في ذلك "الحي" الذي يقع في وسط تلك المدينة التي طافت بها العديد من الفتن والثورات، والتي ما زال القلق يجيش في نفوس الكثير من قاطنيها، وفي أفئدة الكثير منهم ينساب اليأس، هذه المدينة الساحرة، الفاتنة، الحلوة التقاطيع، لم تحظى في الحق "بوالي" أو "حاكم"، يؤثر التقشف في مأكله، وملبسه، وركوبه، حاكم يخرجها من معاطن الكرب التي أناخت الوحشة فيها، إلى رحاب الدعة، والرقي والتقدم، فكل من شمخ عليها بقامته، خياله قد قصر عن ادراك خيراتها التي هالته كثرتها، فيتلهى ببعض هذه المنن، ويتنعم بها، وينسى المدينة التي لا ينكر منظرها المزري، وزيها القاتم، ومحياها العابس الشتيم، الذي هو إلى الكآبة والعبوس، أدنى منه إلى الاشراق والابتسام. 

وفي ذلك "الحي" العريق الذي ترعرنا فيه، والذي يذوب رقة ويمتلئ حنانا، "صقعنا" الذي خلى من أبنية شاهقة، وطرقاً ممهدة،   كانت هناك عادات راسخة لا تنحرف عنها نساء ذلك الصقع، مهما كانت الظروف، وقسوة الأيام، تلك الكوكبة من النساء اللائي اتفقن في تصورهم للأشياء، وتفكيرهم فيها، وحكمهم عليها، وتقديرهم لها، كن يحرصن على تلك العادات، التي وجدنا أنفسنا في صبانا مولهين، مدلهين، مفتونين بها، ومن تلك العادات التي كنا نكلف بها أشد الكلف، حرصهن على نظافة المنطقة، في الأعياد والمناسبات، وأن يصلحن واجهاتها، وميادينها ما أستطعن أن يصلحن، ويتركن محافلها، وطرقها، وأقاريزها، على حالة من الكمال، ومن العادات الموروثة، والتقاليد المغروسة، أن يسندن ظهورهن إلى الحائط، ويطلقن الزغاريد الداوية المجلجلة، كلما طغت الأحاسيس، والتهبت المشاعر، بحشود الجيش الذي يسير في صفوف منتظمة، وخطوات متماسة، تنتظم في مسارها كما ينتظم العقد، وتنسجم في خطواتها كما تنسجم الموسيقى، هذه الحشود التي نتظرها في حرقة ولهفة، تترى في الأعياد الوطنية، وفي كل مناسبة يصون فيها الجيش كرامة أمته، ويجعلها راضية مطمئنة، ومن العادات التي هيأتها خصائص الدين، وحددتها قيمه، أن ترافق البنت أخاها لأداء صلاة التراويح في رمضان، وأن يحتدم الجدل إلى حد كبير، في المنزل الذي سوف تقام فيه خبائز العيد، فالنقاش العاصف الذي يدور بين نساء "الحي" قبل أن يتفقن وتسود السكينة، يعد من "الأوبرات" الرائعة التي لا تنساها ذاكرتي.

ونساء تلك الناحية، الخيط الناظم الذي يجمع بينهن، حرصهن على عدم الوقوع فيما تخافه "الحرة" وتتحاشاه، فالمرأة الأصيلة التي تخضع لضروب من النظم والأعراف التي تواضع عليها الناس،  تشعر دوماً بحاجتها إلى الاكبار والاجلال، لأجل ذلك تنأى بنفسها عن كل سبب يجعل اسمها يروج في سوق الأقاويل، وأسهمها تتصاعد في بنك الشائعات،  ونساء ذلك "الحي" الفقير المجدب، كنا يتهالكن على الطهر والنقاء، ولو تمثل العفاف في وجهوههن لكان في نضرتهن، وبشاشتهن، التي خضعت للفضيلة واطمأنت إليها.

 ورجال الدائرة الذين طغت على عواطفهم، ملامح الرفق بي، والاشفاق عليّ، لأني فقدت أبي وأنا حدث صغير، ليس من المبالغة أن أقول، أن الصوفية التي ملكت عليهم أمرهم، و آمنوا بها ايماناً شديداً، هي التي حملتهم على الايثار، والانصراف عن المنفعة، هذه الجمهرة التي لم تجتهد في أن توفق بين ايمانها بالتصوف، وبين عقلها، تتهافت على أصحاب التأثير الطاغي، والروح القوية، والنفس الطموحة، والقلب الكبير، الرموز الدينية، وأصحاب الكرامات والمعجزات، في كل يوم اثنين وخميس، ليرددوا في عنف وخفة، تلك "المدائح النبوية" التي تستعذبها النفس، ويستسيغها الوجدان، هذه القصائد الجياد التي لم تفقد طلاوتها، وسحرها القديم، باتت مهبط الوحي للأجيال التي جاءت من بعدهم، لأنها دنت من الكمال، وبلغت من الدقة والإجادة حداً كبيرا،  وفي ضحى كل يوم جمعة، يرتدي من لا تضمر مهجهم شيئا، ثيابهم الرثة، وأسمالهم البالية، التي تنم عن عوزهم، وفقرهم المدقع، ويقصدوا مسجد المدينة العتيق، ذلك المسجد الذي لم تكن فيه تلك "القبة الباذخة" التي تنيف الآن على جميع مباني السوق، والتي تبدو وكأنها مغضبة حانقة، لأن اطلالتها غير يسيرة عليها، ولا محببة إليها. فهي تطل على بقاع نصب فيها الشيطان راياته، وأبليس الذي حصّن شباكه وفخاخه، جعل رهط كبير من قاطني ذلك "الحي" وتلك المدينة، لا يقوون على الهرب، ففريضة الصلاة التي لا تحول عن أدائها عقبة، ولا يسوغ في تركها معذرة، انصرفت عنها تلك الجموع التي حفلت حياتها بألوان الخلاعة، والتهتك، والمجون، فهذه الناجمة التي تؤمن بحقوق السماء عليها، تؤمن أيضاً بأن تنال حقوقها كاملة غير منقوصة من الشهوات، وأن تهيم بها، وتضع نعلها أمام بابها، هذه الجماعات التي أغرقت نفسها في الأفعال التي تنكرها السلائق والشيم، فهمت حقوقها فهماً بسيطاً ساذجاً، دفعها لأن تؤلف بين متناقضاتها، وتوفق بين متبايناتها، فهي تحب الخمر، وتطرب لشربها، ولا تصدف عن "نٌظم الصوفية" التي لا ندري متى نمى عشقهم لهذه النٌظم، ولكننا نعلم أن شغفهم بها قد اضمحل، ولكنه لم يأخذ سبيله إلى الجفوة والاندثار، فهذه الفئات التي مزقت الصهباء حجاب أسرارها، هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد هيامها بهذه "النٌظم" التي ما زالت تظهر لها الود، خاصة في تلك الأماكن التي ينشد الناس فيها الحركة، ويتبرموا بالسكون، كالموالد، والحوليات، ففي هذه المناسبات، نجد هذه الثلة ثلهث من شدة النصب، ويجبرها "الطار"، و"الكاس"، و"الدفوف"، ألا تمس قدماها الأرض. هذه النزعة الصوفية التي تندب اقبال تلك الفئات على الحياة، وغفلتها عن الآخرة، تؤكد بأسلوب سهل يسير، أن هذه الزمرة ليست أبعد الناس منها، ولكن الرذائل، وقذر العادات، أوهت فيها اشعاعها وقبسها.

  هذا "الفريق" الذي لم استقصى بعد آثاره ومشاهده، والذي أدركت بتقدم السن، وتحول الأيام، أن مُثله العليا التي ما زالت تغدق عليّ في سعة وسخاء، لولا ارتهاني لهذه المٌثل، لعشت عيشة الهمل السوائم، فأنا لو أرغمت نفسي لشيء من التحليل الدقيق الذي يظهر خفاياها، ويجلي ما كمن فيها من عاطفة وشعور، لحملني ذلك التحليل على الدهشة والذهول، ففلسفة ذلك "الحي" التي تغلغلت أصولها في دواخلي منذ أمد طويل، هي التي قادتني لأن أعيش هادئاً قانعاً من الحياة بما قسم لي، هذه الفلسفة هي التي قدمت إليّ شاحبة ممتقعة، وقد لاحت عليها آثار الجهد والتعب، وأنا في تلك الجزر النائية القصية، لتعصمني من الخطايا والذلل، ولتصفي ذهني من شوائب هذه الثقافة الدخيلة،  ولتسكب في دواخلي مضاء العزم، وحدة الذهن، وصفاء الملكة، حتى أحقق ما كنت أرجوه من التحصيل الأكاديمي، أنا حقيقة ممتن لهذه الفلسفة، وشاكر لهذا "الحي" الذي جعل "المآثر" عندي قوية، منيعة، عزيزة الجانب.

شنقيط – موريتانيا – في 20 مايو 2025 : في إطار اهتمامه العميق بالتراث العربي والإسلامي، قام الرحالة والكاتب الإماراتي إبراهيم الذهلي بزيارة ميدانية إلى مدينة شنقيط التاريخية في شمال موريتانيا، والتي تعد من أبرز الحواضر العلمية والثقافية في غرب إفريقيا، وواحدة من المدن المصنفة على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو.

شنقيط... مدينة المخطوطات والعلماء

تُعرف شنقيط بلقب "مدينة العلماء"، إذ كانت منذ القرون الوسطى مركزًا علميًا بارزًا يقصده طلاب العلم من أنحاء المنطقة، وتحتضن مكتباتها القديمة آلاف المخطوطات النادرة في الفقه، والتاريخ، والفلك، والطب. وقد أولى الرحالة إبراهيم الذهلي اهتمامًا خاصًا بهذه المكتبات، حيث قام بتوثيق المخطوطات واللقاء مع العائلات التي توارثت مهمة حفظ هذا الإرث الثقافي العظيم.

حظي الذهلي خلال زيارته باستقبال حافل من عدد من المسؤولين المحليين في ولاية آدرار. وتضمن برنامج زيارته جولة ميدانية في المدينة القديمة، شملت زيارة المسجد العتيق، ومكتبات المخطوطات، وعدد من البيوت التاريخية التي تم ترميمها في إطار جهود حفظ التراث.

كما شارك الذهلي في لقاء مع مثقفين ومؤرخين محليين نظم في دار الثقافة بشنقيط، حيث دار نقاش حول أهمية إعادة إحياء الدور الثقافي للمدينة وربطها مجددًا بالعالم العربي من خلال مبادرات ثقافية وسياحية.

أهمية الجولة ثقافيًا وتراثيًا

تعكس هذه الجولة اهتمامًا إماراتيًا متزايدًا بتوثيق التراث العربي والإسلامي في العالم، وتأكيدًا على الروابط الثقافية العميقة بين المشرق العربي والمغرب الإسلامي. وقد أشار الذهلي إلى أن شنقيط تمثل نموذجًا حيًا لمدن عربية حافظت على طابعها الأصيل، برغم تغيرات الزمن، بما في ذلك العمارة الطينية التقليدية، والمساجد القديمة، ومجالس العلم المفتوحة.

"مدينة تأسر القلب والعقل"

في تصريح خاص أدلى به خلال جولته، عبّر الرحالة إبراهيم الذهلي عن انطباعه العميق بزيارته الأولى لشنقيط قائلًا:

"لم أتوقع أن أجد هذا الكم من الجمال التاريخي والروحي في مدينة واحدة. شنقيط تأسر القلب والعقل، فهي ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة حيّة للحضارة العربية والإسلامية في إفريقيا. هذه زيارتي الأولى لها كرحالة، لكنها لن تكون الأخيرة."

وأوضح الذهلي أنه يعمل على إعداد مادة مرئية ومكتوبة توثق هذه الزيارة، ضمن مشروعه الواسع لتوثيق المدن العربية التاريخية.

زيارة الرحالة الإماراتي إبراهيم الذهلي إلى شنقيط ليست مجرد محطة سياحية، بل هي رسالة ثقافية عميقة تعكس أهمية الحوار بين الحضارات، والتواصل مع الجذور الثقافية للأمة العربية. وهي أيضًا دعوة مفتوحة للعرب لإعادة اكتشاف كنوزهم المنسية، والإسهام في حفظها للأجيال القادمة .

من ادب المهجر

لم أكن أعلم يوماً أي شيءٍ

عن حقيقة الغُربةٍ..

عن تاريخٍ يجئ ويغمرنا بشهدٍ ،

يُداعبُ قصائدنا في صباحاتٍ

لا تشبهُ صباحات أوطاننا الحزينة،

صباحات ..تغرد أيامه في سموات أشعارنا

ومروج حياتنا،

وحين نَعتكفُ كناسكين في حجرات الزمن

وفي راحاتنا بقايا من أطلال الوطن ..

وقتها تنطلق الروح لتُجالس حنينَ دفء اُمهاتنا

وصمت ليالي المقامات الحزينة

على بوابات (الموصل)

يا لها من ذكريات تُواسينا كلما تاهت دروبنا !!

***     ***   ***

في الغربة..

تولدُ شمسٌ من خضرة جنة ،

وعلى أجنحة (السيمورغ)* تصهل أشعارنا،

وعلى ضفاف المدن الحية وإن عاث الزمان

ستورقُ القصائد في معابد الدنيا أزهاراً وصلوات..

ودموعاً متكسرة..

كي لا تنطفئ قناديل الحياة ونسقي القادمين

من أوطان يحكمها فراعنة وطغاة

من فناجينها قبل العناق الاخير !!

***     ***

لحن الخلود..

يهز الطرق المكتضة بالعشاق والفقراء..

نغمض أعيننا على حنين ذكريات الزمن الجميل

في محطات القطارات أحياناً ،

عَلَّنا نفتحُها ونرى أنفسنا في محطات قطارات الوطن..

ولكن لا محطات ولا قطارات في بلداننا،

ويظلَّ الحنين للطفولة يجري صوب المجهول.. !!

***   ***

شعراء الغربة ..

كبرياء وانتصارات للشعر والانسان والارض ..

لمرايا أطياف العمر..

للقاء أعوام على شطآن الروح .

شعراء الغربة ..

أوتاد وقلوب تبهر أوجاع البشر..

تعيش خرابات مدن وزلازل،

يلهثون وراء حقيقة كي يصوغوا

قلادات للانسان والتاريخ باكسير الخلود .. !!

***     ***     ***

منذ عقودٍ ودعت وطناً ومُدناً عارية..

طرقاتٌ ساحرة عزفت لي ألحاناً

و منحتني القوة والعزيمة،

كي لا أذوب على اسفلتها الساخن.

مدنٌ لم تغدو كبقايا كلمات وذكريات

رافقتني نوارسها وحامت حولي أشجارها ،

لتقيني من أعاصير الزمن كي لا أتبعثر وتتبعثر

قصائدي في محطات

إستراحات الفقراء وعشاق الحرية !!

***     ***   ***

في ليلة العمر .. وفي مدينة (زومباثلي)**

عشتُ مع الغجر ورقصاتهم وأغانيهم

لغاية حمرة الفجر..

ما أعذب الغجر وما أعذب مدارات عشقهم

ورقصاتهم،

ومن نافذة حجرتي أبصرتُ لوركا قادماً من غرناطة..

يُدمدم بأغاني الغجر وخاطبني

ما أجمل أن نرى الكورد بيننا.. !!

هوامش :

السيمورخ ..طائر اسطوري ذو 3 رؤوس

زومباثلي ..مدينة مجرية تقع على حدود النمسا وكنت مدعوا لحفل زواج مجري مع اغاني الغجر

موسوعة فكرية متنقلة، رحالة، مترجم ، شاعر، صحافي. يعبر عن مكنونات شعبه الكردي ووطنه، ملمًا بكل ما يدور فيه، ليس منفصلا عنه بأحداثه وتطلعاته , عارفاً بكل جوانب مجتمعه ، ومتابعًا جيدًا لقضايا وطنه.. يحركه الترحال والتجوال والتطلع إلي الأفضل. قال عنه البروفيسور(عبدالإله الصائغ) في مقدمته الطويلة لكتاب ( العالم بعيون كوردية):" بأن بدل رفو حاول أن يقدم شيئا متميزًا يختلف كليًا عن الرحالين القدامى!"، ونال ألقابًا كثيرة رافقته (سفير الثقافة الكوردية، سندباد الكورد، الباز الكوردي، ابن بطوطة كوردستان وألقاب أخرى !!.

وبدل رفو المزوري، أو بدل محمد طاهر. أديب كردي عراقي من مواليد 1960 في قرية الشيخ حسن، كردستان العراق. تخرج في قسم اللغة الروسية، كلية الآداب من جامعة بغداد عام 1985، ويعمل بمجالات الشعر والترجمة والصحافة وأدب الرحلات، و يعيش رفو في النمسا منذ عام 1991. من مؤلفاته "ومضات جبلية من الشعر الكردي المعاصر عام 1989 ، و"أطفال الهند علموني (قصائد وشهادات من الأدب الكردي في المهجر)" 2018، وعن أدب الرحلات "العالم بعيون كردية ، 2018، وديوان شعر "أطفال الكرد تغريدة حزن - من أدب المهجر "، 2023.و حاز على شهادات تقديرية في كثير من الدول عن دوره في نشر الأدب الكردي والنمساوي في العالم.

وعن إبداعاته وتجربته الشعرية ورحلاته ، وشهاداته عن الأدب الكردي كان لنا معه هذا اللقاء

ما هو مضمون رسالتك الشعرية التي تريد إرساله إلى الآخر..؟؟

الشعر في عرفي هو الإحساس بحذافيره ،الإحساس بالإنسان والوطن والأرض والشعر هو الانتماء أيضا، إذن الإحساس والانتماء للحبيبة الأم والأرض والإنسان في إطار وجداني إنساني ومن دون أن ينفصلا وبذلك يغدو الشعر بانوراما ساحرة للإنسانية.

"الشعر مثل قناة تلفزيونية تعبر فيها عن معاناتك أو لحظات سعادتك ،وعلى الأغلب يكون مجالاً لإظهار الحزن والمعاناة ، ولعل الوضع الكوردي هي القضية الأبرز في رسالتي ومعاناة شعبي وهي الأجدر بترجمته للشارع من خلال كتابة القصيدة" ..كيف يكون ذلك..؟.

القصيدة...ذلك الإحساس الجميل. فأنا أسمي القصيدة ولادة تاريخ من ثنايا مراحل خالدة لسجل الإنسانية ،وبالنسبة لي فقد ولدت القصيدة معي وترعرعت في أزقة الموصل القديمة وعشنا معا وشربنا من ماء دجلة وتغربنا معا ورقدنا على أرصفة الغربة في ليالي الشتاء الثلجية ،وارتشفنا الحنظل من شفاه الحبيبة أغان جبلية ...القصيدة ذلك الإحساس المنسجم مع تطلعات الإنسان نحو أدب إنساني ويوم مشرق ،فالقصيدة ثورة حضارية وثورة انقلابية على عادات وتقاليد بالية وظلم مستبد، فأتذكر الشاعر ليرمنتوف ،كادت إحدى قصائده أن تغير سلك الدولة كلها ، لقد اختلف الكثيرون من الشعراء والنقاد والأدباء والقراء على أن يمنحوا القصيدة حقها في سفر الحياة .القصيدة ...في زمن العولمة والإلكترونيات ظلت تقاوم، وبقت خالدة يحلق خالقها خفاقا ،بالرغم من التغيير لكن يظل الشعر الإنساني المغناة ولأن القصيدة بحد ذاتها ثورة .

يصعب تعريف الشعر، خارج الكلمات.. فهل يخترع الشاعر خلاصه في الشعر، أم يرجعنا الشعر، في عصر ما بعد الحداثة، نحو المجهول؟

الشعر هو غذاء الروح والفكر والقلب والوجدان . الشعر هو الإحساس بالوجود ..أنا اكتب إذن أنا موجود وأحس بوجودي وإنسانيتي في عالم ملئ بالوحوش فالأدب هو الذي يرحل بي إلى آفاق نبيلة سامقة من البراءة والإنسانية وينقذني من آفات الزمن والغربة الأزلية ،والشعر هو الخيط الوحيد الذي يربطني بشعبي وبالإنسانية ..إذن هو حلقة تواصل بين الكاتب والكون والعالم.

ما رأيك بالمشهد الشعري الكردي في وقتنا الحاضر؟؟

على الشاعر الحقيقي أن يكون مرآة لمعاناة شعبه ونبراسًا يضئ درب ناسه ،وأن يكون صوتهم وألا يكون أدبه فرشاة تنظف بدلات المسئولين ،ويجب أن يكون الأديب صوت المظلومين ، وإلا فالتاريخ لن يرحم. ولكن مع الأسف على ضوء تجربتي، فإن أغلب الشعراء في زمن الدكتاتورية كانت أشعارهم قناديلا للثورة ،واليوم غدت أعمالهم جسورًا من أجل مصالحهم الشخصية ،وهم يهاجمون الإبداع وأكثر المؤسسات الثقافية على ضوء المصلحة يقودها أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة ،و هذا هو المشهد الثقافي حاليًا من دون زيف ومكياج.

عشت في المنفى طويلاً المنفى داخل الوطن، وفي العالم.. فهل كان الشعر شهادة.. أم.. أحد أشكال استعادة أزمنة النذور؟

أقسى أنواع الغربة حين تحس بالغربة في بلادك الأولى، والمنفى يغدو لك جنة حرية وشعر وأمان ..عشت في أوطان عديدة برفقة السفر ،واختلطت بأقوام وشعوب وحضارات نهلت منها ، فوجدت الشعر هوية الأوطان والشعراء هم قناديل دروبها وتاريخهم ،ولهم مكانة كبيرة في ضمائر شعوبهم وهم أحياء ،ففي الشرق للأديب والشاعر الحقيقي مكانة مرموقة بعد رحيله ،وهذا بحد ذاته مرآة للفساد وإلا لكان الشاعر له مكانة كبيرة وهو في الحياة ،فانا لا أقصد شعراء الديوان!!

في سياق تجاربك دخلت فضاء الخطاب الحديث... هل خرجت من رحم الشعر الكردي الكلاسيكي.. أم كنت تمارس طقوس التحدي؟

  • أنا لم أخرج من رحم الشعر الكلاسيكي ،هناك من يولد ويولد الوجع معه، وهكذا حين رأيت الدنيا وأحسست بها رافقني الوجع منذ الطفولة، وجع المكان والفقر والجري وراء لقمة العيش بكد وشقاء، وتصببت عرقًا كثيرًا منذ الطفولة ،ولم أعش كأطفال الناس ولكني كافحت، ومن هذا الوجع ولد الشعر معي، وكتبت عن الفقراء كثيرًا وما أزال أكتب عنهم!

في شعرك، لا يغيب المكان، ولا تغيب الحواس، ولا يغيب الأمل.. هل ثمة إضاءة للروحي في تحديد أبعاد تجربتك الشعرية؟

- المكان والقصيدة لهما ارتباط وثيق في نتاجي الشعري، وبالأخص في ديواني" أطفال الهند علموني" .لقد عرف المكان في نظريات الأدب بأنه أحد الركائز الرئيسية للعمل الأدبي لهذه النظريات. والركيزة الثانية هي الزمان المترابطة معها. لذا نرى أن الإبداع الأدبي لا يمكن أن يكون منفصلًا عن الزمان والمكان .وحسب أقوال النقاد في المجال الأدبي فإن الركيزة الثالثة هي روح وذات الأديب وإطلاق أفكاره المركزية لتمتزج بالزمن والمكان، ويولد موضوعاً واقعياً ذا وعي مكسو بأحداث وعوامل متعلقة برؤى فلسفية وروحية. وللمكان جماليات تدرس ضمن مناهج النقد الحديث .لقد كان المكان ومازال محوراً رئيسياً لأدباء الكورد، ولكن الأمكنة تختلف من أديب إلى آخر ومن إبداع إلى إبداع على ضوء المناهج التحليلية والأفكار الفلسفية والواقع الذي يعيشه الكاتب ،وكذلك بمدى وقوة تعلق المكان بالزمان وانصهارهما في الرمز والأسطورة. والمكان والتنقلات في الامكنة عبر الرحلات هي بحد ذاتها إضاءات للروح وتنعش التجربة الشعرية الانسانية ففي كل البلدان كتبت قصائدي وتركت ورائي بصمات شعرية في تلك الامكنة

ماذا تمثل اللغة الكردية لك..........................؟

رحلت بي بسؤالك هذا إلى منتصف الستينيات في مدينة الموصل ،حين كنا نعيش في حي شعبي فقير وغالبية ساكنته من العرب ،فقالت لنا والدتي : الحديث داخل البيت فقط باللغة الكوردية النقية كي نحافظ على إرثنا وإنسانيتنا ،وللعلم عشنا 40 سنة في الموصل والوالدة لم تتعلم العربية ،وحين سألتها قبل رحيلها لمَّ لم تتعلمي اللغة العربية فأجابت : كنت أخشى أن أنسى اللغة الكوردية ،وفي لحظات الوداع حين غادرت الوطن عام 1991 قالت لي:" يا ولدي كل ما أرجوه منك أن لا تنس 3 أشياء ،وهي لغتك ووطنك وشعبك "،وقلت لها: " وماذا عنك..؟ فقالت: "لأني اللغة والوطن والشعب، فاللغة الكوردية هي أمي!!".

مع تجارب عربية في الشعر الحديث.. أين تلتقي وأين تفترق.. وهل كنت تستعين بمرجعيات أخرى؟

حين أكتب أنا شعرًا أو مقالة أو أدب رحلات، فأنا أنظر إلى الموضوع بمنظور إنساني وسبق أن القيت محاضرات للعرب والنمساويين والكورد وفي بلاد شتى ،الأديب الحقيقي هو ملك العالم كلها ولكن لا تنس باني لم ادرس اللغة الكوردية ونهلت من منابع الثقافة العربية الثرية ومن الفنون العربية وبالأخص السينما المصرية ، أنا والتجارب العربية نلتقي ونفترق ،وأستعين بها كثيرًا وأكثر الأدباء والنقاد العرب في العالم العربي والمهجر تناولوا أشعاري ورحلاتي في أعمالهم.

الحداثة ــ وما بعدها ــ مفاهيم مازالت تستكمل معمارها.. كيف تنظر إليها في عصر التصادمات والتحولات.. أي ما دور الشاعر في عصر العولمة؟

يوما ما سألوا الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف: لمن تكتب ؟ فأجاب: "أكتب للأطفال أشعاري ،وللطاعنين والطاعنات في السن وللعشاق قصائد الغزل ،وأكتب عن بلدي داغستان بأسلوب شعري يفهمه العالم ،وقال أنا لا أكتب للنخبة فقلمي للعالم كله !! وهكذا أفكر أنا".

كردستان.. ليست المكان أو حتى الزمن.. إنها الوجود التام.. فهل كانت، في شعرك، أحد المحركات.. ما الذي يضاء في هذا المجال لقراء يجهلون قضايا الكرد؟

كوردستان ..

أنتِ أجراس الزمن ..

ونبضٌ للمعابد والهياكل المقدسة ..

أنتِ فرح الاطفال واليتامى وعشاق الحرية..

غُصونٌ مورقة لبكاءات الثكالى ،

أنتِ المسافرة في دمي ..

أنتِ وحدك عطر أيامي وغربتي

وتاريخ ميلادي،

أنتِ تضاريس حياتي ونهايتي

أمام بوابة الرب..!!

ما الذي يخسره الشاعر، وما الذي يكسبه، في نهاية المطاف.. في رحلة تشبه دخول عتمة بحثاً عن هدف غير مرئي أو لا وجود له؟

الشاعر الحقيقي لا يخسر أبداً ،وكما ذكرت قبل الآن فالأوطان تبحث لها عن رموز حقيقية للتاريخ لا عن طبالين وشعراء ديوان ، الشاعر الحقيقي يفكر في تاريخه وتاريخ شعبه ،فالشعر ليس سلعة فيها الخسارة والربح وأنا سعيد بأني بعد 34 في منفاي الأزلي وطلبة بلادي الأولى اطلعوا على نتاجي ،وصارت للبعض مراجعًا رحلاتي وأشعاري والشاعر الخاسر هو الذي يكتب للسلطة وبعدها تهمشه السلطة ،وبذلك يخسر شعبه ويخسر ما كان يتوق له!.

هل كان الشعر، عندك، مثل الذهاب الى المستحيلات.. أم كان الشعر، محض علامة لوجود يتمم غموضه المتواصل؟

الشعر عندي رحلة إلى عوالم وخبايا الإنسان والشعوب وراحة البال والسفر بالفكر والوجدان إلى مرافئ الأمان ، لم أفكر أبدا بالمستحيل ،ولأن أحلامي التي أحلم بها كشاعر إنسان لا تطرق أبواب المستحيل وأشعاري كتفاح كوردستان بمتناول الجميع !.

ما الذي يميز الشعر الكُردي عن الشعر العربي والتركي والأوربي

للكورد حضارة ترجع الى 7 آلاف قبل الميلاد ،وكذلك للعرب والترك والفرس والأوربيين ولكل شعب ثقافته التي ينهل منها أدبه وتراثه وفكره .والكورد شعب ثري بتراث الأجداد وملاحمه وبطولاته وجباله وطبيعته التي غدت زادًا للشعر الكوردي ،وفي أعمال الشعراء الكورد .ولكن لم نتوقف عند هذا الحد ،فحركة الترجمة جعلتنا نتطلع على شعراء العالم وأعمالهم ،فمثلًا ترجمت كتابين عن الألمانية والكوردية إلى العربية ،وهما "قصائد حب نمساوية" ، و:قصائد حب كوردية" ، ولكي يطلع القارئ والطلبة كيف يرى الشاعر الكوردي والنمساوي الحب !!

متى تختار أن تكتب كتابا باللغة الكردية أو العربية؟ هل يعود ذلك الاختيار إلى قرار وعي منك أم أن المسألة تخضع للعاطفة؟ وهل اللغة تؤثر على بنية النص والموضوع الذي تريد طرحه في الكتاب؟

بالنسبة لي لا يهم بأي لغة أكتب، وهنا الهدف والموضوع يطرح نفسه، وكيف أقدر أن أخدم شعبي ووطني وثقافته وأقدر أن أعرِّف الآخر على آداب شعبي ..وهنا أود أن أقول أنا أنظر إلى الهدف!!

- ما هو الشعر؟ ماذا تريد منه وماذا يريد منك؟ ما طبيعة العلاقة بينكما؟

وحدك أيها الشاعر ..

ستراقص المدن والحسناوات في الغربة

في قارات الدنيا ،

فأطلق قصائد العشق عنوانًا ..

كلما طرق الحزن ذاكرة غربتك !!

ماهي عناصر القصيدة الناجحة برأيك؟

في المرتبة الأولى عنصر العاطفة ،ولكون الشاعر هو نبع العاطفة بالإضافة إلى الخيال في الصورة الشعرية ، وكذلك الفكرة ؛أي الموضوع الذي يلهث الشاعر وراءه من أجل القصيدة . وبالإضافة إلى أسلوب الشاعر ودربه صوب المتلقي ،وأقول أيضا ثقافة الشاعر في إغناء اعماله بثقافات الشعوب.

- كل شاعر تلميذ لشعراء كبار حتى يكبر ويتحرر من سطوتهم.. من أهم أساتذتك؟ وماذا تعلمت منهم؟

أستاذي الأول وملهمي ابن عمي الشاعر الكوردي الكبير صديق شرو ،صديقي ورفيق دربي خيري هه زار، حيث سهرنا الليالي في ترجمة ديوان رسول حمزاتوف، معلمي الراحل د. ضياء نافع في الترجمة، معلمي الأديب الراحل صديقي محمد سليم سواري ،وما زلت أتعلم من الدنيا .وبعد أن ودعوني جميعًا صارت الدنيا والمقابر التي أتردد عليها في العالم هم المعلمون لي!.

- بدأت في الآونة الأخيرة تنشر قصائد صوتية لك.. هل تعتقد أن الجمهور الكردي أصبح يستمع للشعر ولا يقرأه؟ هل تجد أن شعرك مقروءًا بصوتك يعبّر عنك أكثر؟

ربما بعد رحيلي هناك من سيشتاق لصوتي من الأوفياء الذين عاشوا معي، أو سيصل صوتي لمقبرة قريتي الشيخ وسيصل صوتي لوالدتي التي ترقد هناك ! .

- أول قصيدة كتبتها... وهل كنت راضياً عنها؟ ومتى وجدت نفسك شاعراً؟

أول قصيدة شعرية نشرتها عام 1977 في الموصل العراقية وفي جريدة الحدباء، وبعدها انتقلت إلى بغداد للدراسة الجامعية ،وهناك نشرت في صحافة العاصمة شعرًا ومقالات وترجمات، وبعد أن اتجهت صوب المهجر عام 1991 صارت الدنيا والعالم عالم النشر والترجمات والقصائد!.

- عبارة ملهمة تتخذها شعاراً لك.. ؟

كلنا سنموت يوماً

الملوك والأبطال والفقراء

والحمير والذئاب..

وقتها سيكون للموت عنوان!

( مقطع من قصيدة لي)

كيف تصدر كردستان السياحة إلى الخارج؟

في كردستان هناك الطبيعة الساحرة القاهرة، والتي كما ذكرت ربما أجمل من طبيعة أوربا ،ولكن المشكلة تكمن بعدم وجود قيادات سياحية تدير دفة السياحة في الوطن، البلاد التي عاشت قرونًا قبل الميلاد ومازالت آثارها شاهدة بحاجة إلى أن تصدر سياحيا بالإضافة إلى الطبيعة!.

من معايير القصيدة الجميلة العمق الروحي، والبعد عن التسطح المجاني . أنت كمبدع هل تخضع قصيدتك لمعايير معينة ؟؟

طموح الأديب الحقيقي أن يوَّصل للآخر أدبًا رائعًا إنسانيًا تحتفي به المكتبة الإنسانية ،وللتاريخ ـولكن هناك الكثير أفرزتهم الأيام من الكتاب والأدباء الانتهازيين جموحهم أن يجعلوا من أدبهم جسرًا من أجل الوصول إلى أهدافهم الشخصية ،ولكن مع الزمن تتلاشى أسماؤهم .فهناك الكثير ممن تربعوا على كراسيهم في ظل الأدب..!!.

ماذا تقصد بعنوان (أطفال الكرد تغريدة حزن) رغم أن الطفولة توحي بالمستقبل، إلا أن العنوان فيه نزعة تشاؤمية.....

في كوردستان ..

أطفالُ الكُوردِ يُضيئون عتمةَ الحياةِ

بآمالهم الصغيرةِ،

والبؤس لا يترعرعُ في جنائنهم

الفجرُ يُحلقُ على ثغورهم مواويلاً..

حياة علمتهم الغناءَ..

طفولةُ الكوردِ..رغم رماح ونبال الزمنِ

قسوة وبكاء من الميلاد!

إلا أن نوافذ حياتهم لا تحتضن سوى الفراشات

طفولة الكورد ..تغريدة حزن!!

يتردد صداها بين السفوح وعلى القمم

فتدمع لها حتى الصخور العقيمة!!

رغم الحب الشديد والتعلق بالوطن. .لماذا رحلت عنه..؟

ليس كل من يعيش في الوطن متعلق به ويعشقه ، ولا يهم أيضا أين أموت ..؟وأين أُدفن أو أُحرق..؟ وقتها سيظل اسمي ونتاجي نجمة معلقة بسماء كوردستان!!.

رغم تعرض الشعب الكردي للكثير من المآسي.. هل لابد أن يعيش المبدع هذه المأساة كي يأتي تعبيره صادقًا أم لا يشترط أن يعيشها....؟

عشت المأساة وأنا في رحم أمي حين استشهد والدي، وعشت مآسي شعبي والفقر ووجع الطفولة ،وعشت أزمنة الحروب، ولكنني لا أنقل للآخر والشعوب هذه المآسي ، ولست بحاجة للعطف. فأنا أنقل للعالم ثقافة وحضارة شعبي بامتيازـ وعلى كل كوردي مهاجر أن يكون سفير بلاده بامتياز!...

ماذا تمثل لك قرية" الشيخ حسن" مسقط الرأس"

والدتي ترقد في مقبرة قرية الشيخ حسن بهدوء.. حين تخسر والدتك وتراها تدفن أمام عينيك ،وقتها تحسُّ بأن قناديل الدنيا قد اخمدت !!

أيا مقبرة الشيخ حسن*

يا تاريخ الدنيا..

وهدير أمواج الأبطال الراقدين ،

يا أصوات الكورد وجبال كوردستان ،

تحتضنك عناقيد الإنسانية والسلام..

لتحرس الراقدين تحت ترابك!

يا مقبرة الشيخ حسن..

يا وطن سيدة التراب..

يا فرحي ووجعي ودنياي

يا وطني الذي لم يركع أبدا!!

بدل رفو الصحافي أم الشاعر أم الرحالة.. أيهم أقرب إلي قلبك.؟ ولماذا..؟

أجد ذاتي في أدب جميل ونقي غير مبتذل ،وبعيد عن المهاترات في أدب يسجل تاريخًا لوطني وشعبي في سجلات الأدب الإنساني ،أرى ذاتي في الصحافة حين أنقل صورة وطني وشعبي الجميلة إلى الآخر، وأنقل صورة أمينة جميلة كذلك للآخر، وأحملها لشعبي .أرى نفسي في الرحلة وكتابي "العالم بعيون كوردية"، خير دليل على كلامي .ولأننا سمعنا دائما بأن الغرب قدم صوبنا ليكتب عنا ،والآن جاء الدور لنكتب عنهم وعن العالم بعيون كوردية ، وأرى في الترجمة ولكوني أمارسها منذ 45 سنة، وأما الشعر فهو توأم الروح.

هل سبق لك أن ندمت على اختيارك هذا في الاغتراب؟

بالعكس أنا سعيد في غربتي ،بحيث غدت الغربة وطنًا أزليا لي وكل بلاد الله أرضي ووطني.. أي بلاد تحفظ لي كرامتي وإنسانيتي. هناك وطني، لأن الشاعر والأديب الإنساني وطنه الإنسانية، ولا تستغرب لو أخبرتك بأني أحب أن أقيم بصورة دائمية في الشاون..! .

ما الذي يدفعك إلي السفر والترحال..؟ ويغذي فيك هذه الرغبة باستمرار..؟

ـ الرحلات تعني لي الحياة والتجديد والتغيير ،رحلات برفقة الأدب الكردي ووطن عشقته وأحمله معي في ترحالي كي أعرِّفه على أوطان ،ومن أمازيغستان حتى كازاخستان، لا وطن لي سوى آفيفان كما قالها الشاعر الكبير الراحل (جلال زنكابادي)،أحمل في رحلاتي حبي وصورة حبيبتي وحقيقتي وحقيقة وطني الذي يبحث عن التعايش السلمي مع الآخر، ففي سفراتي ورحلاتي لا أحمل سوى حقيبتي الظهرية وأوراق نقدية قليلة من جهدي وبتكليف من ضميري وجواز سفر ممتلئ بتأشيرات دخول ومعها روحي المهاجرة عبر محطات الغربة ..رحلة بدأت حين أنهيت دراستي الثانوية في مدينة الموصل ،وضاقت بي أرض الموصل التي أحببتها وما زلت ملهماً بها وروحي، التي تبحث عن الأدب والترجمة في العاصمة ، واتجهت صوبها لأكمل دراستي في جامعة بغداد ،بعد أن تحول الوطن إلى سجن كبير وملئ بالحروب البشعة ،ومنذ اليوم الأول من إحساسي بالأدب ،عشق قلمي الملهم به قضية شعبي ومآسيه ..ففي رحلاتي قصص وحكايات ستدون يومًا في كتاب تحت عنوان من أدب رحلات شاعر كردي رحال. وطن وشعب وأدب إنساني وقلم عاشق نسافر معاً عبر المحيطات والبحار ،ففي المغرب وبالأخص في إقليم تازة صفق الشعب المغربي الطيب جداً كثيراً للشعر الكردي، وكذلك في شفشاون والمكسيك ووقف احترامًا لهذا الشعب ، وكادت الدموع أن تنهمر من مقلتي التقيت شخصيات كثيرة حملت كل الحب والاحترام لشعبي ..إذن الرحلة مستمرة. والرحلة هي حياتي .

رغم تعدد الاتجاهات الإبداعية(الصحافة- الشعر- الرحلة-الترجمة) .كيف توفق بينها كلها لتخرج لنا في النهاية إبداعاً كاملًا..؟

التوفيق هو الجمال، فأنا أبحث عن الجمال في الصور التي أتناولها. فإن كانت القصيدة والفكرة حاضرة في عالم بهي وجميل وقتها سأكتب الشعر ،وكذلك حين تضيق الدنيا بي في النمسا أبحث عن سفرة جديدة في العالم ،وأنا لا يهمني أينما يكون اتجاهي. فمن أجل 5 دقائق حرية مع الذات بوسعي السفر إلى آخر العالم. والترجمة فأنا سعيد بأني قدرت أن أحقق حلمي بأني ترجمت لحد الآن لأكثر من 100 شاعر كوردي و100 شاعر نمساوي، وترجماتي الآن هي من المصادر المهمة للباحثين عن الأدب الكوردي والنمساوي. وبالنسبة للعمل الصحفي، فأكتب حول النمسا ،وقد تمكنت بأن أربط النمسا بالشرق ،وأكون ذلك الجسر الثقافي بضمير إنساني.

المحطات التي تخلو من زوارها ومسافريها وقتها تخلو من الروح ونكهة الزمن وريح الإبداع ..لكل محطة حكاياتها وأبطالها وأجواؤها ..ألهث وراء الجمال ،وكل ما يُضيف شيئًا جديدًا إلى مسيرتي ورحلتي في ميدان الأدب الذي استمرت رحلتي معه قرابة 4 عقود ...ليست كل الأزمنة للشعر ولا لأدب الرحلات ..أحيانا الترجمة أقرب إلى الروح ،وحين يضيق بي المكان تكون الرحلة قريبة من الروح ،وكذلك في الرحلة يكون الشعر حاضرًا بقوة ،ولذلك كل الأجناس أعيشها وليس بوسعي أن اقول أيهم أقرب إلى روحي، وأجد نفسي في جميعهم..!!

من الذين أثروا فيك من الشعراء العرب والأكراد ....؟

التأثير شيء والقراءة لهم والاستفادة من كلماتهم وصورهم وعوالمهم الشعرية شيء آخر، فقد كنت أقرأ باستمرار أيام الدراسة للشعراء : عبدالرحمن مزوري، د. بدرخان السندي، جلال زنكابادي، صديق شرو ، لطيف هلمت، والشعراء العرب كنت أقرأ للماغوط، ومحمود درويش وقباني وشعراء الثورة ولشعراء العالم كان ملهمي الأول هو رسول حمزاتوف، وإني احتفظ بكتابه الخالد بلدي، وشعراء آخرون وخاصة شعراء روسيا في القرن التاسع عشر.

ــ من هم أصدقاؤك من الكتاب العالميين الكبار؟

ــ علينا في البداية أن نعلم كيف نفهم العالمية، لنا شعراء كورد وفنانون عالميون أيضًا وفي المغرب عالميون، وليس من هم في الغرب عالميون ، لي صداقات كثيرة مع الفنانين والأدباء ومتسلقي الجبال العالميين !.

ــ ومن هم أصدقاؤك من الكتاب الكورد؟

ــ ليس لي أصدقاء من الأدباء والفنانين الكورد، وأنا بعيد عنهم وأصدقائي في كوردستان بعيدون عن الوسط الثقافي والفني ،وأصدقائي من الفقراء والكسبة والفلاحين والبسطاء !.

ماذا يحتاج الرحالة في رحلته لتكون رحلة مكتملة...؟

نجاح الأديب الرحال يتوقف على إبداعه وكتابته في أدب الرحلات، وعلى قوة التعايش الإنساني الذي يتركه عند القارئ، فكلما تأثر القارئ أكثر اندمج في مسيرة القصة أكثر، وهذا دليل على مدى مكانه الكاتب وقدرته وميزته في الكتاب.

حيث هناك أنواعًا كثيرة للرحلات، مثلاً الرحلات الدينية ويقصد بها الحج وزيارة الأماكن المقدسة ،والسياسية كالوفود الدبلوماسية والسفارات، والعلمية لغرض الاستفادة من العلوم في بلاد العالم، السياحية وهي رغبة شخصية لعشاق السفر والتنقل والاقتصادية وهدفها الأول والأخير التجارة وافتتاح أسواق جديدة. على الرحال أين يكون صادقًا في نقل الصورة التي يعيشها ،وأن يكتب ما يراه ويعيشه بصدق وامتياز!.

في كتابك "العالم بعيون كردية" نقلت لنا تجربة الرحلة برؤية كردية...فهل تختلف رؤية الرحالة حسب جنسياتهم في نقل انطباعاتهم..؟ وهل تري اختلاف انطباعاتك عن غيرك...؟

قبل كل شيء الإنسانية هي من تجمعنا على موائد الحب والتسامح والتعايش وتقبل الآخر، أجل أنا رجل كردي من أبويين كرديين ونهلت من ينابيع الثقافة العربية والعالمية، الأمكنة وتاريخها ارتبطت بهويتي الكردية .ولكن هويتي الكردية ارتبطت بهما أيضا، والارتباط غدا جسرًا ثقافيًا بين الحضارات والثقافات التي كنت أدونها للكرد والعرب، وكذلك أنقل لهم حول الكرد وكردستان والعراق والموصل في محاضرات ثقافية.

فمثلًا حتى في الدقي في القاهرة ،القينا أنا وأستاذة نمساوية شاعرة محاضرة للطلبة المصريين في المدرسة الألمانية حول الوطن ،وكيف يرى النمساوي وطنه والكردي وطنه؟! الرحلات أضافت لي ثقافات الشعوب ،واستفدت من مشاهداتي حتى في مجال الشعر بعيدًا عن أدب الرحلات، وأصدرت ديوان "أطفال الهند علموني" وهي قصائد من البلدان التي زرتها!.

بم يوحي عنوان "الاغتراب في الأدب الكردي" وهل يشعر الأديب الكردي بالغربة..؟

لكل أديب مهاجر وحتى الإنسان المبدع المغترب ،للغربة بصمات على إبداعه و حياته ،ولذا نرى بأن أكثر المبدعين من الأدباء والفنانين قد ودعوا الحياة في الغربة وهم في قمة إبداعاتهم، فالغربة تمنح الأديب الحرية بعدما خسر الوطن والناس ولم يبق سوى قلمه ، فلا حياة لأديب المهاجر سوى حريته وقلمه ،فهو يكتب لأجل الإنسان والإنسانية وكذلك مدت الغربة آفاق الاتصال بالآداب الأخرى ونهلنا من ينابيع الآداب الاجنبية وبذلك غدت الغربة حلقة وصل بين الأديب المهاجر والحضارات الأجنبية. كل أديب وفنان غادر بلاده فهو يعيش حالة الاغتراب ،وربما لا يعيش الاغتراب في الغربة بقدر أن يعيشها في بلاده الأم حين تكون غربته طويلة.

من هو المترجم الحقيقي على ضوء تجربتك الطويلة؟

المترجم الحقيقي هو الذي ينقل روح النص ووجع صاحب النص الأصلي إلى اللغة المترجمة إليها، وخاصة بالنسبة لترجمة النصوص الشعرية حيث يقول "المترجم الحقيقي عليه أن يكون شاعراً ليقدر أن ينقل آهات واوجاع صاحب النص الاصلي، فليس باستطاعة كل المترجمين أن يترجموا القصائد الشعرية ،وتعد الترجمات الشعرية أصعب بكثير من الترجمات في المجالات الأدبية الأخرى.

وصل الشعر الكردي اليوم إلى القارئ بشكل كبير. إلي أي حد ساهم المترجمون الجيدون في هذا الأمر؟

_ لقد وصل الشعر الكوردي في الفترة الأخيرة الى مسامع القراء العرب وإلى اللغات الأخرى الحية من خلال ترجمات مجموعة من المترجمين المقتدرين، ليبرزوا صورة الأديب والشاعر الكوردي لإخوتهم العرب ،فأنا أتصور ومتأكد بأن العرب هم أقرب الناس لنا نحن الكورد لقراءة أدبنا وتاريخنا ومعاناتنا. وهنا يتوقف على الأديب العربي بأن يكون سندًا قويا لأخيه الأديب الكوردي في البلاد العربية ،أقترح بزيارة وفود ثقافية عربية من البلدان العربية لزيارة إخوتهم الكورد، وكذلك دعوة الأدباء الكورد لملتقيات ومهرجانات ثقافية عربية لنبرز معا صورة التلاحم الأخوي العربي الكوردي .هناك مترجمون كورد تفتخر بهم المكتبة الكوردية .

ـــ هل أضافت رحلاتك حول العالم شيئاً إلى إبداعاتك في الكتابة؟

أدب الرحلات يعد بدوره نافذة تطل على الإنسان والمكان والتاريخ في أماكن مختلفة ،ويعد من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لكون الكاتب الرحال يستقي معلوماته من المشاهد الحية والصورة المباشرة وإلقاء الضوء على تاريخ الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، وقد أسهم هذا الأدب بنقل ثقافات العالم! خلال رحلاتي تمكنت أن انقل مشاهداتي الحية، بالإضافة إلى كتابة قصيدة في تلك البلدان، وهي ضمن ديواني "أطفال الهند علموني"، وكذلك إلقاء المحاضرات في تلك البلدان التي أزورها!! ثلاثة مواضيع نقلتها للعالم الوطن والشعب واللغة الكوردية بموسيقاها خلال محاضراتي !

حاولت أن أربط ثقافة وحضارة شعبي بالعالم ،وكيف يعرف الآخر بأن لنا وجهًا ابداعيًا وثقافة إنسانية..؟ فكل ما يعرفه العالم عنا بـننا قوم مضطهدون من الأنظمة !!.

ــ ما مدي نجاحك في نقل هموم الشعب الكردي وآلامه أثناء رحلاتك إلى دول العالم؟ وهل تري أنك نجحت في ذلك؟

ــ ما دمت أحمل قضية شعب ووطن، فما عليَّ إلا أن أكون أمينًا لهذه المهمة .وهنا تلعب الدبلوماسية الثقافية دورها بمدى قدرتك في نقل صورة شعبك وهمومك وحضارتك للآخر، فأنا أجاهد وأحاول أن انقل لهم حضارة وثقافة شعبي ،وأحدثهم عن بطولات ناسي، وكل ما له علاقة بالثقافة والفنون والعادات والتقاليد، التقيت بمشاهير العالم وحدثتهم عن بلادي وشعبي!.

ــ ما الصعوبات التي واجهتك في رحلتك الإبداعية..؟

قلب الصعوبات تبرز نكهة ومتعة الابداع، الصعوبات تتركز في عدم اهتمام المؤسسات الثقافية بالمبدعين الكورد في المهجر ،وذلك بسبب عدم أهلية الذين يديرون دفة الثقافة في البلاد، ولذلك يتبعون سياسة الإقصاء والتهميش .وهم بهذا يدمرون تاريخ وحضارة الشعب!.

مثلًا أدب الرحلات، في الغرب هناك مؤسسات ووزارات وحكومات تقف وراء دعم الرحالة في نقل مشاهداتهم لأبناء شعبهم، ولكن عندنا العكس بالضبط حتى الإعلام لا يساند الأدباء الحقيقيين في نشر أخبارهم .فمثلا هنا في النمسا ،هناك سفارة العراق وممثلية إقليم كردستان لا تعلم بمبدعي وطنهم وحتى لا يحضرون الأمسيات الثقافية في فيينا.. لا خير في أديب يرفع قامته في ظل السياسة، على الأديب الحقيقي أن يفكر في مستقبل بلاده وشعبه وتاريخه بعيدًا عن السياسة، وبما أنه تكون بعيدًا عن السياسة في الشرق وقتها ستكون بعيدا عن دعمهم!.

أي الألقاب أقرب إلي قلبك" سندباد القصيدة الكوردية" أم "ابن بطوطة" ..؟ ولماذا..؟

حين تلقبني جهة ما وأديب ما بلقب ما، فهذا دليل على حبهم الكبير لي والجهد الذي أبذله من أجل أن يسافر القارئ معي عبر رحلاتي ..بدأت الرحلة في داخلي حين كنت في الموصل وأيام مرحلة المتوسطة حين كنت أسافر إلى المدن الصغيرة من أجل العمل ومشاهدة المدن ،وبعدها سافرت إلى بغداد للدراسة بالرغم من وجود جامعة في مدينة الموصل .ومن هناك كنت أسافر إلى المدن العراقية. ومنذ عام 1991 ،وأعيش حرًا في دولة لا تقيد حريتي ولا احتاج الكثير من المال، ولأنني أعيش الحياة العادية في تلك البلدان التي تطأ أقدامي أرضها وأعيش ببساطة ..وقد وفقت لحد ما ،وحسب شهادة البروفيسور (عبدالإله الصائغ) في مقدمته الطويلة لكتابي( العالم بعيون كوردية) بأن بدل رفو حاول أن يقدم شيئا متميزا يختلف كليًا عن الرحالين القدامى! ،ألقاب كثيرة رافقتني (سفير الثقافة الكوردية، سندباد الكورد، الباز الكوردي، ابن بطوطة كوردستان وألقاب أخرى !!

كلمة أخيرة من شاعر كوردي لمصر؟

لا شعب يعشق وطنه في العالم مثل الشعب المصري في عشقه لوطنه...ما أحلاك يا أم الدنيا !!

من ادب المهجر

الى الروائي الكوردي الراحل محمد سليم السواري ..رفيق الوطن والقلم والاغتراب

مدائنُ الغُربة ..

مدائنُ رَحيلُ أحبةٍ وأعياد..

إستنساخ للوجعِ.. وإحتفاليات من دون مَذاق وعناق،

رحيلُ زمنٍ على بِساط الذكريات.

يا غربةً إغتالت اللأحقاد وخِرف العمر ..!

وَدَّعَنا بصمت ..

كان بَسمةً على ثغر نرجس كوردستان..

وعلى صَهوةِ جَواد الفَخر فارساً..

كان عِشقاً لرقصةِ المطر

في ظل وطن ،

يَحطُّ الحمامُ والسلامُ على غُصونه ،

يُكفكفُ دموع أحزان المغتربين !!

***  ***     ***

أيا أيها السواري ..

يا فارس الزمن الجميل وليالي بغداد ..

يا نافذة ابطال الكورد في عطر رواياتك..

يا حُلم دولةٍ من حيِّ (المنصور) في الموصل،

رسمت قرية (سواري)

وانطلقت من خفقات القلب لمساءات الخير،

لتنسج آلهات الاغريق أحلامك..

لتبزُغَ أقماركَ من وراء المحيطات..

فرحيلكَ أدمى الفؤاد ،

ومدينتي تَبَللَتْ من الدموع حُزناً !!

***     ***     ***

أيا أيها السواري..

يا كتاب همومَ شعب..

رحلتَ ولم نُحقق اُمنيتك،

بالسفر معاً للجوهرة الزرقاء (شفشاون)

عاهدتكَ بفيض الانسانية أن لا تُشيعُنا الاحزان..

فأنت وطن الخلود وفارسٌ لسيفٍ عتيد ..

أنت بواباتُ بلادي عبر رحلة الاغتراب.

أيا أيها السواري..

بيني وبينكَ غربةٌ وسفر وجوهرة صداقة

في فضاءات الدنيا ..

أنت برقُ إبداع الكورد في قلب الوطن،

رحيلك سُحبُ حزنٍ زَحَفت على وجنات غُربتي.

هَدْهديني أيتها الدنيا القاسية..

فالمدنُ والاوطان يلبسونَ التمائم،

لم يَختمر عطرُهُم لعناق ظِلالنا العطشانة

لحكايات الميلاد الثاني ،

حكايات إغتَصَبت عمرنا في اُمسيات الشتاء ..

ولا حيرة للألم والوطن والدمع الساخن،

وها نحن أيها السواري نودعُ الدُنيا بقارعات المدن ..

نحملُ أوجاعنا وارتعاشاتنا في فراقنا

علنا نعانق الوطن في لحظاتنا الاخيرة !!

***     ***     ***

الوداع الأخير وفي صَهيل الوطن

سَتَتَلون جثَثُنا بعطر الوطن..

فنحنُ من رسمناهُ فراشةً ملونة في اغترابنا.

أيا أيها السواري..

أيا أيها العاشق الخجول

أمام عقارب الزمن ..

يا حكايات الارض..

سيظلُ قاربكَ أبداً

وستظل رحلتكَ في قلبي خالدة

رغم إنكسارات روحي بوداعِكَ !!

ـــــ

محمد سليم السواري..روائي كوردي كبير واعلامي ودع الدنيا في الغربة ،في الولايات المتحدة يوم 28\3\2025

تنقل بابداعه ما بين مدن الموصل وبغداد ومشيغان الامريكية

المزيد من المقالات...