مقدمة لابدّ منها:

من عاداتي أن أكتب عن رحلاتي وزياراتي في حينها لكن أعترف أنّي تأخرت هذه المرّة عن الكتابة عن رحلتي لجيجل العزيزة علينا. وبما أنّه ليس من عاداتي أن أبرّر للسّاسة والفقهاء كذلك لن أبرّر لنفسي عدم الكتابة في حينها وأعلم القارئ الكريم أنّ الرحلة كانت بتاريخ: الأربعاء 29 ذو القعدة 1440هـجري الموافق لـ 29 جويلية 2019 ودامت 10 أيام.

بين يديك الآن الحلقة الأولى في انتظار الحلقات القادمة بما فيها عرض الكتب التي قرأتها في جيجل وعلّقت عليها في حينها وكذا المقالات التي كتبتها في حينها والشخصيات التي التقيت بها وأفردت لها مقال وكذا مقالات قرأتها وعلّقت عليها.

بقيت الإشارة أنّي دونت رحلتي إلى جيجل وبخط اليد عبر كراسي في حدود 80 صفحة وأنا الآن بصدد كتابتها عبر الحاسوب سائلين التوفيق والسّداد والانتهاء من كتابة الرحلة بإذن الله تعالى. وأضع بين يديك ماجاء في الحلقة الأولى:

1.   زرنا جيجل ضمن الزيارات التي تخصّصها الخدمات الاجتماعية لمديريات ولاية الشلف كلّ صيف فقضيت رفقة الزوجة وأبنائي الأربعة وليد وأكرم وشمس الدين وملاك العطلة الصيفية التي دامت 10 أيام:

2.   لأوّل مرّة أزور جيجل وأمرّ على بجاية وكم أتمنى أن لا تكون الأخيرة.

3.   السكة الحديدية ببجاية مهيّأة بطريقة جيّدة ومريحة حيث وضعت صفائح حديدية بين خطّ السكة والآخر حيث تمر السيارة بطريقة سهلة ومريحة للسائق والراكب والسيارة دون أن يتضرّر أحد منهم حتّى أنّي تمنيت لوضعت مثلها في السكة الحديدية عبر التراب الوطني خاصّة وأنّ الصفيحة الحديدية لاتكلّف كثيرا وتصنع محليا ويمكن صنعها من الحديد الذي يعاد استخدامه. وكلّ الشكر لإخواننا وأحبتنا وأعزّائنا في جيجل على التفكير الفاعل المثمر.

4.   ازدحام مروري خارق للعادة نظرا في انتظار الانتهاء من الطريق الجديد المتضمن الجسور العملاقة والتي ستنتهي قريبا بإذن الله تعالى حسب مالمست ورأيت.

5.   البنايات الشامخة في أعالي الجبال حيث الكهرباء والغاز وشبكة التواصل ومحطة البنزين وصكوك البريد ما يدل على أن الجزائر تقدّم الخدمات ولو كان السّكان في أعالي الجبال عكس بعض الدول التي لا تتجاوز خدماتها العاصمة والتي لا توجد بها شبكة صرف المياه وهي الغنية الثرية كما استمعت لأستاذ جامعي من أبنائها وهو يتحدّث عن ذلك ويؤكّده لضيفه ويثبته.

6.   صليت صلاة العصر بمسجد سيدنا عثمان بن عفان رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه ببلدية "بونار" بجيجل. وما لفت الانتباه أنّ توقيت صلاة العصر كان على السّاعة 16 و01 د، وفي نفس اليوم كان توقيت صلاة العصر بالشلف على السّاعة 16و20د ما يعني أنّ الجزائر قارة وليست دولة وتعرف المسافة من خلال فارق توقيت الصلاة . وبعدما كنت أعرف مساحة الجزائر وأنها قارة من خلال فارق توقيت وقت السحور والفطور عبر ولايات الجزائر أصبحت أعرف الآن وعبر فارق توقيت أوقات الصلاة كصلاة الظهر والعصر بين بجاية والشلف حيث يبعد بينهما 500 كلم.

7.   ترقبوا الحلقة الثانية بإذن الله تعالى.

"البوح الثاني عشر"

clip_image002_efbdf.jpg

 

clip_image004_53380.jpg

 

clip_image006_33a04.jpg

ما أن غادرنا قصر النمر وأنهينا جولتنا في الحبلة حتى كنا نتجه لبيت المسنين بناءً على اقتراح من د. لينا الشخشير، منسقة برنامج في جولات نابلس حين قالت: للمسنين وكبار العمر علينا حق؛ وبرفقة صديقي سامح سمحة الذي حضر معي من جيوس بسيارته الخاصة وصلنا المركز وعبر الحديقة الجميلة كنا نتجه للإدارة حيث التقينا كل من المشرفات سوزان مرعي مديرة الدار وميرفت القطب مشرفة الدار، ومع فنجان القهوة تحدثت لنا المديرة عن الدار وقالت أنها أنشئت عام 1952م من خلال د. أحمد سرور الذي شاهد مسنين في الشارع بدون أي اهتمام أو رعاية لهم، فأدخلهم البيت وبدأت الفكرة بالتطور حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وبيت المسنين تابع لجمعية الهلال الأحمر وفيه قرابة 20 من المسنين الذين جارت عليهم الظروف وعقهم الأبناء، ولحسن حظنا أنه كان لديهم نشاط في الدار للترفيه عن المسنين فكانت فرصة أن نشاركهم الفرح، حيث تهتم الإدارة ببرامج الترفيه وجولات ترفيهية أيضا، ولكن الدار تعاني من محاولات إخلائها لأن ورثة المبنى يريدون تحويله إلى مركز تجاري، مضافا لذلك أن حجم التبرعات والمعونات التي كانت تصلهم أصبحت قليلة جدا بينما تكاليف العناية بالمسنين ترتفع كثيرا عاما إثر عام، ومن شروط نزلاء الدار أن يكون المسن يستطيع القيام بحاجاته الخاصة وهذا أثار في ذهني السؤال أين يذهب من يكون مريضا ولا يستطيع الإيفاء بهذا الشرط؟

من دار المسنين كنا نتجه لجولة في منطقة راس العين والتي تحمل الاسم نسبة لعين الماء في المنطقة حيث المسرح الروماني أو ما تبقى منه، حيث توقفنا في المنطقة العليا من الشارع وأول ما لفت نظري ووثقته بالصور أن اليافطة الإرشادية التي تعطي الإشارة لموقع المسرح ولجامع عجعج يوجد تحتها مباشرة كمية من القمامة، وحين نظرت من خلال الشبك المعدني ذهلت من حجم الإهمال للموقع، فلا ترميم للموقع أبدا والبيوت على الشارع استولت على مساحة من مقدمته فاختفى عن الشارع، حيث هناك بيوت تراثية وتحتها جدار استنادي إسمنتي يكمل تشويه المسرح الأثري، والحجارة متناثرة في المكان بدون أي محاولة لترميم ما تبقى إضافة لانتشار الأوساخ، ولم يتبقى إلا ثلاثة مدرجات من المدرج أو لنقل ما تبقى منها، هذا المسرح الذي كان له دوره في فترة الدولة الرومانية ويعتبر من أهم آثار نيوبليس القديمة التي أنشأها الرومان في عهد الامبراطور سبسيان في عام 73 م بعد تدمير شكيم الكنعانية، والمدرج كانت ساحته الدائرية بقطر 110م ويتسع حسب المصادر الأثرية إلى عشرة آلاف مشاهد، والدخول إلى المسرح المهمل الذي اكتشف عام 1979م يتم بزقاق ضيق من بين البيوت والمحلات حيث عبرنا إلى المسرح المدمر والمهمل ووثقت عدستي كل الزوايا والجدران المحيطة به والشارع أمامه، وأعتقد أن توجه صائب للترميم يمكن أن يرمم مساحة منه وإن لم يكن إمكانية لتملك البيوت التي تحجبه عن الشارع، يمكن تحويل الجدار الاستنادي الأمامي إلى واجهة حجرية تكون واجهة للمدرج وترميم المكان بقدر توفر الحجارة وتحويله إلى مركز للعرض والفنون والمسرح وكذلك الجدران الاستنادية الجانبية، فيكفي هذا الأثر المهم ما تعرض له من تخريب وإهمال عبر العصور وما تعرض له من الاحتلال الصهيوني وما تعرض له من لصوص الآثار والباحثين عن أوهام الذهب، وهذا الموقع قبل اكتشافه كانت ملكية الأرض لأحد العائلات المتمكنة في نابلس، وقد منعت الجهات المسؤولة عن الآثار استخدام هذه الأرض لأنها بآثارها تصبح ملكا للدولة، ولا أعرف إن كان الإجراء القانوني بالتملك قد تم أم لا.

من راس العين وبعد مغادرتنا المدرج الروماتي والألم يسودني على هذا الإهمال الذي رأيته كنا نتجه لحارة القريون لجولة سريعة، وهذه الحارة أخذت اسمها من نبع مياه قوي ومتجدد يستمد مياهه المتدفقة من جبل جرزيم، والنبع استمد اسمه من كلمة "كرايون" وتعني الأنابيب حيث أن الرومان بنوا على هذا النبع "نمفيوم" وتعني معبد لاله الماء فقد كانوا وثنيين، ومددوا أنابيب المياه الفخارية للبيوت والأمكنة في الموقع فحملت الاسم من كلمة الأنابيب بينما في اللغة السريانية تعني النبع المتدفق، وقد تجولنا بسرعة في الحارة متجهين لمبنى يعود إلى 500عام من العهد العثماني من أملاك جدود آل الشخشير وكان يستخدم ديوانا للعائلة كما عادات بلادنا حيث يندر أن نجد عائلة بدون ديوان أو مغتربين بدون ديوان أو جمعية لأهل البلدة أو للعشيرة، وقد استمر هذا المبنى ديوانا لعائلة الشخشير ما يزيد عن ربع قرن قبل نقله لموقع آخر، والمنطقة مبنية فوق الآثار الرومانية "نيوبوليس" التي دفنت تحت نابلس عبر العصور وبسبب الزلازل التي ضربت نابلس عدة مرات وآخرها زلزال عام 1927م، والطابق الأول تحول إلى مصنع حلويات الشرق للسكاكر وفي الطابق العلوي يسكنه السيد مروان الشخشير مع والدته ولا يقبل أن يسكن المبنى أحد آخر، وقد استقبلنا بحفاوة في مكتبه بالمصنع وأعطاني الكثير من المعلومات عن الحارة وعن معلمها وعن مسجد التينة والذي وجدناه مغلقا فأجلت زيارته لجولة أخرى رتبتها بالتنسيق مع د.لينا الشخشير الصديقة القديمة من نابلس الأستاذة جهاد قمحية، وجولة أخرى مع الشابة هديل عواد وبترتيب وتنسيق د. لينا التي كانت منشغلة بفترتها ببرامج لجمعية المنار التي تترأسها، ثم وقفنا أمام البيت الذي ولدت فيه وعاشت مرحلة من عمرها فيه مرافقتنا ومنسقة برنامجي في جولات نابلس د. لينا الشخشير.

بعدها اتجهنا لجولة سريعة في حارة القريون لنكسب ما يمكننا من الوقت قبل أن نغادر نابلس قبل حلول المساء برفقة صديقي الأستاذ سامح السمحة عائدين لجيوس بلدتنا الجميلة الخضراء، فتجولنا من أعلى الحارة حيث مبنى نبع القريون والذي لم نتمكن من دخوله لأن بوابته مغلقة للحفاظ عليه وعلى نظافة نبع الماء، والدخول إليه يحتاج لتصريح من البلدية حيث قام الموظف المشرف على مضخة الماء مشكورا بالاتصال بالبلدية بأحد الموظفين الذي أصر أن نحضر بيوم آخر، ونقدم طلبا معللا للزيارة من البلدية والتي لا يداوم موظفيها إلا صباحا مما حرمنا من دخول المبنى الأثري وتوثيقه من الداخل كمعبد روماني والدخول بالممر الضيق للوصول إلى النبع المتدفق، اكتفيت مؤقتا بتصوير المبنى من الخارج والذي جرى ترميمه عام 2010م كما تم ترميم المبنى المجاور له والمبني جزء منه فوق مبنى نبع القريون وهو قصر آل هاشم، فتجولنا في الحارة وأزقتها وساحتها الواسعة، فحارة القريون تتميز أنها في وسط حارات المدينة وتقع شرق حارة الياسمينة وتتميز بمبانيها وأقواسها التي تعود إلى العهد العثماني، وقد تعرضت للقصف الجوي وبالدبابات أثناء اجتياح 2002 م واستشهدت عائلة الشعبي في الحارة وهي من 8 أفراد ومنهم امرأة حامل استشهدت وجنينها وقد تم تخليدهم بلوحة رخامية تحمل أسمائهم مررت من جوارها وصورتها وقرأت الفاتحة على أرواحهم وأرواح كل الشهداء.

في قلب الحارة تجولنا في ساحة التوتة والتي استمدت اسمها من شجرة توت ضخمة تم قطعها، وهذه الساحة مقتصرة على بعض المحلات التجارية التي تخدم سكان الحي وتحيطها المباني التراثية ذات الملامح العثمانية، وفيها العديد من اللوحات الرخامية لتخليد أسماء الشهداء من أبناء الحارة، وفيها مجموعة من الأماكن المهمة التي توثق تاريخ نابلس والحارة مثل قصر محمود عبد الهادي والذي سيكون عنه حديث خاص في الحلقات القادمة، ومن مكان إلى مكان ومن حارة إلى حارة كنا نواصل المسير فشاهدنا الحمام الدمشقي وهو من أحدث الحمامات في نابلس وتم إنشاؤه في أحد المباني التراثية، ثم اتجهنا لمصبنة كنعان والتي تم ترميمها وتحويلها إلى جمعية المركز الاجتماعي الخيرية ولم تكن قد افتتحت بعد مما لم يتيح لنا التجوال في داخل المبنى التراثي، كما شاهدنا ديوان آل الخماش وهو مبنى تراثي يعود لفترة طويلة من العهد العثماني وقد تأسس عام 1848م، وآل الخماش من العائلات العريقة التي سكنت نابلس وقد عرفوا بالاهتمام بالعلم وعدد كبير منهم درسوا في الأزهر الشريف وتبوئوا مناصب مهمة، والديوان التراثي من مباني حارة الياسمينة ويتم الصعود إليه بواسطة درج حجري وعبر قوس حجري يشكل البوابة يتم الدخول للمبنى الذي بني كما غالبية مباني نابلس التراثية على نظام العقود المتصالبة، ومررنا من أمام دار النابلسي التي زرتها لاحقا مع الأستاذة جهاد قمحية والأستاذة سندس الحشاش خلال عملية الترميم،كنا نجول الدروب والأزقة وعيناي ترقبان كل صغيرة وكبيرة والنقوش على الجدران وفوق البوابات والأقواس والقناطر، ولا أتوقف عن التقاط الجماليات الباهرة ونحن نتجه لخارج الحارة حيث تركنا السيارة مودعين مضيفتنا د. لينا الشخشير وعائدين لبلدتنا قرب المساء بعد أن حددت موعد للجولة القادمة في آثار "شكيم" الكنعانية وهي نابلس التاريخية التي هدمها الرومان وبنوا بدلا منها "نيوبوليس"، وهي التي ستكون مجال الحلقة القادمة.

جو بارد شبه قطبي يجتاح عمَّان التي ازورها زيارة سريعة لظرف عائلي، أجلس إلى مكتبي الدافئ في شرفتي العمانية مع فنجان القهوة مستذكرا كل جولاتي التي لم أكتب عنها بعد في نابلس وبلدات ودول أخرى، استمع لشدو فيروز وهي تشدو: "يا حبيبي هرب الليل بنا ومشيناها دروبَ الحُلُمِ، فَلَهَوْنا عند واحات الهنا وجلسنا في ظلال النَغَمِ، يا صفا دنيا من الورد لنا وعشيّاتٍ خِفافِ النَسَمِ، نتهادى نتهادى والغنى طائرٌ في كلّ روضٍ يرتمي".. فأهمس: صباحكم أجمل.. صباحكِ أجمل يا نابلس.. صباحكَ أجمل يا وطننا..

"الحلقة الثانية"

clip_image002_6ba17.jpg

 

clip_image004_13a78.jpg

 

clip_image006_7e51a.jpg

تجولنا في كل أنحاء مسجد قبة الصخرة، وكانت مشاعر الخشوع والإيمان تغمرني بقوة، فصليت أكثر من مرة لله تعالى في أنحاء المسجد، وبعدها نزلنا إلى المغارة الواقعة تحت الصخرة المشرفة، وعند بوابتها الصغيرة يوجد قبة صغيرة بنيت في الفترة العثمانية وبداخلها نافذة بها شعرتين من شعر الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، وسميت حجرة شعرات النبي، ويتم النـزول للمغارة بعدة درجات ضيقة، حيث نجد محرابين صغيرين بداخلها، وقد صليت ركعتين هناك أيضاً. قبل أن أخرج وأجول مرة أخرى في رحاب قبة الصخرة، حيث كنت مبهوراً بجمالية الهندسة والزخرفة وعبق التاريخ حيث أن قبة الصخرة مزينة بستة ملايين قطعة ذهبية تشكل فسيفساء الزخرفة، بينما القبة من الخارج مطلية بالذهب وبين القبة الداخلية والذهبية مسافة 170سم ليتم المرور من خلالها في أعمال الصيانة، وللبناء الهندسي إبداع له حسابات رياضية فالبناء الثماني الشكل مستمد من الآية القرآنية في قوله تعالى:" ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" كما أن 12 عامود تحمل القبة ترمز لعدد شهور السنة، وأبواب الصخرة أربعة بعدد فصول العام ويوجد لها 52 نافذة بعدد أسابيع العام، وفيها 24 قوسا بعدد ساعات اليوم، وفي أعلى قبة الصخرة منقوش آية الكرسي وفي محيطها 3 آيات يرد فيها أسماء الرسل عليهم السلام حملة الرسالات السماوية سيدنا محمد وسيدنا عيس وسيدنا موسى عليهم أطيب الصلاة والسلام، وبجوار كل باب عامودين يقابلهما 3 أعمدة من التي رفعت عليها قبة الصخرة المشرفة ترمز بعددها 5 أعمدة للصلوات الخمس المفروضة، وارتفاع قبة الصخرة 36,5م برمزية عدد أيام السنة، وطوال تجوالي لم تتوقف عدستي عن التقاط الصور لتوثيق الزيارة والمكان قبل أن نخرج لساحة قبة الصخرة الخارجية، من باب منقوش أعلاه: "صخرة بيت المقدس من الجنة"، فالساحة الخارجية محاطة بالأعمدة المقنطرة بالأقواس البوائك (جمع بائكة) وعددها ثمانية أيضا وهذه البوائك تزيد من جمالية المكان مقابل الواجهات الثمانية للأقصى والتي يبلغ طول كل واجهة منها 12.5م ولعل البائكة المتميزة بينها المطلة على المسجد الأقصى "القبلي" لوجود ساعة شمسية عليها، وفي بعض جوانب ساحة قبة الصخرة بعض القباب من مراحل البناء المختلفة والصيانة عبر العصور إضافة إلى صف من الغرف الصغيرة "الخلوات" وقد بنيت في العهد العثماني، ومن يتأمل جدران مسجد الصخرة من الخارج يجد آيات من جمال النقوش والهندسة، فمن الرخام الأبيض الذي يغطي القسم السفلي إلى بلاط السراميك الذي يغطي القسم الأعلى، وصولاً إلى السقف الذي صمم على الطراز الجمالوني، حتى القبة الذهبية بجمالها وسحرها، والآيات القرآنية المنقوشة على رقبة القبة بجمالية الخط العربي الكوفي البسيط، وتزيد قدسية الأقصى بكل أرجاءه على روح الزائر جمالاً آخر من الخشوع والرجاء وفي فترة الاحتلال الصليبي جرى تحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة أسموها قدس الأقداس، وقد سرق القساوسة قطع من حجارة الصخرة المشرفة وباعوها في أوروبا بوزنها ذهبا.

ومن الدرج المواجه للأقصى نزلنا باتجاهه بخشوع ورهبة، فهذه هي المرة الثانية التي سأدخل فيها رحاب الأقصى بفارق 42 عاماً بين الزيارتين، ومن الضروري الإشارة إلى أن المسجد الأقصى يعني كل المساحة داخل الأسوار والأسوار المحيطة به وجدرانها الداخلية والخارجية، وليس فقط البناء المعروف بالمسجد الأقصى، فأي انتهاك لأي جزء من هذه المساحة هو انتهاك لقدسية الأقصى، وما أن دخلت من البوابة الرئيسة حتى شعرت برهبة مضاعفة، فهنا سجد ملكي صادق اليبوسي لله سبحانه وتعالى، وهنا كان ثاني بيت بني لعبادة الله الواحد الأحد بعد الكعبة في مكة، وإلى هنا أسري بالرسول -عليه الصلاة والسلام- وهنا أم بالأنبياء ومن هنا عُرج به للسماء، وفي القص الديني ينسب بناء الحرمين الشريفين الكعبة والأقصى لسيد البشرية آدم "عليه السلام"، وتجديد البيت العتيق لسيدنا إبراهيم "عليه السلام"، وهنا في القدس تبدأ حكاية كنعان ويبوس وتراث حملناه منذ حط في هذه الديار الفلسطينية أحفاد كنعان الأول منذ عشرة آلاف وخمسمائة عام في أريحا مدينة القمر وانتشروا في كافة أنحاء فلسطين، وجاء بني يبوس الكنعانيين وعمروا القدس؛ مدينة السلام وزهرة المدائن، فتذكرت كيف أذهلني المسجد حين رأيته طفلاً، فبدأت أتراكض فيه أنا وشقيقي محمد "جهاد" الذي يصغرني بفرح طفولي غامر، والمسجد الحالي بناه الأمويون في عهد الوليد بن عبد الملك مكان المسجد البسيط الذي أمر ببنائه عمر بن الخطاب، فالمسجد الذي بناه عمر كان من البساطة حتى أنه لم يصمد كثيراً، والذي بناه سيدنا عمر فوق الأقصى التاريخي حيث لم تكن إلا آثار أبنية قديمة جداً تحولت لمكبّ للنفايات، فأزالها الفاروق عمر وأعاد بناء الأقصى.

عبر القرون التي مضت، ومنذ بناء الأقصى يتم الاهتمام به وتجديده، فالأقصى تعرض لزلازل طبيعية عنيفة أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الحكام يسارعون لإعادة بناءه وترميمه مما أدى إلى تغيرات كبيرة على شكل وبناء الأقصى، ولعل زلزال الاحتلال الصليبي كان هو الأقسى عبر التاريخ الماضي، والآن يتعرض الأقصى لاقتحامات المستعمرين الجدد والاحتلال بشكل شبه يومي، في ظل صمت عربي وإسلامي مريب. والأقصى له أربعة مآذن على أربعة أبواب هي مآذن بوابات الأسباط، والمغاربة، والغوانمة، والسلسلة وسيكون لكل مأذنة حديث لاحق وتفصيلي.

   دخلنا من البوابة الرئيس والتي هي بوابة المسجد القبلي، وهو المسجد الأقدم والمسمى الجامع القبلي لأنه يقع جنوبي مساحة الأقصى باتجاه القبلة، وهو المسجد الرئيس وفيه المحراب والمنبر، وفيه يقف الإمام لخطبة الجمعة وهو أقدم المساجد في الأقصى، فهو الذي بُني في العهد الأموي وتعلوه قبة الأقصى الضخمة والرصاصية المعدن فوق سقف جملوني الطراز، وفي القديم كان الأقصى من 15 رواقاً، ولكنه اختصر مع التغييرات إلى سبعة وهي الموجودة الآن، حيث يحيط المسجد القبلي 3 أروقة من كل جانب، فتجولت بعد الصلاة في كل أنحاء المسجد وزواياه وصليت به أكثر من مرة، وتأملت المنبر الذي جرى حرقه على يد المتطرفين اليهود وتحديدا على يد مايكل روهن الأسترالي في 21/8/1969، وهو المنبر المنسوب للفاتح صلاح الدين الأيوبي علما أن من أمر باعداده هو نور الدين زنكي عام 563 ه قبل تحرير الأقصى بعشرين عاما وهو يعد لتحرير القدس، ليتم وضعه في الأقصى بعد تحريره من يد الصليبيين، وقام بصنعه كبار الحرفيين والصناع في دمشق وحلب من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس والمعشق من 12 الف قطعة خشبية متداخلة بشكل فني وماهر مع بعضها بدون أية مسامير أو غراء لاصق، مع نقوش وآيات قرآنية وكتابات تاريخية، حيث نقشت الآيات وهي 90-93 من سورة النحل على شكل متوازي أضلاع، على مستوى جلوس الخطيب على المنبر، وفي إطار مربع الشكل تتوسطه كلمة الله نجد أنه قد تم  نقش الآية 18 من سورة التوبة.

   وعلى الجانب الأيسر نقش على شكل متوازي أضلاع: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته، الشاكر لنعمته، المجاهد في سبيله المرابط لأعداء دينه، الملك العادل نور الدين، ركن الإسلام والمسلمين، منصف المظلومين من الظالمين، أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر، ناصر أمير المؤمنين، أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره وأعلى مناره، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه وأعز أولياء دولته وأذل كفار نعمته، وفتح له وعلى يديه، وأقر بالنصر والزلفى عينيه برحمتك يا رب العالمين، وذلك في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة"، وله في مقدمة الدرج بوابة يعلوها تاج ثم درج يعلوه قوس يصل لمنبر الخطيب، وبقي المنبر ينتظر حتى تم تحرير القدس على يد الفاتح صلاح الدين فأمر بنقله إلى القدس ووضعه في الأقصى حسب وصية نور الدين زنكي، وخطب من عليه قاضي دمشق محي الدين زنكي خطبة الجمعة بعد أن توقفت 90 عاما بسبب الاحتلال الصليبي، والمنبر نقل للأردن بعد عملية الاحراق للترميم بقرار من الملك حسين ملك الأردن، واستمرت عمليات الترميم خمسة سنوات كاملة على يد خبراء بالترميم في جامعة البلقاء في الأردن، وكلفت العملية ملايين الدولارات قبل أن ينقل مجددا ويعاد للأقصى، فجلست للراحة وقراءة القرآن مستنداً إلى عمود حجري ضخم من أعمدة المسجد التاريخية قبل أن أكمل جولتي في رحاب الأقصى وساحاته، حالماً بيوم حرية وتحرر للأقصى والقدس وفلسطين وعيناي ترنو إلى باب المغاربة حيث جنود الإحتلال مدججين بالسلاح.

صباح عمَّاني يسوده الدفء النسبي في ظل أربعينية الشتاء القاسية والتي وصلتها لأيام قليلة، أجلس في مكتبي في شرفتي العمَّانية مستعيدا ذكرى زيارتي الأولى للقدس وزياراتي الأخرى لها، أحتسي قهوتي مع شدو فيروز: "عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد، يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء، عيوننا إليك ترحل كلّ يوم وإنّني أصلّي". فأهمس: صباحكم أجمل ولا بد أن تشرق الشمس.

clip_image002_e9c7f.jpg

clip_image004_93508.jpg

clip_image006_1345a.jpg

كنا قد شددنا الرحال زوجتي ختام وأنا من عمَّان الهوى الى بلدتنا الخضراء جيوس لقضاء موسمي الشتاء والربيع فيها، حيث بحكم موقعها الجغرافي وقرب المسافة الهوائية من الساحل المغتصب يقل البرد فيها ويزداد الدفء مقارنة بعمَّان، حين فاجئنا ولدنا المعتز بالله والعامل في الدوحة بإصراره على أن نزوره في قطر حيث يعمل وأعد لنا التأشيرات وتذاكر السفر وبرنامج للتجوال، ولم نمتلك إلا أن نستجيب لدعوته وخاصة أن هذه المرة الأولى التي سنزور قطر فيها ونجولها.

وصلنا مطار الدوحة وكان ولدنا باستقبالنا ومن المطار للبيت حيث ارتحنا قليلا من وعثاء السفر، ومن ثم كنا نتجه للتجوال في سوق واقف التراثي وتناول العشاء هناك، وعبر جولة في الشوارع الفسيحة والمنارة بشكل جيد وبين المباني العالية والشاهقة واللافتة للنظر بأشكالها الهندسية الجميلة والغربية التصميم  وإنارتها التي تحيل الليل نهارا، والتي تجعل المشاهد الذي يراها لأول مرة ينظر إليها بدهشة وخاصة لمن لم يعتاد رؤية الأبراج الشاهقة في بلده، وبحكم أن دول الخليج بشكل عام حارة معظم أيام العام في النهار، فتكون الجولات فيها في العصارى وفي الليل، فتجولنا في مناطق عدة من الدوحة حتى وصلنا إلى قرب مسجد متسع وجميل ومنار بجمالية، حيث تركنا السيارة في موقف ضخم للسيارات واتجهنا الى سوق واقف التراثي، وبدأنا الجولة في أقسام السوق اللافتة للنظر بدءًا من سوق الصقور واحتياجاتها، حيث شاهدنا الصقور بأنواع مختلفة وهي بالنسبة لنا مسألة لم نراها من قبل أو نعرفها مباشرة، فتمتعنا بهذا التجوال لنتجه بعدها إلى قسم آخر حيث سوق الحمام والعصافير والطيور والقطط، وأكملنا الجولة في أقسام السوق المختلفة بين أقسام للملابس وقسم للبهارات والتراثيات، وفي السوق أيضا أدوات موسيقية ومنتجات تراثية إضافة للسجاد الجميل والعطور والذهب والكثير من البضائع المختلفة.

هذا السوق والذي يعتبر من أهم المعالم التي يزورها كل من يصل الدوحة سواء للقاء الأصدقاء أو شراء المنتجات التراثية والمشغولات اليدوية أو زيارة مبنى الفنون فيه، حافل أيضا بالمطاعم المختلفة والمقاهي من جنسيات مختلفة للأطعمة، فقد فوجئت وأنا أتجول بمطعم يحمل اسم نابلس وآخر يحمل اسم حلويات العكر، فأعادني ذلك لمدينة نابلس التي أزورها دوما كلما كنت في فلسطين والتي كتبت عنها العديد من المقالات التي بلغت اثنا عشرة وما زلت أواصل، وخلال تجوالنا شاهدت مركز سوق واقف للفنون فدخلته وتمتعت بمشاهدة اللوحات الفنية المعروضة والفنانين وهم يرسمون، وقد زرنا هذا السوق عدة مرات للقاء أصدقاء أو للتجوال، وسعدت بحضور مهرجان سوق واقف للفروسية حيث تم استعراض جماليات الخيول العربية واختارت اللجنة بناءً على مواصفات محددة الخيل الأجمل في المهرجان.

السوق أخذ اسمه منذ كان الباعة في السابق يتجمعون فيه وعلى مداخله ويعرضون بضائعهم وهم وقوفا فأخذ السوق الاسم من حالة الوقوف، وحسب بعض المصادر فهذا السوق يعود إلى 250 عاما حيث بدأ سوقا شعبيا ثم بني من الحجارة والطين والأخشاب التي جرى ترميمها عام 2000م  وإعادة بناء السوق على النمط التراثي القديم مع التواصل بين الماضي والحاضر، وبنيت في المنطقة العديد من مواقف السيارات تحت الأرض إضافة للفنادق والمركز الإسلامي والعديد من نقاط الجذب بما فيها مشفى خاص بالصقور، حتى أصبح السوق بشكله الحالي من أهم نقاط الجذب السياحي وقبلة للمواطنين والزوار والسياح الباحثين عن الراحة والتسوق وتمضية أوقات جميلة.

في اليوم التالي كنا نتوجه إلى متحف الفن الإسلامي وحقيقة فوجئنا بجماليات وتصميم المتحف وحجمه، فدخلنا إليه مرورا بالمساحة المبلطة عبر الحدائق وعبر نوافير الماء والجماليات في التصميم والمحيط من حوله، حيث بني المتحف والمياه تحيطه من كل الجوانب كما جزيرة في الماء، وعلى مساحات من حوله حدائق خضراء مزروعة بالورود تسر الناظرين، وهذه الحدائق مفتوحة باستمرار للجمهور، وهذا المتحف الضخم افتتح في الشهر العاشر من عام 2008م  على مساحة45000 م2 ويقع على حافة ميناء الدوحة جنوبا، وبعد جولة سريعة في محيط المتحف والحدائق كنا نتجه إلى بوابة المتحف ثم الدخول حيث ذهلنا بالمساحة المتسعة للمتحف، فبدأنا التجوال في الطابق الأرضي حيث مقهى مطل على الخليج في صدر المتحف، وعلى يسارنا تجولنا في دكان الهدايا التذكارية وفي ساحة مطعم، وخرجنا إلى الساحة الخارجية المطلة على الميناء والمشاهد الجمالية، وهذه الساحة متسعة ومليئة بالنوافير إضافة للتصميم الجميل وبعد وقت من التجوال وتنشق الهواء المشبع بعبق مياه الخليج، دخلنا للطابق الأول من جديد للتجوال في معروضات المتحف، وفي مواجهتنا كان هناك جناح يحمل اسم: سوريا سلاما، وعلى مدخل الجناح يافطة في فقرة مما هو مكتوب: "لا يسعى المعرض إلى التحدث عن تاريخ سوريا وماضيها الثقافي الغني، بل سيأخذ الزائر في رحلة تغطي خمس فترات مفصلية من تاريخ سوريا، تبدأ من الحضارات القديمة قبل الإسلام، وتنتهي بالحركة التجارية النشطة في المدن السورية إبان الفترة العثمانية، وكشف الارتباط الوثيق بين كل عصر والعصر الذي تلاه".

تجولنا في هذا الجناح حيث كانت المعروضات بين مادية ملموسة وما بين عرض على الشاشات، وفي البدايات كان الحديث عن مدينة اوغاريت السياحية وهي من المدن التي اشتهرت قبل ألفي عام من الميلاد، وأحاديث عنها وعن تجارتها وعن الحرف المهنية فيها، وشاهدنا بعض من التماثيل البرونزية التي تعود لمرحلة ازدهار اوغاريت وقطع أثرية أخرى قبل الانتقال لمراحل أخرى ومشاهدة تماثيل مختلفة لطيور وغيرها وبعضها يمثل مرحلة دولة أخرى بناها الآراميين في "تل حلف" شمال شرق سوريا قبل ألف عام من الميلاد، ثم تدمر سيدة الصحراء وتماثيل تمثل لمراحل مختلفة من حضارة تدمر وحضارات عرفتها سوريا ولوحات زيتية تعود للقرن 18م والعديد من الكتب التي تحدثت عن تاريخ سوريا، عبر كل هذه العصور مرورا بالمرحلة الإسلامية الأولى وبعدها المرحلة الأموية والجامع الأموي، وشاهدنا العديد من المخطوطات وخاصة ورق من مصاحف تعود لتلك الفترة، وبعض المصاحف التاريخية أيضا والمخطوطات التاريخية والقطع الخزفية والفخارية والنحاسيات، كما أشار الجناح للمرحلة الأيوبية ومرحلة صلاح الدين وبناء القلاع وتحصينها وقلعة صلاح الدين والمشغولات المعدنية بتلك الفترة، ثم المرحلة العثمانية والتطور الاقتصادي بفترتها للعديد من المدن مثل حلب ودمشق، وشاهدنا مجموعة من الأبواب والملابس القديمة الثمينة والآلات الموسيقية وقطع سلطانية وهذا الجناح ساهم بالقطع الموجودة فيه مجموعة كبيرة من المؤسسات.

المتحف قام بتصميمه المهندس المعماري آيوه مينغ بي وهو أمريكي من أصل صيني وقد قام بزيارة عدد كبير من المواقع الإسلامية حتى خرج بفكرة التصميم وخاصة بعد أن رأى نافورة مسجد ابن طولون بالقاهرة، والمتحف مكون من خمسة طوابق وفي الطابق الثاني والثالث المتحف المستديم بينما في القاعة الأساسية في الطابق الأول تكون المعارض غير الدائمة، وفي الطابق الرابع  قاعات محاضرات وقاعات عرض صغيرة وفي الطابق الخامس مكتبة متخصصة بالفن الإسلامي ومطعم حديث ومكاتب إدارية.

صعدنا للطابق الثاني عبر الدرج الملتوي والمصمم بشكل فني متميز علما أن المصاعد متوفرة أيضا لمن يرغب باستخدامها، لنبدأ جولة رائعة عبر تاريخ يمتد لأكثر من ألف عام بين مئات القطع الفنية منذ بدايات الحضارة الإسلامية حتى نهاية القرن التاسع عشر، فتأملنا إبداعات فنية من بلدان إسلامية مختلفة احتاجت جهدا كبيرا وبالتأكيد مبالغ طائلة للحصول عليها حيث تم جمعها على مدى 15 عام من العالم، فهي كانت في بيوت أمراء وحكام وأناس عاديين أيضا، فشاهدنا ستائر مزينة بالحروف وفن الخطوط ومفتاح للكعبة يعود للقرن 14 م من الفولاذ المعشق بالفضة ومنقوشات خشبية مزينة بالكلمات، وأنماط زخرفية مختلفة من أماكن إسلامية عديدة، وخزفيات كثيرة بين بلاط وبين آنية وأطباق ولوحات وخوذ محاربين من المعدن وخناجر فولاذية مزينة بالماس والياقوت، إضافة لمنحوتات عاج آتية من الهند والأنماط الزخرفية المختلفة حيث أن فن الزخرفة متميز بالفن عند العرب منذ قبل الإسلام، كما شاهدنا العديد من الإبداعات النحاسية والزجاجيات والحلي الرائعة الجمال والثمينة وأشكال متنوعة من العملات، إضافة للمصاحف التاريخية وأوراق مصاحف ولوحات زيتية لأمراء وحكام حكموا في القرون الماضية، والسجاد ولوحات ومنقوشات الخط العربي وتابوت خزفي وأجهزة علمية مثل "الإسطرلاب" الذي كان يستخدم في الحسابات الرياضية والفلكية بأشكال مختلفة إضافة لأدوات هندسية وأدوات أخرى، وأشكال لأحياء مختلفة مثل تماثيل لحيوانات وطيور وفخاريات مختلفة وثوب نسائي من القماش والذهب من آسيا الوسطى يعود لأواخر القرن 12م، وتراثيات ومصنوعات من تركيا وإيران ومصر وسوريا بأعداد جيدة والباقي من البلاد الإسلامية المختلفة من وسط آسيا حتى باقي المناطق الإسلامية، وبعد عدة ساعات من التجوال خرجنا من المتحف وارتحنا على العشب بالحديقة المجاورة للمتحف متنعمين بعبق الخليج، لنكمل بعدها جولة في الأسواق وصولا إلى سوق واقف، بعد أن رغبنا بزيارة المتحف الوطني لكنه لم يكن قد تم افتتاحه بعد في فترة زيارتنا، وبعد العشاء عدنا للبيت للراحة استعدادا لجولة أخرى في اليوم التالي لزيارة أمكنة أخرى ستكون مجال الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله.

صباح بارد مع أربعينية الشتاء والأمطار تتساقط على نافذة شرفة مكتبي العمَّانية فتحدث أصواتا كما معزوفة موسيقية مع فنجان قهوتي وشدو فيروز: "أنت معي سراجنا مضاء..ليلتنا ملاح.. وكوخنا يموج أنت معي.. فلتمطر السماء.. ولتعصف الرياح.. ولتهطل الثلوج"، فأتذكر جولتي في قطر حتى وصلت قلعة زبارة على بعد 100كم من الدوحة وتجولت في الكثير من الأمكنة كما قلعة برزان وغيرها، فأهمس: صباحكم أجمل.. صباحكم وطن.

clip_image002_de744.jpg

clip_image004_1a3ee.jpg

clip_image006_d00d9.jpg

لم أتخيل حينما دعاني صديق العمر من أيام الدراسة الجامعية باسل ذيب النمري "أبو شجاع" لزيارة بلدة هجرها سكانها، أن هذه البلدة ستشغل تفكيري 3 سنوات متواصلة وأنا أبحث عن سرها بعد أن زرتها وصورتها أول مرة عام 2016 برفقة أبو شجاع، وسعيت عبر 3 سنوات للقاءات مع رجالات من صمد من كبار السن ليحدثوني عنها.

حين أطللنا على بلدة صمد الواقعة على طريق رئيس يبدأ من إربد مرورا بإيدون باتجاه عجلون، طلبت من أبو شجاع أكثر من مرة التوقف للتصوير عن بعد لهذه البلدة الساحرة ببيوتها الحجرية المهجورة على رأس تلة وكأنها من البعيد عروس على رأس التلة، وما أن وصلناها وبدأنا الجولة بين البيوت التي هجرها سكانها وتركوها على حافة النسيان حتى كنت أتساءل عن سر هجرة البلدة بأكملها عبر سنوات حتى أوائل ستينات القرن الماضي حين لم يتبقى بها أحد.

البلدة التراثية هجرت بالكامل، البيوتات، المسجد، الكنيسة، المدرسة ولم يتبقى بتلك الفترة فيها أحد أبدا، وفيما بعد وعلى بعد من البلدة القديمة بدأت تنشأ صمد الحديثة من جديد، وبقيت صمد التراثية تعاني من وحدتها على رأس التلة، فتهدمت معظم أسطح بيوتها وقسم كبير من الجدران، وما تبقى كنت أشعر بالدمعات تترقرق على وجنات الحجارة، رغم أن هذه القرية التي تركت على حافة النسيان تعود إلى أكثر من 2000 عام عبرتها في مركب الزمان، فما زالت آثار كنيسة بيزنطية موجودة وبعض من الآثار اليونانية أيضا، وكان يسكنها أبناء البلد الواحد بغض النظر عن الديانة فقد تآخى بها المسلمون والمسيحيون وعاشوا معا حتى بدأت الهجرة منها وتُركت على رأس التلة تشكو الوحدة.

ثلاثة جولات في ربوع صمد، الأولى بدعوة ومرافقة صديقي باسل النمري "أبو شجاع" والثانية بعد ثلاثة سنوات بتنسيق وترتيب التربوية الألقة فدوى حداد، حيث تطوعت مشكورة بالتنسيق لي لزيارة صمد واللقاء بالعديد من سكانها، فرتبت لي اللقاء مع العزيز قدري الجراح والذي رتب لي جولة ولقاء بعض الأشخاص في صمد، والأستاذ قدري هو من العاملين في مديرية تربية المزار ومن المهتمين جدا بتراث الأمكنة وتصويرها وذهبت برفقة العم أحمد أبو دلو "أبو خالد" والذي سبق أن رافقني جولاتي في إيدون، وفي هاتين الجولتين تجولت بين دروب وأزقة صمد التراثية الترابية والممتلئة بالحجارة المتساقطة، فهي حين كانت نخلة باسقة لم تعرف عهد تعبيد الطرق.

أبنية صمد بشكل عام كانت مبنية بأسلوبين من أساليب البناء، الأسلوب الأول للبيوت الواسعة نوعا ما وهو قائم على نظام العقود المتوازية ومسقوف بالقصب والطين المعجون بالتبن، وبعضه دخلت الى أسقفه العوارض المعدنية، والبعض من البيوت اعتمد أغصان الأشجار مع القصب والطين المعجون بالتبن، وبعض البيوت ذات المساحات القليلة اعتمدت على جدران أربعة عريضة بدون عقود متوازية، وأثناء جولتي لم أشاهد أي أثر لبيت قائم على نظام العقود المتصالبة، ومعظم البيوت قد سقطت أسقفها وبقيت الجدران الخارجية والعقود المتوازية قائمة، وبعض البيوت انهارت بالكامل وقليلة البيوت التي ما زالت محافظة على أسقفها، وبكل أسف خلال ثلاثة سنوات بين الزيارة الأولى والثانية وجدت البيوت القائمة تراجعت للخلف، ويظهر أن إشاعات وهم الذهب تثير البعض للحفر والتخريب الذي يؤدي مع عوامل الطبيعة إلى مزيد من الخراب، وقد تجولنا من الأعلى على رأس التلة بين البيوت وحولها بالكامل، ولم يكن بها بيوت مأهولة إلا من الأعلى بالمنطقة المحيطة بالمسجد، والمسجد قائم من بناء جرى ترميمه ويقال أن البناء قائم على قواعد الكنيسة الرومانية والتي تحولت إلى المرحلة البيزنطية لاحقا، لكنني حقيقة لم أشاهد أية قواعد تحت بناء المسجد تعود لتلك العصور حتى أجزم بهذا الموضوع.

صمد التاريخية التي نشأت في عهد الرومان واليونان دمرت مرتين بالزلازل التي عصفت بالمنطقة عام 760 م، وكما أفادني د. مهنا حداد تعرضت لزلزال آخر في القرن 17حين زرته بعد الجولات الثلاثة في بلدة الحصن بترتيب من خلال صديقي باسل النمري، وقد استقبلنا د. مهنا بكل حفاوة وحدثني الكثير عن تاريخ صمد وحكاياتها، حيث أعيد بناء صمد عام 1820م وبعد مائة عام بدأت الهجرات بالتدريج منها لأسباب اجتماعية واقتصادية، فقد كانت صمد تتعرض للغزوات من البدو وهنا لعب الخوف على الأعراض دوره كون صمد كانت منعزلة تماما، وكانت تسكنها عائلات مسيحية ومسلمة فبدأت الهجرات مبكرة من العشرينات من القرن الماضي واشتدت الهجرة لدوافع اقتصادية باتجاه المدن والمناطق الحضرية في الستينات حتى الثمانينات حتى فرغت تماما، علما أنه كان بها مدرسة للروم الارثوذكس بجوار الكنيسة وممن علموا بها الاستاذ المرحوم ذيب النمري والد صديقي باسل، وكان الحنين يشد د. مهند وهو يحدثنا عن صمد، وقال لي أنه شارك بتقديم مشروع لإعادة إعمار صمد كقرية تراثية وسياحية حين كان في جامعة اليرموك، لكن بكل أسف لم يتم الموافقة على المشروع تحت بند الضائقة المالية، وقد ثار الحنين بمضيفنا قبل أن نودعه ويودعنا بمثل ما استقبلنا من حفاوة مقدما لي كتابين من مؤلفاته، فأنشد قصيدة من قصائده لصمد أذكر منها:

اذا شممت الصبا تأتي الصبا من صمد/ روحي في تلك القرى فيها الهوى يتقد

عيني على جبل ترقد فيه بلد/ كالطفل في حضن أم لا يعانيه كمد

في جولاتي في صمد الأولى والثانية وجدت بعض المباني ما زال وضعها جيدا ويمكن إعادة ترميمها وتحقيق حلم أهل المنطقة بقرية سياحية وتراثية تصلح لتصوير الأفلام والمسلسلات كما جرى التصوير في بعض بيوتها الصالحة، وتكون قبلة للزوار والسياحة ولمن يرغب بقضاء أيام بالطبيعة والهواء الطلق بين عبق التراث والآثار والتاريخ، ومعظم البوابات التي ما زالت قائمة يلاحظ أنها اعتمدت على الحجارة الأثرية سواء بالعارضة الحجرية أعلى الباب أو بالحلق الحجري وكذلك بعض من زوايا البيوت وقاعدة الجدران، وهذه الحالة وجدتها في معظم المناطق الأثرية التي سكنها الناس حيث لم يكن هناك اهتمام بالحجارة الأثرية والآثار بشكل عام، وبعض البوابات والنوافذ اعتمدت نظام الأقواس وبعضها اعتمد على حجر مستطيل على أعلى البوابة وبعضها ما زال منقوش عليه الصليب، وبيت آخر وجدت عليه حجر منقوش باسم صاحب البيت وتاريخ 1370 ه والشهادتين، وفي داخل البيوت كانت الفجوات في الجدران التي كانت تستخدم لحفظ المواد وخاصة الغذائية وفجوات لأسرجة الضوء والإنارة، ومعظم الجدران من الداخل كانت مكسوة بالجير المصبوغ وقد ترك عليها بعض المارون نقش اسمائهم او عبارات مختلفة، ومعظم البوابات الموجودة من الخشب والعوارض المعدنية كما الأبواب بتلك الفترات، والعديد من الأبنية من الخارج ما زالت في حالة جيدة ويمكن ترميمها بسهولة، وقد لاحظت أن الكنيسة وبناء آخر امتازت بالبناء على نمط العقد النصف برميلي مما منحها قدرة على مقاومة عوامل الطبيعة والزمن نوعا ما، وعلى أعلى قوس البوابة يوجد حجر أثري عليه زهرة اللوتس.

لاحظت وصديقي باسل النمري أن الحجارة المنقوشة فوق البوابات جرى خلعها وسرقتها وهذا يثير التساؤلات إلى أين ذهبت، ففي فلسطين جرى سرقة مثل هذه الاحجار ونقش عليها آثار توراتية وبنيت مع الحجارة القديمة من جديد في العمق الفلسطيني 1948م في محاولات صهيونية لتزوير تاريخ فلسطين، وفي جولتنا نزلنا لعدة كهوف تحت الأرض فيها بقايا البيوت التي هدمت بالزلزال وآثار تعود للمرحلة البيزنطية واليونانية والرومانية، وعلى قطعة صخرية كبيرة وجدت آثار معصرة رومانية أو بيزنطية كما في كل المناطق التي خضعت لحكمهم في تلك الفترات الغابرة، كما ما زالت بعض آبار الماء التي كانت تعتمد على جمع مياه المطر موجودة وخرزاتها موجودة وأحدها منقوش عليه تاريخ عام 1937م وإن فقدت الخرزات من آبار أخرى مما جعلها خطرة على من لا ينتبه للآبار والفتحات المكشوفة، وفي جولتي الثانية مع الأخ والصديق قدر الجراح جلت نفس الأمكنة مرة أخرى إضافة لمبنيين كانا يستخدمان كمدارس أحدهما مبنى قديم والآخر أحدث، وهي مغلقة ومهجورة بعد بناء المدارس في صمد الحديثة التي تمتد من طريق إربد عجلون وبعض من الأبنية بنيت بجوار صمد التراثية، وهذه المدارس يمكن استخدامها كمعسكرات كشفية وطلابية وللزوار كأمكنة إقامة مؤقتة بدلا من تركها لعوامل الزمن، وبجوارها بعض من القبور القديمة التي يمكن تسويرها وعزلها عن الأبنية، وفي جولتنا وللمرة الثانية لاحظت معاناة صمد سواء التراثية أو الحديثة من مقالع الحجارة والكسارت المحيطة بها ناثرة للغبار ومسببة الأمراض للسكان والتلويث للبيئة، وقد احتج السكان عليها ومنعوا الآليات التي تحمل الحصى والأتربة من المرور من وسط البلدة، كما شاهدت مبنى ما زال منقوشا على أعلى بوابته على 3 حجارة متجاورة تاريخ 1848م على الحجر الأيمن، وفي الوسط الصليب والحجر الأيسر منقوش عليه عبارة "الله واحد"، وبعض البوابات عليها حجارة تحمل نقوش زخرفية وحجر منقوش عليه الهلال، كما شاهدنا مصنع للألبسة بني ولم يعمل ولم يستخدم وقد تم منح الأرض التي كانت بركة رومانية لصاحب المصنع فضاع أثر مهم ولم يكتمل المشروع، وفي حديث مع مضيفنا عبد الله محمد أبو دلو "أبو عادل" الذي استقبلنا في بيته وتجول معنا أفاد أن الكثير من آثار صمد تعرضت للسرقة وأن انعدام المواصلات عن الشارع الرئيس الذي تم فتحه من إربد إلى عجلون كان السبب الرئيس في هجرة البلدة القديمة والاتجاه للبناء قرب الشارع، والبعض هاجر لبلدات أخرى للعمل، وغادرت البلدة مودعا مضيفينا مع الغروب برفقة العم أبو خالد إلى إيدون حيث كنا مدعوين للعشاء في بيت الدكتور عصام أحمد زومط وزوجته هند أبو دلو ابنة أبو خالد المربية ومديرة مدرسة بيت راس للبنات، ومن هناك إلى عمَّان بعد عشاء فاخر وكرم أصيل وسهرة جميلة.

في الجولة الأولى غادرنا صمد صديقي باسل النمري وأنا بعد الغروب الساحر إلى بيت في منطقة مواجهة لصمد لزيارة الحاج تركي يعقوب فريح " ابو يعقوب" وهو رجل كبير بالسن وزوجته وابنته المهندسة بسمة حيث استقبلونا في بيتهم التراثي في وسط البستان الذي أعادني إلى ذكريات قديمة وأصروا أن نتناول العشاء معهم وحدثني عن تاريخ صمد، وأن سكانها كانوا مسلمين ثم سكن معهم المسيحيون في تعايش أخوي كبير، وأنهم كانوا يتبادلوا مشيخة البلد وحدثنا عن الشيخ سليمان عبدو وهو من آل النمري قد تسلم مشيخة البلد وعن الشيخ دخل الله عبد الحق البدور واخوته، وأن الشيخ دخل الله كان يدفع الضريبة عن البلد كاملة بانتظار الموسم الزراعي للسكان، وقال أن طبيعة الحجارة التي استخدت بالبناء تعود لآثار رومانية وبيزنطية ويونانية، وأن المدرسة بجوار الكنيسة كانت تعود لكل من سعيد عقلة عميش ويعقوب سعيد عميش وأنه جرى استئجارها منهم لاستخدامها مدرسة، وقال لي أن من ظواهر التعايش الإسلامي المسيحي أنه درس بالمدرسة وختم القرآن مرتين، وأنه خدم مع الجيش العربي فترة طويلة في الضفة الغربية وأحضر من هناك شتلات اللوز من بلدة جبع في جنين والزيتون وزرعها بالمنطقة وفي وادي البطم ومنه أخذها الناس فترك أثر جميل على الزراعة، كما أحضر الدجاج البلدي البياض وانتشر بالبلدة.

كما حدثتنا ابنته بسمة عن ذكريات الطفولة المبكرة في صمد التراثية، وكيف كانت عمتها تقدم لهم البيض المقلي بالفرن مع السمن البلدي وتسكب عليه اللبن، وعن ذكريات بيت موسى العبدو المفروش بالبسط اليدوية وفي جنوب البيت نافذة مزروع خلفها الريحان الذي كان يعبق بالبيت وكيف كان مضيافا وكريما، وكان أبو يعقوب يتحسر على تلك الأيام وبعد سهرة جميلة والذكريات ودعناهم باتجاه الحصن ومن هناك أخذت سيارتي باتجاه عمَّان.

والجولة الثالثة كنت وحدي بجولة في صمد الحديثة باتجاه المزار للقاء مع دحسين السعيدين مدير تربية المزار والمعلمة ديمة العمري من مدرسة حوفا المزار الثانوية الشاملة للبنات والتي قامت بالتعاون مع المعلمة سيرين أبو لبدة "مدرسة العربية" وطالبات المدرسة مرام المومني ودانا الشرمان ورنا فائق بتقديم خطة مبادرة جرى تنفيذها مع الطالبات لزيارة صمد تحت عنوان: "صمد قرية نسيها الزمان" تهدف لتسليط الضوء على صمد ضمن خطة شاملة من اختيار فريق عمل وعصف ذهني لاختيار موضوع المبادرة وتوزيع الأدوار بين فريق العمل، وتصوير فوتغرافي وفيديو للقرية خلال الزيارة واللقاء مع الأهالي وكتابة تقرير عن القرية وتصميم صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي بنفس اسم المبادرة، ولكن بكل أسف أن هذه الجهود لم تجد الاهتمام من المعنيين ومن الإعلام المحلي الأردني/ تلفاز/ فضائيات/ إذاعة/ صحافة، وجرى حوار مطول بيننا د. حسين السعيدين والمعلمة ديمة العمري والاستاذ قدر الجراح حول ما يمكن أن ندعم به صمد من أفكار، وأبديت لهم كل الاستعداد للتعاون في أية مبادرة قادمة إن كنت في الأردن وليس على سفر كما العادة، وبعد الجلسة الجميلة ودعتهم مغادرا ومعتذرا عن دعوة الغداء التي أصروا عليها متجها إلى إربد ومنها إلى عمَّان لارتباطي بأمسية أدبية.

عمَّان وهذا البرد والشمس الدافئة وأنا أجلس إلى مكتبي في شرفتي العمانية أستعيد ذكريات هذه الجولة عبر 3 سنوات حالما أن تعمل وزارة السياحة والآثار في الأردن الجميل على إدراج صمد ضمن البرامج الملحة بإعادة ترميمها وتحويلها إلى قبلة للزائرين على هذه القمة التي ترتفع 1030 م عن سطح البحر، مستمتعا بالقهوة وشدو فيروز: "ما في حدا لا تندهي ما في حدا، عتم وطريق وطير طاير عالهدا، بابُن مسكّر والعشب غطّى الدراج، شو قولكن؟ شو قولكن صاروا صدى؟"، فأهمس: صباح الخير يا وطني.. صباحكم أجمل.

المزيد من المقالات...