الاستدامة الاقتصادية في العراق: التشخيص والحلول

حامد عبد الحسين خضير الجبوري

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 اخذ مفهوم الاستدامة في الوقت الحاضر أهمية كبيرة في أغلب نواحي الحياة ومن مختلف المؤسسات التنموية العالمية والمحلية وذلك لما له من دور مهم في إضفاء طابع الدوام والاستمرارية لكل المقومات التي تسيّر الحياة البشرية الحالية والمستقبلية، إذ من غير المنطق أن تتمتع الأجيال الحالية بالموارد مع صرف النظر عن الآثار السلبية التي ستتحملها الأجيال المستقبلية.

 بالإضافة إلى الاستدامة البيئية والاجتماعية تعد الاستدامة الاقتصادية إحدى المؤشرات الرئيسة المكونة للتنمية المستدامة، التي تؤكد على ان الأعمال التي يقوم بها المجتمع لابد وأن تتسم بأهداف طويلة الأمد للحفاظ على سلامة حياة الأجيال اللاحقة من الآثار السلبية التي تنتج بفعل الإفراط في العمليات الاقتصادية التي يقوم بها المجتمع الحالي فتنعكس تلك الآثار على البيئة الحالية والمستقبلية. وكنتيجة لزيادة أهمية التنمية المستدامة في الوقت الحاضر فمن باب أولى أن المؤشرات التي تكوّن التنمية المستدامة تحتل نفس الأهمية ومن بين هذه المؤشرات الاستدامة الاقتصادية.

الاستدامة الاقتصادية ومؤشراتها

تعنى الاستدامة الاقتصادية حسب ما أوضحتها شركة الإمارات العالمية للألمنيوم (EGA) على موقعها، بمدى القدرة على استخدام الموارد الاقتصادية بالشكل الأمثل حتى تستطيع المساهمة في تلبية متطلبات المجتمع في الوقت الحاضر والمستقبل وذلك من خلال، الاستثمار في الموظفين وتوفير فرص العمل، والاستثمار في المستقبل، والاستثمار في البرامج المجتمعية والتدريب والتعليم، ودعم النمو الاقتصادي الوطني.

 كما أوضح تقرير التنمية البشرية الذي تصدره الأمم المتحدة إن الاستدامة الاقتصادية ترتكز على خمسة مؤشرات تتمثل في نضوب الموارد الطبيعية، والادخار الصافي المعدل، ورصيد الدين الخارجي، والإنفاق على البحث والتطوير، ودليل تركز الصادرات، ويصنف التقرير هذه المؤشرات ضمن ثلاث مجموعات المجموعة الأعلى والمجموعة الوسطى والمجموعة الدنيا، ونتناول المؤشرات بشكل موجز وكما يأتي:

- نضوب الموارد الطبيعية، والتي تعني القيمة النقدية لنفاذ موارد الطاقة والموارد المعدنية وموارد الغابات، وتحسب بالنسبة المئوية من الدخل القومي الإجمالي.

- الادخار الصافي المعدل، والذي يساوي المدخرات الوطنية الصافية زائد الإنفاق على التعليم ناقص استنزاف الطاقة والغابات، والأضرار الناجمة عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون والجسيمات. وتساوي المدخرات الوطنية الصافية الادخار القومي الإجمالي ناقص استهلاك رأس المال الثابت.

- رصيد الدين الخارجي، أي نسبة الدّين المستحق لغير المقيمين المسدد بالعملة الأجنبية، أو سلع أو خدمات، من الدخل القومي الإجمالي.

- الإنفاق على البحث والتطوير، الإنفاق الجاري والرأسمالي (العام والخاص) على الأنشطة الابتكارية الهادفة إلى زيادة المعرفة، بما في ذلك المعرفة الشاملة لقضايا الإنسانية والثقافة والمجتمع، الأساسية والتطبيقية، والتطوير التجريبي.

- دليل تركز الصادرات، حيث يقيس نسبة تركّز المنتجات المصدّرة (ويعرف أيضاً بمؤشر هرنفدال-هيرشمان).

تشخيص الاستدامة الاقتصادية في العراق

 إن اعتماد مؤشرات الاستدامة الاقتصادية في العراق سيساعد على تحديد وتشخص مدى اتصافه بالاستدامة الاقتصادية من عدمها، وبالتأكيد إن هذا التشخيص سيسهم في اتخاذ الخطوات المناسبة التي تكون كفيلة بالتحفيز على الاتجاه نحو الاستدامة الاقتصادية في حال غيابها أو الحفاظ عليها في حال اتصافه بها.

- فعلى ضوء المؤشر الأول وهو نضوب الموارد الطبيعية بالنسبة إلى الناتج القومي الإجمالي، فقد تم نفاذ ما نسبته 18.5% من الموارد الطبيعية نسبةً إلى الناتج القومي الإجمالي خلال المدة 2010-2014، وهذه نسبة كبيرة جعلت العراق يصنف وفقاً لهذا المؤشر ضمن المجموعة الدنيا.

- وعلى مستوى المؤشر الثاني وهو الادخار الصافي المعدل، فبدلاً من أن يحقق العراق حجماً كبيراً في الادخار الصافي المعدل بشكل يتناسب مع ثروته الهائلة وعلى أقل تقدير بشكل يعادل لحجم النضوب الذي تم إيضاحه في لمؤشر الأول، فهو يحقق ادخارا صافياً معدلاً سالباً بنسبة 2.6% من الدخل القومي الإجمالي خلال المدة 2005-2014، وهذا يعني إن المدخرات الوطنية الصافية أقل والإنفاق على التعليم أقل واستنزاف الطاقة والغابات أكبر وكذلك الأضرار الناجمة عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون الجسيمات تكون أكبر، وبناءاً على هذا تم إدراج هذا المؤشر ضمن المجموعة الدنيا ايضاً.

- المؤشر الثالث والخاص برصيد الدين الخارجي حيث لم يذكر التقرير رصيد الدين الخارجي كون البيانات بهذا الخصوص لم تتوفر له، لكن وفقاً لمصادر أخرى، إن حجم الرصيد القائم للدين الخارجي قد شكل ما نسبته 34% حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية عام 2015 [i].

- المؤشر الرابع الخاص بالإنفاق على البحث والتطوير، فقد شكل الإنفاق على البحث والتطوير ما نسبته 0.0% من الناتج القومي الإجمالي للمدة 2005-2014، وهذا ما انعكس على نظرة المجتمع لنوعية التعليم، حيث لم يشعر بالرضا على نوعية التعليم سوى 45% من المجيبين بالرضا حسب ما أشار إليه التقرير في ص 254.

 كما لم يصنف العراق أيضاً ضمن تقرير الابتكار العالمي الذي يعد الابتكار عنصراً أساسياً للحافظ على النمو والإنتاجية المطلوبة لتلبية الطلب المتزايد، حيث يعد الابتكار احد العناصر المهمة في إضفاء سمة الاستدامة على الاقتصاد (النمو الاقتصادي الطويل الأجل)، وذلك من خلال تأثيره(الابتكار) على أربع قنوات وهي تعميق رأس المال أي الاستثمار بالأصول غير الملموسة بالإضافة إلى الملموسة، وزيادة القوى العاملة ورأس المال البشري، ونمو إنتاجية الشركات، وتحويل الهياكل الاقتصادية [ii].

- أما المؤشر الأخير وهو مؤشر مهم يعبر عن مدى تحقق الاستدامة الاقتصادية من عدمها وهو تركز الصادرات، فكلما كانت الصادرات مركزة كلما يدل ذلك على عدم تحقق التنويع الاقتصادية بل اعتماده على مادة واحدة، وهذا ما يعني عدم تحقيق الاستدامة الاقتصادية، والعكس صحيح.

 إن قيمة مؤشر هرفندال – هيرشمان تتراوح ما بين الصفر والواحد أي كلما اقتربت من الصفر دل ذلك على عدم تركز الصادرات والعكس صحيح أي كلما اقتربت قيمة المؤشر من الواحد كلما دل ذلك على تركز وعدم تنوع الصادرات، فقيمة دليل تركز الصادرات في العراق بلغت 0.972 في عام 2014 أي إن العراق يعاني من تركز الصادرات. خصوصاً إذا ما علمنا إن هذا التركز هو سلعة ريعية مثل النفط وليس صناعية أو زراعية التي تسهم في زيادة النمو الاقتصادي بشكل حقيقي وتخفيض البطالة، فالسلعة الريعية تترك آثاراً سلبية على الاقتصاد برمته وينتقل أيضاً إلى مجالات الحياة الأخرى كالسياسية والاجتماع وغيرها.

وفي ظل المعطيات أعلاه تبين أن العراق لم يحقق الاستدامة الاقتصادية بل يعاني من تناقض صارخ بين ما يمتلكه من موارد هائلة وما حققه من إنجازات ضئيلة جداً، حيث يستنفذ موارده بشكل استهلاكي لا يضفي طابع الاستدامة على اقتصاده فهو ينتج الموارد الطبيعية ليستهلكها اليوم دون الاهتمام بماذا سيحصل غداً!

الحلول

فالحل يكمن في عدة نقاط يمكن أن تسهم في تحقيق الاستدامة الاقتصادية وكما يأتي:

- تنويع مصادر الطاقة أي اللجوء إلى استخدام الطاقة المتجددة إلى جانب الطاقة الاحفورية للتقليل من سرعة النضوب للطاقة الاحفورية وتحقيق العدالة الاجتماعية ما بين الأجيال الحالية واللاحقة من الطاقة الاحفورية لأنها ثروة وطنية عامة للجميع.

- الاستثمار في رأس المال البشري وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة وهذا -بالاشتراك مع النقطة الأولى- يحث ويؤدي إلى تقليص انبعاثات الكاربون من المنبع من ناحية ومعالجتها من ناحية أخرى.

- وضع سياسة كفيلة بمعالجة الدين كأن يتم وضعه تحت المراقبة على ألا تتجاوز قيمته نسبة ما وذلك من خلال تقليص الإنفاق الاستهلاكي الكمالي وزيادة كفاءة الإنفاق الاستثماري مع فرض الضرائب بشكل يتلائم مع ظرف الفرد والبلد.

- الاهتمام بمسألة الابتكار وذلك من خلال زيادة مخصصات البحث والتطوير في كافة المجالات، إذ إن الاهتمام بالابتكار، وكما ذكرنا آنفاً، يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي الطويل الأجل وهو الهدف من الاستدامة الاقتصادية.

- العمل على تحقيق التنويع الاقتصادي وذلك من خلال الاهتمام في القطاعات الاقتصادية المختلفة كالزراعة بشقيها الحيوانية والنباتية، والصناعة بشقيها الاستخراجية والتحويلية خصوصاً، والتجارة بشقيها الداخلية والخارجية، والسياحة بكل فروعها، وغيرها.

- كل ما تقدم يحتاج إلى بناء مناخ استثمار جاذب يحفز ويشجع المستثمرين على القدوم برؤوس أموالهم للاستثمار في البلد.

وسوم: العدد 760