنا لا أصطنعها، إنما تخرج مني –والله- عفو الخاطر، فالبلاغة عندي لغتي التي أتولَّه بها.

أقسم لك إنني لم أعِ نصف ما تقول، يا رجل احكِ معنا بمستوى اللغة التي نتداول، ههههه.

المهم أن أباك قد رضي؟

نعم، وقد عقَّمني أيضاً، كما يعقم أدوات الحلاقة التي يصطحبها معه إلى الحلاق كل شهر.

ههههههه، وكما يعقم دجاجاته في مزرعته؛ فهو لا يأكل الدجاج من السوق، بل يربي دواجن، ويأكل بيضها ولحمها، ولو كان لها لبن لاستحلبها.

هل من خدمة أؤدها إليك؟

أريد أن تذهب غداً لبيت عمتي، وتوصل لها ألف ليرة؛ فقد دخلت ابنتها المشفى أمس، وهم بحاجة لمساعدة، وشكراً.

ولمَ غداً؟

الساعة تكاد يعانق عقرباها بعضهما بعضاً، وهي تكاد تنطق لتأذن بولادة يوم جديد، خلِّها صباحاً، والصباح رباح.

أغلق ياسر سماع الهاتف، ثم انطلق بسيارته يطوي الأرض طياً إلى حي باب الحديد، وسلَّم الأمانة بسرعة البرق الوامض، وقفل عائداً إلى بيته، فاسَّاءلت زوجه عن سرِّ عجلته، فرد بسرعته المعهودة، واختصاره الشديد في الكلام: أمانة أديتها.

آليلاً، وقد بدأ الصبح يصطرع مع بهيم الظلام، ويكاد يغلبه.

لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، فقد أنام وأُقبض، فمن ذا الذي يؤديها ساعتئذٍ؟

أأنت حفيظ عليها؟ أم جعلك الله عليها وكيلاً؟

بل بِراً، ومحبة، وبذلاً وعطاءً علِّي ألاقي وجه ربي بيسير حسنات.

آلبرُّ مع القريب طراً؟

حتى مع النمل والهوام، والشجر والطير والرغام، فالبِّر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت.

طمرت أم بِشْر رأسها في حجره، وعلَّقت كتفيها على كتفيه، ثم رفعت رأسها تحدِّق بمحيَّاه المشرق، ولؤلؤتان تتحدَّران من محجريها، تقول: اللهمَّ أعِنه على كل برٍّ، واجمعني به  يوم لا مفرَّ.

آمين.

-------------

بدأ أبو بشر موسمه الجامعي الجديد بانتظام، وشعر بسعادة عارمة تكتنف روحه وهو يواظب على الدراسة رغم أن سنَّه قد كبرت؛ فقد قارب الخامسة والعشرين ولمَّا ينه دراسته بعد، فقد صار يخجل من المنتسبين الجدد، وأعمارهم تقل عن العشرين، وهو لا يزال في الصف الثالث، ولكن مناظر الطالبات المتبرجات يزعج كيانه، ويهز ضميره، ولا يمكن له أن يغض بصره أبد الدهر، دوَّامتان تصطرعان سرمداً في كينونته، فمن ذا الذي سيقهر الآخر، يا ترى؟

-------

كانت سيارته معطلة، وقد استقل سيارة أجرة ليذهب بها إلى كلية الهندسة، ولكن سائق السيارة كان قليل أدب، وقد فتح مذياع سيارته بصوت عال مزعج، ومن خلال الشبابيك مشرعة الزجاج المتسخ كانت أغان منفرة، وبعضها مخل بالآداب تقرع مسامع المارة، فضلا عن الراكب داخل السيارة، وقد كاد أن ينفد صبره.

أخي الحبيب: ما رأيك أن تقفل المذياع؟

لمَ؟

إن الأغاني التي تسمعنا إياها عنوة محرمة.

هههههه، وفيم يا شيخنا؟

أولاً، على الأقل الموسيقى حرام.

وثانياً؟

بَسَمَ أبو بشر بسمته التي لا تكاد تفارقه، ثم قال: لو أنك تسمع فقط لنفسك، فلك الحرية، ولكنك تلجىء الجميع للسماع عنوة.

وثالثاً؟

قال أبو بشر: أريدك أن تناقشني فأقنعك أو تقنعني، دونما تجريح أو غمز.

هههه، ولكني لم أغمزك بعيني!!

بل غمزتني بكلامك.

أول مرة أعرف أن الكلام يغمز، عشنا وشفنا.

ما رأيك أن أعطيك شريطاً فيه قرآن كريم؟

والله يا شيخ عدَّاك العيب.

دسَّ السائق الشريط في جيب المسجل، وبدأ صوت المقرىء عبد الباسط عبد الصمد يصدح بسورة يوسف، ولم يمر دقائق حتى رأى أبو بشر دمعة تتدحرج على خد السائق الأسعف المتغضن. توقف السائق على يمين الشارع، ووضع رأسه على المقود، وبدأ يجهش ببكاء مرٍّ. ربَّت ياسر على كتفيه، وهدهده ومسح دمعتيه، وقال: يا عماه سأهديك الشريط هدية لتبقيه معك، وكلما فتحت عليه لا تنس أن تدعو لي. أمسك بمقبض فتح الباب، ووضع رجله الينمى على الأرض، ولكن السائق أمسك بتلابيب ثيابه: وأقسم عليه ألا ينزل، فهو لم يوصله لباب الجامعة بعد، فلبَّى الطالب طلبه، ولمَّا وصلا الجامعة أراد أبو بشر أن يدفع له الإجار فأبى السائق، وحلف بأغلظ الأيمن أنه لا يأخذ منه قرشاً واحدا، وكيف يأخذ منه وقد أفضى إليه بوِرد النجاة، ثم أخذ منه ميثاقاً غليظاً ألا يرجع إلى الأغاني؟!

---------

في المساء تحلَّق الجميع على مائدة العشاء، وبدأ الأب يتلو على زوجه وأولاده قصة اليوم، فلكل يوم حكاية، ولا بد مع كل عشاء من فاكهة يتذوقها الأطفال من قَصص أبيهم في تجارب الحياة، فسأل بشر: هل ثمة جديد مفيد؟

قالت الأم: لا بد.

سأل الصغير عاصم : أريدها عن الأطفال.

نهره بشر: لِمَ تجرُّ الموضع إليك، أنا أريدها رجولية

بَسم الأب وقال: سأقصُّ عليكم اثنتين؛ فبدأ بقصة مناسبة لسن عاصم الصغيرة، ثم قص على زوجه وابنه الأكبر قصة اليوم العجيبة، وكان الصغير قد دبَّ الكرى في عينيه مبكرا فنام، ثم فعل النعاس بعيني بشر فعل ما صنع بعيني أخيه من قبل، حملاهما بين ذراعيهما، ثم أناماهما في سريريهما.

--------

كان الأب يفكر بين الحين والآخر بمستقبل ولديه، وماذا عساهما يفعلان حين كبرهما؛ إذ لا بد له من أن يهيىء لهما ما يحول بينهما ورداءة الجو المجتمعي، وفساد المنظومة التعليمية في بلده، ما ذا لو أنه رحل بهما إلى الأردن فثمة مدارس إسلامية قد تعينهما على التعلم دون خوف الانزلاق في مهاوي التفسخ الشبابي. كان هذا الهاجس يقض مضجع أبي البشر، ويؤرق نومه القليل الذي قد لا يصل في الليلة الشتائية الطويلة أربع ساعات، فكيف به وقد نغصه انشغال الفكر على مستقبل الولدين؟ ياربِّ أخرجنا من هذه المحنة، واجعل لنا من لدنك رَشَداً، تلكم عبارته المتكررة، واللازمة التي ينبس بها صباح مساء، والدعوة التي تغير شكل مبسمه من العذوبة إلى المرارات اللامتناهية، وقد فعلها سنة فانتقل بزوجه وأولاده إلى عمان، وأودع  بنيه في مدرسة إسلامية.

----------

الجو ربيعي مدهامُّ الخضرة، والجداول تترقرق بعد موسم شتائي قد انصرم عن بهجة ربيعية خلعت على الكون بساطاً أخضر زاهيا، ونسائم الصباح تداعب خدود الورود فتنحني الأخيرة نشوى خجلة من قبلات النسيم البارد، والرحلات في مثل هذه الأوقات تحلو مع أصيحاب فتية المساجد.

كان ياسر قد أخذ على عاتقه شواء اللحم، ورغم انهماكه فيما خصه من أعمال هذه الرحلة الشبابية، إلا أنه بين الفينة والأخرى، يتسلل لواذاً بظل شجرة، ويُخرج هاتفه النقال من جيبه ويتكلم مع أبويه مطمئناً عن صحتهما، ويسألهما إن كانا يحتاجان أي أمر، كل ذلك في أقل من نصف دقيقة، ولكن الأمر قد تكرر تسع مرات في هذه الرحلة الربيعية القصيرة، ولذا ضبطه أحدهم متلبساً بجرم البرِّ، وهوس التواصل مع الوالدين، فما كان من هذا الصويحب إلا أن التقط له صوراً فوتوغرافية.

في حديقة الجامعة الغنَّاء، وبُعيد أن أديا صلاة العصر تحت شجرة- لأن كلية الهندسة كانت قد أغلقت المُسيجد منعاً للطلاب من الصلاة- فاجأ سعيد ياسراً بالصور التي التقطها له خلسة، فاحمرَّت حدقتا عينيه العسليتين، وانتفخت أوداجه، وانقلب ليثاً كاسراً، يُرعد ويزبد، مما سبَّب تجمهر بعض الزملاء حواليهما، ولكنَّ أبا بشر استدرك خطورة الأمر، وخاف أن تشمت به الطالبات المتربصات ممن يلقبنَه المتشدد الأصولي المنغلق، وبعد أن وثَّق العهود مع سعيد بأن يسلمه الصور وأصولها كان مصيرها جميعاً في مجرى نهر قويق، وانتشى الشاب المتدين حين تخلص من ريبة أن يسأله الله –عزَّ وجلَّ- أن يحيي يوم القيامة كل ما في الصور من منعكسات أشخاص! 

------------

(سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنَّا إلى ربنا لمنقلبون)؛ بهذا الدعاء المسنون يبدأ ياسر ركوب راحلته، ولا يمر على صديق أو جار أو غريب إلاَّ ويردفه وراءه في سيارته التي تئن من غصصها بازدحام الركاب فيها، ولكنه لا يوصل كلاً حيث مبتغاه، بل يأذن له بمغادرة مقطورته في أقرب مكان في الشارع العام، وهو يردد معلِّماً نزلاء راحلته: إنه هدي الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم - فمن كان عنده فضل رحْل فليعد به على من لا رحل له، ثم يكمل لهم بقية الحديث، وغيره، حتى ينزل آخر مُتَشَعْبِطٍ في سيارته العجوز التي تقُحُّ دخاناً أسود مرة وأبيض طوراً، وقوس قزح في كثير من الأحايين. ولكن، إذا ما كان في الركب نساء، حتى لو كانت امرأة واحدة، فبُعيد قراءة دعاء الركوب وقبل الشروع في وِرْد الأدعية الأخرى لابدَّ من ثني المرآة الوسطى في السيارة حتى لا تعكس أمام عينيه صورة امرأة لا تحل له!

------------

لم تسمح له سطوة الخدمة العامة التي تجشَّمها على عاتقيه أبو البشر أن يتابع دراسته الجامعية كما وعد أباه، وكلما أراد النهوض من عثرته دعته خدمة عامة ليخطب ودها، فاصطرعا حيناً، وفي كل مرة تفوز بالنتيجة خدمات المجتمع، ويعلن الحَكَم عن تسودها بالضربة القاضية، وَتَسَّاءل زوجه أأالخدمة الاجتماعية خيرٌ منَّا، أم هو خُلق لها؟

-------------------------------------------

ما رأيك أن نقتني تلفازاً؟

أبداً

ولِمَ؟

كله مفاسد!

ولكنِ اليوم أصبح الفضاء متاحاً لبعض القنوات الجادة، وربما وُصِفت أنها إسلامية.

هذه الإسلامية التي تشرحين عنها تشوبها كثير من المشكلات.

ولكن الأولاد يجب أن يتابعوا بعض البرامج التلفزيونية.

أبداً.

ولِمَ تغلق باب المناقشة؟

الأمر محسوم بالحُرمة.

إن في الأمر لَسَعَةً.

هو أضيق من خرم إبرة.

لا تضيِّق واسعاً يا أخا العرب.

فساد الإعلام هو الذي ضيَّقه.

لا تحجِّرْ فضفاضاً يا أُخيْ!

يكتنف كل وسائل الإعلام مخططات شريرة لإفساد الأجيال.

أتفق معك، ولكن....

مالكنشْ . من أول السطر.

أعطني هاتفك النقال

فيمَ؟

أريد أن أجري مكالمة سريعة.

أمع أبيك؟

وكيف عرفت؟

دأبك.

سامحني إذ لا بد من التحدث معه على رأس كل سويعة.

سامحني إن قلت لك – لاسمح الله- ماذا لو أن أباك فُجع بك يوماً، من ذا الذي سيتصل به عوضاً عنك كل ساعة، فوالله إن أخويك وأخواتك جميعاً وكل أقاربكم وجيرانكم ومن تعرفون لو أنهم تواصوا بينهم واصطلحوا على فعل هذه المكرمة من البرِّ يوما واحداً لما أطاقوا.

نتش أبو بشر الهاتف الخليوي من يد صاحبه، وهو يقول: مالي وفلسفتك؟!

ألو بابا كيفك؟

الحمد لله، لقد تأخرت عن مكالمتي أحد عشر دقيقة، أي عقوق هذا؟

سامحني يا أبتِ.

لا تعدْ لها، وأغلق خط الهاتف في وجهه!

خليك مستأهل.

ضحك أبو بشر ملىء شدقيه، وأفصح عن لآلىء مصفرة قليلاً من شرب الشاي، ثم زمَّ شفتيه مباشرة، فقد علم أنه قد عرَّض فاه بالضحكة أكثر من المعتاد، وأردف يقول لصاحبة الذي يجلس في حذائه: ولكني جدُّ مبسوط، ألم يقل المولى عزَّ وجلَّ: (واخفض لهم اجناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً)؟

في فرع سجن فلسطين كان المختلى في عشر شهور في زنزانة منفردة؛ قرُّها وحرها يستويان في العذابات التي تشاطر عقرب الثواني في ساعة رملية مهترئة. حرْقُ اللحية لم يستنطق منه كلمة واحدة، ونتف الشارب الأشقر المشوب بحمرة واهية لم يثنه عن الاصطبار، والتهديد بالاغتصاب من قِبَل السجانين ما فلَّ منه عزيمة، بل ازداد بأساً وشكيمة. هو قد سمع قبلُ عن شهر من جلسات التعذيب، ووجبات سلخ الجلود الحية، والقرض بالمقاريض، ولكنه قد مضى ثلاثة أشهر؛ هنَّ في الحسبة ثلاثمئة، بل قد ازدادوا تسعاً.

ما ذا لو أنك فُهت بكلمة عن شخص قد مات، أو آخر هو في المعتقل، أو ثالث هرب خارج البلاد، ولا تضر ساعتئذٍ أحداً أبداً؛ فتنجو من سَقَر فلسطين؟

أبداً، ابداً.

يا رجل لا تتشدد، وابحث عن حل يفيدك ولا يضر أحداً.

لن أعطيهم الدنية في ديني، كما ابن الخطاب قال.

فإذاً ستلبث في العذاب المهين إلى يوم يبعثون.

وما ذا عليَّ وعدَّاد الحسنات يسَّارع طرداً مع كل دُقيقة تعذيب وإهانات؟!

توقف ياسر ونفسُه عن المماحكة عندما سمع تنخُّم شخص في حمام المهجع الوحيد المتسخ.

هذا أبوك.

أظن ذلكم.

آمتأكدٌ؟

إنها صوت نخامته، وأنا لا أخطئها أبداً.

إذا أعلِمْه أنك هنا.

تباً لمشورتك.

ولِمَ؟

قد يقضي عليَّ وَجْداً.

أنتما في الحبس سواء.

ولكنه في الخامسة والستين.

هو عرف كل سعادات الحياة، وأنت في الثلاثين لمَّا تسعد بعدُ.

سُحقاً، فهو مسجون بجريريتي، وأخي.

سيخرج غداً أو بُعيد غد، وأنت ستلبث في السجن بضع سنين.

لا والله لن أشعره أني هنا، فهو مرتاح أنه قد سُجن عوضاً عني، ويعلم أني قد هربت منهم، ولم يعلم بعد أني في ضيافتهم، في فرع فلسطين......... أُفرج عن أبي ياسر بعد أسبوع، ومكث ابنه شهوراً بعده، ولم ينبس ببنت شفة عن أي شخص قد تضره كلمة رغم لُبثه في العذاب المهين ثلاثمئة يوم، في عذاب لو أنه نزل على جبل لرأيته متصدعاً من شدة التنكيل والتهويل، كيف لا وقد كان في سجن  فلسطين في دمشق، عاصمة الخلافة الأموية يوماً؟!

تجاوزت الساعة منتصف الليل وأبو بشر محدق بعقاربها يفكر ملياً، أينتظر الصباح حتى يكلم قريبا له في فُتيا قد أفتاها له قبل سنة خطاً، أم يكلمه لتوه؟

ألو، السلام عليكم

وعليكم السلام، من أنت؟

أنا أبو بشر.

هل حصل مكروه لاسمح الله؟

لا، بل خير.

ففيمَ مكالمة سَحَرَاً؟

أتذكر إذ أفتيتيك بذاك قبل سنة؟

نسيت.

تذكر، فأنت نعسان.

المهم؟

لقد غيرت رأيي.

تعساً، ألهذا أفقتني؟

لم أسطع نوماً يا صاح.

تبالغ!

لا والله، وإني أقاسمك إني لمن الصادقين!

ماذا لو أجلتها للصبح؟

قد أموت.

افرض.

وفتيا خاطئة قد سمعتها مني؟

يا رجل الفتاوى الخاطئة نسمعها صباح مساء، وظهر عصر، ومن ينتبه؟

الجرأة على الفتوى مَهلكة.

ما رأيك أن تخطب لي خطبة الجمعة أيضاً.

لا مانع عندي، المهم أني قد أبرأت ذمتي الآن.

ومن يعوضني الكرى الذي استرقته من عينيَّ؟

رب العالمين، قم توضأ وانصب إليه بركعتين، وادع الله لي ولك وللمسلمين.

يارب، ارزقني بِراً جزءً من مليون جزء مما حبوته إياه، واغفر له ولآله.

------------

جعل ياسر يذرع بهو مطار جِدَّة جيئة وذهاباً ينظر شخصاً متخلِّفاً عن سفره إلى حلب فيركب الطائرة عوضاً عنه؛ ليشارك في تشييع جثمان أمه التي قضت في حادث سير مروع مفاجىء، وقد طال الانتظار، ولم يقطع سرمديته إلا جرس هاتفه المحمول.

ألو.

نعم.

عظَّم الله أجركم.

شكر الله سعيكم.

كيف حالك يا صديقي؟

الحمد لله، وأشعر بالأسى لمصابك.

لا عليك، فهذه تصاريفها.

وأين أنت؟

في مطار جدة، أنتظر علِّي أجد متسعا فأطير على قائمة الانتظار.

وكيف تمضي هذا الوقت العصيب؟

أراجع حساباتي!

ماذا؟

كما سمعتَ.

آمزحٌ في ساعة كرب وجِدٍّ؟!

بل أقول لك الحقيقة.

أنا أعلم أنك تاجر وابن تاجر، ولكن الوقت يحجر مثل هكذا فِعلة!

اسمع يا صويحبي: لقد كنت وإخوتي نخاف على أبينا الموت فهو مسِّنٌ ومريض، وأمي تصغره بأحد عشر، وهي سليمة، ولكن شَعُوباً تخطَّفتها، وأبقته.

لقد سبقت أبا العلاء المعري في فلسفتك للوجود.

أعوذ بالله من هذا المتردد الملحد.

اتقِ الله يارجل، فكل ما قيل عنه مجرد تفسيرات خاطئة لفكره.

بل هو شاكٌ في البعث.

على رأيك أتركك، سلام عليك.

----------

كان الاعتقال الثاني لأبي البشر سنة 2006، وفي سجن أشد عتوا من سجن فلسطين الذي كان سُجن فيه قبل أربع عشرة سنة، ويبدو أن تكنولوجيا التعذيب قد تماهت مع التطور العصري، والتقدم التقني؛ فقد ذاق السجين أفانين لم يطعمها من ذي قبل؛ فكان لا بد وهذه الصنوف من الانتزاع القسري للمعلومة من في المعتقل، فكان عليه أن يدلي ببعض معلومة، فقد مُشِّط لحمه عن عظمه، ولكنه ما استكان ولا خضع، وكان في كل يوم يذوق طعما جديدا من تفننات المعذبين، لم يرها من ذي قبل، ولم تخطر على قلب بشر.

كانت الساعة قد عانق فيها عقرب الساعات عقرب الدقائق معلنة ولادة يوم جديد نَكِد حالك الظلمة؛ فمنذ شهور لم ير السجناء الشمس، مهجعهم في الطابق الثالث تحت الأرض، وبطن السجين تقرقر من شدة الجوع والمغص معاً، فبعد الإمساك الذي لازمه أسبوعين من كثرة التقام كسرات الخبز المتعفن، هجم عليه إسهال مخاطي، وذلك يتطلب منه الذهاب مرة كل ساعة للحمام. كيف السبيل، وطريق الحمام تُفتح مرتين في اليوم والليلة؟ كان لا بد من حيلة يخفف بها مواء أمعائه واصطراع الدقيقة منها مع الغليظة في حرب بسوس سرمدية.

نادى في صوت خافت للحارس اللئيم الذي يبدو أنه ثمل من سكرة ما قبل مجيئه للدوام:

يا شاويش

أيها الكلب، كيف تتجرأ وتناديني برتبتي الصريحة، ياابن الشر.....؟!

وما ذا عساي أقول؟

قل يا سيدي وتاج راسي، يا ابن ستين كل...

حاضر ياسيدي وتاج راسي وعيوني كمان.

قل يا ابن الزواني الآن ماذا تريد؟

الذهاب إلى الحمام.

ألم تعلم أيها الجَرِب أن موعد الحمام يلزمه تسع ساعات، تباً لأمك التي ولدتك فجوراً.

حسناً، ولكني مضطر.

فلتعملها تحتك، أو فوقك، أو كلها إن شئت، فطعمها يليق بفيك الأحمر الجميل.

ولكنك رجل شهم، وإني سقيم.

إذاً سأطلب منك طلباً يليق بشرف لحيتك القميئة.

وما هوْ؟

أن تقبِّل حذائي.

موافق.

ولما مد العسكري رجله من بين قضبان المنفردة التقمها السجين وعض على قدمه، ولم يتركها إلا وقد انتزع منها مِزعة، ولم يفق إلا وهو على سرير مشفى السجن العسكري، بعد أن تفنن السجانون من الفرس وشيعة العرب في تلوين جسمه بألوان قوس قزح، وتفقد الأظافر فقال: مالي لا أرى أطراف أصابعي معي، فعلم دقيقتئذٍ أنها قد سبقته إلى الجنة كما كانت أسلافهن قبل عدة شهور.

كم ذا لمح خبراء أجانب في السجن سحنتهم فارسية، وبعضهم يتكلم العربية فخمن أنهم عرب شيعة، فلهجتهم عراقية جنوبية، وهم الفنانون في استنباط الفكرة عنوة من بين فكي السجين الذبيح.... يا خبية عاصمة الأمويين حين يقبع على حَنجرتها علوج الفرس المُسَمَّون شيعة زورا وبهتاناً.... أه كم ذا ضلَّلنا أئمتنا وعلماؤنا إذا أغرونا بكلمة التسامح مع الشيعة، وكانوا يقولون لنا كذباً (إنْ هم إلا المذهب الخامس)، أولى لهم فأَولى، أي مذهب خامس أو سادس، هؤلاء عملاء بعمائم علماء، ويضلون الناس على علم، آه لو حُكِّمت فيهم لأحرقتهم أحياءً، أما سدنة السجن من معذبين ومحققين وحرس وخدم وزبالين فلا يثبت فيهم إلا حكم الأنصاريِّ بأسرى اليهود، وأمسك أبو بشر بتفاحة آدم وما حولها من عنقه، وكاد أن يقطِّعها حنقه لولا أن جروحاً وقروحاً قد آلمته أشد الإيلام كانت قد بقيت آثاراً شاهدة على عذاباته قبل شهرين، فانتبه من حلمه اليقظان، ثم عاد ليحلم من جديد بإبادة هؤلاء الكفرة عن بكرة أبيهم، ولكن لا سبيل؛ فقد أخبره سجان من الذين ينطبق فيهم قوله: (ليسوا سواءً) –وقليل ماهم- أنه ذاهب إلى ربه سراعاً، ولكنه سيعهد لأبنائه، ولكل من يحمل عبىء الدعوة أن يقفو اثره في ممالأة الظالمين المتكبرين الفجرة.

في ظلمة الزنزانة المنفردة تساهر السجين جميع الزواحف، وتُطرب الصراصيرُ بأغانيها مسامعه، يصلي  أبو بشر ما يشاء الله له من قيام، ثم يذكر ورده من قرآن وذكر، ولكن الذي يقض مضجعه انقطاعه عن البر؛ بر والديه، وبر أسرته، والناس أجمعين... آواه على ساعة خدمة أقبل فيها رجلي أبوي، وأرغم أنفي على ترابهما، وأعمل في اليوم عشرين ساعة في خدمة البشر، أذهب طالباً نجيباً ملتزما للجامعة، وسأبر ابي هذه المرة في الدراسة وأعمل على التخرج خلال سبع سنوات، لن أرسب بعد البتة، وسأنصح ابن الجيران بألا يعاكس البنات وهن ذاهبات للمدرسة، حتى ولو كان الجزاء غسولا من ضرب ورفس وإهانة كما فعل معي آخر مرة حينما تداعى عليه أصيحابه المعاكسون، فأوسعوني لكماً وشتماً، لا يهمني ما دام كله لله وفي الله، أو ذاك السكير الذي أوصلته للبيت بسيارتي بعد أن رأيته مترنحاً من شدة الثمل، وحين طرقت الباب على أهله عنفوني قائلين: لمَ رددته علينا، فعادته ألا يقدم إلا بعد هزيع من الليل؟!

مع الليل المطبق بظلامه، وخفوت الأصوات فلا تكاد تسمع همساً، وقد عنت الوجوه للسجانين، إلا من تعلق قلبه في الله، يذرع أبو صايل الممر جيئة وذهاباً علَّه يلفي ظلاً لركَّعٍ سُجُود، وكان الصيد الثمين لهذه الليلة ظل أبي البشر، وكان الجزاء من جنس العمل؛ إحراق شعر لحيته الشقراء، ونتف شاربه، وقد قال له السجان متلذذاً: هذا هو حفُّ الشارب الذي أمر به نبيكم، أما نبينا –آمر السجن- فقد أمرنا أن نطبق السنة الشريفة عليكم، ههههههههه.........

الليل والنهار يستويان، ولمبة النيون في ممر الردهة يضاهىء الشمس في رابعة النهار، والفئران ترتع بين أرجل المسجونين تداعب الشعر في سيقانهم، وأولو الأمر في السجن يسمنون كل هائم على رجلين أو أربع أو على بطنه؛ زيادة تنكيل وشر عذاب، ولكن أبا البشر لم يهابهم، بل عقد مع جميع الهوام والزواحف حلف فضول؛ فلم يردع يوماً منهم واحداً، ولا دعس على أحدهم عامداً أو بشبه عمد، ولكنه اتخذ منهم أصدقاء يكلمهم ويكلمونه، ويبث إليهم مواجده، ويشاطرونه آلامهم، فأمست الزنزانة له معهم كغابة الشنفرى يأوي إليها إذ نكره البشر.

اسطاع أبو بشر أن يبرق رسالة طراً مع السجان الرؤوم، فأوصلها الأخير بحذر شديد إلى أهليه، وطمأنهم عن صحته. فتحت أم بشر رسالة الحبيب السجين، فإذا وصية بالحفاظ على الدين أولا، ثم حسن تربية الأولاد، ثم أوصاها أن تتزوج من بعده كي تحسن وزوجها تربية خمس من زغب القطا؛ فعلمت المفجوعة بحدس قلبها – رغم أن السجان لم يطاوعه قلبه على إخبارها- أن زوجها مقتول، ولكن قلبها تعلَّق بسبب إلى السماء بعسى ولعلَّ.

بعد أحد عشر شهراً، وبينا كانت تجدد أم بشر بطاقة الأحوال الشخصية إذ استخرج لها الموظف شهادة وفاة لزوجها، وما أن قرأت الخبر –رغم يقينها شبه الكامل مسبقاً- إلا أنها وجدت نفسها بعد ساعتين في البيت وأهلوها حولها متحلِّقون، ويسألون عن سبب غيابها عن الوعي، فقصَّت عليهم القَصَص، فبكت وبكوا جميعاً، ثم سلَّموا لصاحب الأمر فجيعتهم.

تذكرت أم بشر بعد أن رضيت ببشارة استشهاد زوجها وصية زوجها: (أنا إن قٌتلت، فلا تُفجعوا أبي بخبري، ودعوا النبأ يسري إليه لواذاً؛ فلا أقتل أنا وهو مرتين)، تمتمت الزوج في روعها: أي بِرِّ قد وصلته يا أبا البشر؟ لقد أتعبت من بعدك!

كان بِشْرٌ لمَّا يكمل الرابعة عشرة، وكان مبرِّزاً في دراسته، ولكن مقتل أبيه جعله يجمع بين الدراسة والعمل في متجر أبيه بعد الدوام المدرسي. مرت سنتان، وقد زاره أحد أصيحاب أبيه في المتجر، وقد سُرَّ كثيرا عندما عاين توسع العمل في المتجر بشكل كبير رغم موت الأب، ففغر فاه مستطلعاً: أنَّى لكم هذا يا ابن أخٍ؟

قال: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

خِفتُ عليك من فجَّار السوق أن يبتلعوك.

مالُنا محصن بالزكوات والصدقات، هكذا رباني أبي.

يالها من طريق قويمة!

الصدقة كانت دواءنا من جلِّ أمراضنا، فندرةً ما صحبنا أبونا إلى الطبيب، بل كان يعمد إلى الفقراء فيغذوهم أو يكسوهم؛ فنشفى بإذنه.

رحم الله أبا البشر فقد كان مثالاً في كل شيء.

في كل شيء، ولكنه في البر كان أسطورة، لا أقصد بر الوالدين فحسب، بل بر الناس جميعاً، والبر بالحيوان والنبات والجمادات، قلب كبير اتسع للملايين.

أجل، ولكني أخالف أباك في طريقة تصديه لظلم الغاشمين.

هم جعلوا منه كذاك.

أوافقك، ولكن ثمة سبل كثيرة قبل المواجهة العنيفة.

إنك على خِطىء كبير عماه.

بل أنت غِرٌّ لم تفقه استكناه الحياة بعدُ.

لكي نبقى أصدقاء دعك من هذا المراء، وإلا سأقول لك: هذا فراقُ بيني وبينك.

بل أنا الذي سيغادر.

ألو.

أيوه.

عمي، كيف حالك وخالتي؟

نحمده.

أريد منك خدمة بسيطة.

تفضل.

أريدك أن تعينني على أمي.

آبِبرٍ؟

نعم.

وكيف؟

إنها ترفض فكرة الزواج رغم أن أبي وصَّاها بذاكم.

وفيم الإكره؟

بل بالتحابِّ؛ فأنا وأخي موافقان، وكذلكم أخواتي.

وهل الرجل كفؤ معادل؟

توقف الولد عن الكلام، وغُصَّ حلقه بالجملة، وعيَّ عن الإجابة....

لا عليك يابنيَّ، أنا قد سألت سؤالا نكأ جرحك، ولكنه سؤال مشروع في هكذا مشروع؛ الميثاق الغليظ.

وأنَّى لي آتي لكم بشبه أو مثيل؟ وارفضَّت عينا الفتى بمزيد من الهتن.

كفكف دموعك يا بني، وسأتكلم الليلة مع أمك، وخذ خالتك يا بشر الآن وسلم عليها.

---عاش بشر وإخوته في كنف الرجل الصالح مع إخوتهم غير الأشقاء سعداء مطمئنين، ولكن جراح الأب العجوز لم تندمل، ولن، فهل يعوضه الكون، كل الكون عن لحيظة بر من ياسر؟!

وسوم: العدد 735