مونديال

قصص أقصر من القصيرة (18)

أطلق حَكَمُ المباراة صفّارةَ البداية، وبدأ السِّجالُ الكرويّ بين الفريقين، والسِّجالُ الإذاعيّ بين الـمُعَلِّق الرياضيّ الوطنيّ (نعمان)، ومُعَلِّق الفريق الخصم:

- نعمان: فريقنا سيلعب بخطةٍ هجوميةٍ كاسحة: ثلاثة.. خمسة.. اثنان، وهو سيفوز بهذه المباراة المهمة ليتأهّل للأدوار النهائية، لأنّ إعداده لهذه الأيام المصيرية في تاريخ الأمة، قد كلّف كثيراً من المال والوقت والجهد!..

الفريق الوطنيّ يقوم بهجمةٍ ناجحة، وكاد أن يسجّل هدفاً، لكنّ الكرةَ تمسح العارضة:

- ألم أقل لكم؟!.. فريقنا الوطنيّ يقدّم أروع مباراةٍ في تاريخه، والشكر كل الشكر لكل المسئولين الذين أعدّوا هذا الفريق الكبير الذي يدعو للفخر!..

قلب الهجوم (عدنان) يناور في منطقة جزاء الفريق الخصم، ويُسجّل هدفاً يُشعِل المدرّجات بالتشجيع والهتافات الوطنية:

- الله أكبر.. هدف.. هدف لصالحنا، هدف رائع لصالحنا.. هذه هي نتيجة الإعداد الرائع، ألف شكرٍ لكل مَن قدّم جهداً في إعداد هذا الفريق العظيم، أرأيتم كيف أنّ صرف ملايين الدولارات بسخاءٍ على الفريق يأتي بالنتيجة المطلوبة.. هجوم.. هجوم.. ينبغي ألا نتخلى عن الهجوم، إنها فرصة ذهبية للفوز والتأهّل للدور الثاني!..

الفريق الوطني يُسجّل هدفاً ثانياً بعد ست دقائق:

- يا للهول!.. هذا هو فريقنا الحديديّ المتألّق الذي يجترح المعجزات، تعلّموا يا ناس، تعلّموا من هذا الدرس المفيد لكل مَن يرغب بإعداد فريقٍ لا يُقهَر!..

الفريق الخصم يقوم بالاستنفار، وبالضغط المستمرّ على الفريق الوطنيّ الذي ارتدّ إلى مواقع الدفاع:

- أحسنتم أيها الشبّان، الذين تُدافعون عن مرماكم وشعبكم، وعن كرامة أمّتكم بكل بسالةٍ وشموخ!..

في بداية الشوط الثاني للمباراة: هجمة مرتدّة خاطفة للفريق الخصم، يُسَجِّل هَدّافهم في نهايتها هدفاً صاعقاً في مرمى الفريق الوطنيّ:

- لابأس.. لابأس، لم تخرب الدنيا، والمباراة ستنتهي لصالحنا لا ريب، فالفريق الكبير لا يهمّه تسجيل هدفٍ في مرماه، لكن انتبهوا جيداً أيها الأبطال!..

الحَكَم يعلن عن ضربة جزاءٍ صحيحةٍ لصالح الفريق الخصم، وذلك بسبب كثافة هجوماته، ورعونة مدافعي الفريق الوطنيّ:

- هذه ضربة جزاءٍ مَشكوك فيها، لاحظوا، بدأ تخبّط الحكّام، وهذا ليس من صالحنا، يتآمرون علينا، لأنّ فريقنا الباسل أحرجهم على أرض الملعب!..

مُهَاجم الفريق الخصم يسجّل هدفَه الثاني من ضربة الجزاء، ويبدأ صوت الجمهور بالهدوء، وكذلك يهدأ صوتُ المُعَلِّق الرياضي (نعمان)!.. ثم تتحوّل المباراة إلى سجالٍ عقيمٍ في وسط الملعب، والكرة تدور بين اللاعبين، ولاعبو الفريق الوطنيّ يفقدون توازنهم، فَيُشتّتون الكرة ذات اليمين وذات الشمال بلا فائدة:

- ألم نقل: علينا الانتباه؟!.. في الحقيقة خطة مدرِّبنا عقيمة، ولاعبونا ضعفت لياقتهم البدنية، كم كنا نلحّ على الرقيّ باللياقة البدنية للاّعبين، هنا تظهر أهمية اللّياقة البدنية!..

الفريق الخصم يكثّف هجومه، وينظّم صفوفه، ويسجّل هدفاً ثالثاً من هجمةٍ خاطفة:

- انتبهوا يا شباب، لقد تقدّموا علينا بثلاثة أهدافٍ مقابل هدفَيْن، تحرّكوا، لم يبقَ سوى ربع ساعة.. والله منذ الليلة الماضية كنا نتوقع هذه النتيجة إذا غاب (حسني وجابر وفؤاد) عن الفريق، فالمدرّب غير موفّقٍ في إبعادهم، لم يكن موفّقاً أبداً في ذلك!..

الفريق الخصم يسجّل هدفاً رابعاً من ضربةٍ حُرّةٍ مباشرة، على مقربةٍ من منطقة الجزاء:

- كم قلنا لهم: إنّ الهيئة التدريبية فيها خلل، كان عليهم أن يستقدموا المدرّب (كلاوزر)، في الحقيقة، ينبغي على كل المسئولين عن تدريب الفريق أن يقدّموا استقالاتهم، ويحاسَبوا على هذا الفريق الوطنيّ التعبان، إنه أسوأ فريقٍ أشاهده في حياتي!..

الحَكَم يعلن عن ضربة جزاءٍ ثانيةٍ لصالح الفريق الخصم في آخر زمن المباراة، فَيُسَجِّل منها قلبُ هجومهم هدفاً خامساً في مرمى الفريق الوطنيّ:

- نتيجة متوقّعة تماماً، أين الحسّ الوطني لمدرّبينا وفريقنا؟!.. فريق كهذا سيؤدي إلى نتيجةٍ سيئةٍ  كهذه، ليس غريباً على هذا الفريق (الزفت) أن يُنَكِّس رؤوسنا ويخسر هذه الخسارة القاسية.. فريقنا كان منذ اللحظة الأولى للمباراة سلبياً مفكَّكاً هشاً، في دفاعه وفي هجومه، فضلاً عن خَطّ الوسط الرديء، وحارس المرمى الضعيف، الذي يجب أن يلعب مع فريق الأشبال وليس الرجال.. حقاً يجب حَلّ هذا الفريق بالغ السوء مع جهازه التدريبيّ الفاشل، والبدء بإعداد فريقٍ أفضل، فما تزال أمامنا أربع سنواتٍ للمونديال القادم!..

بعد انتهاء المباراة، نام ملايينُ العرب ليلتَهم حانقين.. فيما نامتْ دمشقُ وبغدادُ والقدسُ والجولانُ الليلةَ نفسها، والليالي التي تَلَتْها.. حانقةً منهم!..