افتراق الزوجين يجدد الحب أم يدفنه ؟

د. محمد رشيد العويد

الأسرة أولاً

وطولُ مُقام المرءِ في الحي مخلقٌ لديباجتيهِ فاغتربْ تتجددِ

فإني رأيتُ الشمسَ زيدت محبةً إلى الناسِ أنْ ليستْ عليهم بسرمدِ

هذان البيتان من الشعر لأبي تمام، يشيران إلى ما يصيب نفس الإنسان من سأم إذا أطال المقام في مكان واحد؛ فدعاه إلى الاغتراب ليتجدد، وضرب مثلاً بالشمس التي يحبها الناس لضيائها ودفئها ونفعها، لكنها بغيابها عنهم، بعد غروبها إلى حين شروقها زيدت محبة بتجدد الشوق إليها.وهكذا الزوجان، مهما أحب كل منهما صاحبه، وتعلق به، فإنهما لا شك سيختلفان، ويصطدمان، وقد يتنازعان ويتشاجران، فلا بد لهما من بعض الافتراق لتجديد الاشتياق.

أزواج يسأمون بيوتهم، وسماع شكاوى زوجاتهم، فيهربـون منها إلى أصدقائهم، يسامرونهم، وينادمونهم، ثم يعودون إلى بيوتهم مع قدر من الشوق واللهفة. وزوجات يضقن بملازمة أزواجهن بيوتهم، فيكونون عبئاً عليهن بكثرة طلباتهم، وتكرار ملاحظاتهم، وتدخلاتهم في أعمال زوجاتهم. لا بد من ذاك البعد، القصير والطويل، القصير خلال اليوم، والطويل خلال العام.ولهذا تكثر النزاعات في أيام العطلات، حين يكون الزوجان معاً طوال الليل والنهار، فيكثر ما يختلفان عليه، ويتنازعان من أجله.حتى وإن اضطر الرجل إلى بقائه في بيته خلال إجازته، فعليه أن يبتعد كثيراً عن زوجته، وأن يشغل نفسه بمطالعة كتاب أو صحيفة، أو متابعة برنامج في إذاعة أو تلفزيون.

عليه أن لا يدخل المطبخ حين تكون زوجته تعمل فيه، إلا للحظات قليلة يتناول منه فاكهة أو يشرب ماء، ويحسن خلالها أن يُسمع زوجته كلمة إيجابية (الله يعطيك العافية)، (ربي يجزيك الخير)، (بارك الله فيك)... ثم ينطلق خارجاً منه متغافلاً عن كل ما يمكن أن يجعله يبدي ملاحظة على أي شيء لم يرتح إليه فيه.

كذلك يجب على المرأة أن تتغافل عما تراه في زوجها من أشياء لا تعجبها، مثل الكتاب الذي اختاره ليقرأه، أو البرنامج الذي جلس أمام شاشة التلفزيون ليتابعه، أو لباسه داخل بيته، وغيرها من الأعمال أو الأشياء التي يمكن أن تثير نزاعاً بينها وبين زوجها.

بعض الرجال يحبون أن يعينوا زوجاتهم في أعمالهن، لكن كثيرات من النساء لا يرغبن في هذه المساعدة، لهذا ينبغي على الزوج أن يبدي استعداده لتقديم العون لزوجته دون أن يبادر إلى قيامه به إلا بعد موافقتها وطلبها ذلك منه.

أما الغياب الطويل بعض الشيء، ويكون خلال السنة لأسباب مختلفة، مثل السفر للعمل، أو الدراسة، أو زيارة الأهل إذا كانوا في بلد آخر، فهو مفيد أيضاً ومجدد للشوق، على أن لا يطول كثيرا.

ويحسن خلال هذا الغياب، أو الافتراق، أن يحرص الزوجان على الآتي:

- الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة التي باتت ميسّرة، وسهلة، وغير مكلفة، مثل الاتصال الهاتفي، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي صار معها الزوجان يستطيعان رؤية بعضهما أيضاً.

- التعبير عن العواطف الإيجابية، وإبداء الشوق واللهفة للقاء القريب.

- مراجعة كل من الزوجين أخطاءه، ومعاهداً نفسه على عدم تكرارها حين يلتقي صاحبه من جديد.

- تطمين كل منهما صاحبه على إخلاصه، إذ تثور الشكوك عادة، والظنون السيئة، خلال افتراقهما.

وسوم: العدد 763