عودة الوعي العربي بعد غفوة طويلة

عودة الوعي العربي بعد غفوة طويلة

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

1

بعد أن أشعل نظام الملالي النار في المنطقة بأكملها يهدد رفسنجاني بقوله " إن الدول العربية بدأت تلعب بالنار"!

إستغرب الكثير من السياسيين والمحللين العسكريين والمثقفين العرب من الدبلوماسية الناعمة التي إنتهجتها المملكة العربية السعودية تجاه دبلوماسية العجرفة والغطرسة الإيرانية، وأعتبر البعض إن الدبلوماسية الناعمة إنما هي تعبير عن عجز أو خوف من المارد الإيراني الذي يتضخم يوم بعد بسبب الميوعة العربية التي كانت تمنحه فياغرا منشطة جعلته الديك الوحيد في سلة المنطقة.

الحقيقة إن الموقف العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص، علاوة على حالة التجمد التركي كان لهما أثر  فاعل في تفاقم ظاهرة التوسع والإستيطان الإيراني في المنطقة وإنفرادها بالساحة. وهذا ما يتوضح من خلال تصريح نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي" بات من المستحيل إجراء أي توازن أمني أو سياسي في الدول الإسلامية دون الحصول على موافقة إيران". وذكر الجنرال محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني" إن انعدام الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط إثر الأحداث التي شهدتها الساحة السورية والعراقية واللبنانية واليمنية والأفعانية، زادت من أهمية وقيمة إيران في منطقة الشرق الأوسط، فإيران أصبحت اليوم لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاهله في تحديد مصير كافة الأحداث التي تشهدها المنطقة"، (موقع تسنيم للحرس الثوري الإيراني).

سوف نستشف من قوة التصريحات الإيرانية ضعف الموقف السعودي الذي لم يجرأ على الردٌ عليها رغم جسارتها التي طالت سيادة البلد وكرامة النظام والشعب على حد سواء.

بلا شك ان السعودية بعد أن أفل العراق القوي وتحول إلى كانتونات طائفية وعنصرية  هشة، كان يفترض بها أن تملأ الفراغ بدلا من أن تتركه سائبا أمام نظام ولاية الفقيه، سيما إن علاقاتها مع الولايات المتحدة كانت حينها أصفى من العسل، ولكنها إتخذت موقفا شاذا من الصعب تفسيره أو تبريره مهما تعاظمت الأسباب، لأن النتيجة تجاوزت الحسابات الجغرافية والسياسية والإقتصادية، كانت كارثة حقيقية لأن أذرع الأخطبوط الإيراني إمتد من العراق الى لبنان وسوريا واليمن وأخذ يهدد البحرين والكويت والأردن وشرق المملكة نفسها. كما إن خضوع ممرات النفط الرئيسة ـ باب المندب ومضيف هرمز ـ لهيمنة إيران ليس مقبولا لا عربيا ولا إقليميا ولا دوليا.

تجاوزت أحلام الولي الفقيه احلام جده كسرى بكثير، في باديء الأمر أقتصرت تصريحات الهيمنة  على العراق ولبنان، ثم تبعتها سوريا، واليمن، والأردن، وتقدم رحيم صفوي مستشار المرشد الأعلى خطوة للأمام مدعيا إن حدود بلده تمتد إلى شواطيء البحر الأبيض المتوسط، وأخيرا وصلت إلى القطب الشمالي بموجب نظرية وهم القوى والتخلف العقائدي! فقد حذر ممثل الولي الفقيه في فيلق القدس(علي شيرازي) من أن الجمهورية الإسلامية لن تهدأ حتى ترفع علم الإسلام فوق البيت الأبيض الأمريكي"! ( موقع ديغربان). وأكد أن النفوذ الإيراني سيتصاعد في الدول الأفريقية في المستقبل القريب!

ماذا بقي بعدّ! لم يعد سوى الإدعاء بأن السماء ساسانية الأصل! علما أن جميع مناطق النفوذ الإيراني كالعراق وسوريا ولبنان واليمن هي غير مستقرة سياسيا ومهددة بالإنهيار والتقسيم، بمعنى إن هذا النفوذ غير دائم وآيل للسقوط حتما، والمغامرات الإيرانية أشبه ما تكون بإسطورة سيزيف، لا أمل يُرتجى منها بل على العكس، سوف تنهك المنطقة وإيران نفسها، وتزيد العبء على الشعب الإيراني الذي تتبدد ثرواته ودمائه على تصدير الثورة البائسة، وهناك شواهد تأريخية كثيرة تؤيد صحة كلامنا.

عندما يطالع القاريء مشتريات المملكة السعودية من الأسلحة وما تملكة من تقنية عسكرية متطورة يستغرب من ضعفها تجاه عنجهية ولاية الفقيه، فقد أشارت الكثير من المصادر بأن مشترياتها لهذا العام ستصل إلى حوالي (90) مليار دولار مقابل (60) مليار دولار أنفقتها في العام الماضي على ترسانتها من التسليحية، كما إنها طورت سلاح البحرية بشكل يتوافق مع قواتها الجوية والبرية بعد أن أنفقت عليه ما يقارب (30) مليار دولار. بلا شك القوة العسكرية تدعم القوة السياسية وتنعكس على كيفية التعامل الدبلوماسي مع بقية الدول، وهذا شأن بقية دول العالم إلا المملكة! فقد إتسمت مواقفها بالضعف والتذبذب تجاه التهديدات والتوسعات الإيرانية، ولم تستفق إلا بعد كابوس باب المندب الذي أثار فزعها. عندما تجاهل الحوثيون تحذيرات المملكة من مغبة الإمتداد إلى عدن، ولكن يبدو أن اول ما تعلمه الحوثي من وليه الفقيه هو الغرور الأعمى والغطرسة الفارغة، بل وصلت به الوقاحة إلى تهديد المملكة بقلب النظام كما صرح أحد أزلامه.

بلا شك إن تجاهل التحذيرات السعودية من قبل الحوثيين دق ناقوس الحرب، فالتوسع الحوثي الخطير، وضرب شرعية النظام الحاكم في اليمن، ومحاولة السيطرة على باب المندب يعني الضعط بشدة على رقبة المملكة بل خنقها، ولو تبصرنا قليلا ولاحظنا أبعاد السيطرة الإيرانية على مضيقي هرمز وباب المندب لعرفنا حجم الكارثة التي ستتعرض لها المملكة. الحوثيون هم من اقزام الولي الفقيه في إيران سواء كان ذلك من خلال تصريحاتهم المعلنة أو من خلال تصريح ساداتهم في طهران، ومثل هؤلاء لا أمان معهم وهذا واقع حال. وقد حذر الأستاذ عبد الله النفيسي بقوله "عدم التفكير بالتعايش مع الحوثي، لأنه طابور إيراني وقيادته في طهران، ويمثل أجندة إيرانية".

نظام الملالي وضع النقاط فوق الحروف ولكن السعودية لم تحسن قرائتها.

صرح الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني في 31/12/2014 " إن تغير موازين القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، بوجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان". مضيفا " أن جماعة أنصار الله التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن يمارسون الآن دورا مثل دور حزب الله في لبنان، بفضل اتخاذهم قيم الثورة الإسلامية نموذجاً". كما صرح الفريق محمد علي عزيز جعفري القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني على الموقع الرسمي للحرس الثوري الإيراني  المسمى (سباه نيوز) بأن بلاده " أحيت ثورة البحرين، ونفخت روحاً جديدة في الثورة اليمنية، كما أن إيران استطاعت أن تظهر كقوة كبيرة مسيطرة في سوريا والعراق والبحرين واليمن".وأعلن مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي إن " ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية". وقال نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي إن "جماعة الحوثي تعتبر من إحدى نتاجات الثورة الإيرانية". هذه التصريحات تؤكد تبعية الحوثيين لولاية الفقيه رغم التباين المذهبي بين الطرفين.

بل طفحت الوقاحة الإيرانية بأن يعلنوا" إن مناسك الحج تعتبر مناسبة هامة للتواصل والتعرّف على كافة المسلمين في العالم، وخاصة المسلمين السنة من الدول العربية، ومنذ عدة سنوات بذلنا جهدا كبيرا لنشر الوعي والترويج للثورة الإيرانية الإسلامية بين المسلمين في الحج. وإذا أستثمرنا ظروف الحج بشكل صحيح، نستطيع أن نحقق مكاسب مهمة وكبيرة هناك. فنحن الإيرانيون نستحق ونستطيع أن نمثل ثورتنا سياسيا ودينيا واجتماعيا بين المسلمين، وأن نطرح عليهم هذه المسائل والقضايا الهامة في الحج، ليتم نشرها بين عامة المسلمين هناك".

كما صرح مهدي طائب مسؤول مقر عمار الاستراتيجي للحروب الناعمة الإيراني التابع لمكتب خامنئي " نعرب عن فرحتنا في  أزمة تغيير تركيبة الحكومة السعودية بسبب وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في حال أن المملكة العربية السعودية والمنطقة تمر بأزمة، وزعم أن تغيير الإدارة في السعودية سيفاقم الأزمة في المملكة ويقوض قدراتها". أليس من الغرابة أن يحلٌ التشفي محل المواساة في دولة تتسمى بالإسلا؟ هذا الوضع المنحرف لم تشهده العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم.

نظام الملالي من توجيه الإتهامات إلى إعلان الحرب!

حمل نظام الملالي السعودية مسؤولية الإرهاب والأزمات التي يتعرض لها العراق، في الوقت الذي حملٌ فيه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي نظام جزار دمشق هذه المسؤولية بأدلة دامغة كما ذكر، في وقت لاحق حملوا تركيا وقطر نفس المسؤولية! فقد ذكرت وكالة تسنيم الدولية للانباء التابعة للحرس الثوري الايراني" تشكلت غرفة عمليات تشرف عليها المخابرات السعودية لتصعيد العمليات في الساحة العراقية، ودعت أن مخابرات النظام السعودي تقيم غرفة عمليات للاشراف على الجرائم التي ترتكبها مجموعات تعمل لصالح هذا النظام وبتمويل منه. أن النظام في المملكة يضخ باستمرار السلاح والمرتزقة الى الساحة العراقية، وأن أمراء من العائلة الملكية يشرفون شخصيا على ما يتعرض له العراق من أعمال ، تستهدف تقسيم هذا البلد بعد تخريبه وتدميره".

ثم أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري خلال كلمة ألقاها في مقر قدس بمحافظة أصفهان حربا بكل صراحة على دول الخليج، نستشف من خلاله إنه يعني دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص بقوله" إن إيران سوف تدخل في حرب شاملة مع الدول العربية المعادية للثورة الإسلامية الإيرانية في المنطقة"، ( موقع عماريون التابع للحرس الثوري الإيراني). من المعروف إنه ليس في المنطقة أعداء لإيران سوى أنظمة الخليج العربي. وقال أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، الجنرال محسن رضائي" سوف يُشكل حزام ذهبي يشمل كلا من إيران وأفغانستان وسوريا والعراق، وسيكون هذا الحزام الذهبي حساسا وهاما خلال السنوات الـ 10 القادمة، لأنه في حال أصبحت أي من هذه البلدان قوية فإنها ستكون لها الكلمة الأولى من بين 20 دولة مجاورة لها". من جهة أخرى وصلت قوات إيرانية الى اليمن للمشاركة في القتال مع الحوثيين قبل الرد السعودي الأخير، وباشرت هذه القوات بالقتال، فقد أكد رياض ياسين وزير الخارجية اليمني خلال لقائه مع قناة (العربية الحدث) بأن " إيران بعثت قوات عسكرية لها تمكنت من دخول اليمن، لدعم جماعة أنصار الله الحوثيين، وهو ما اضطر الدولة اليمنية للجوء للدول العربية".

هذا علاوة على الخطابات الدينية التحريضية التي صاحبت التهديدات العسكرية، فقد صرح مير أحمد حاجتي، مدير الحوزة العلمية في محافظة خوزستان" نحن اليوم في إيران نحصد نتائج هذه الخطة والتنبؤات التي تبناها الخميني للمنطقة"، بحسب تعبيره.وأشار المعمم إلى أن "أعداء إيران خسروا المعركة في مواجهتنا بمنطقة الشرق الأوسط، ونحن اليوم منتصرون في سوريا والعراق واليمن ولبنان"، ( موقع رهايب نيوز الرسمي الإيراني في14/8/2014).

وفعلا ترجم نظام الملالي تهديداته الى هجوم فعلي بواسطة أقزامه الحوثيين، فقد أشار المتحدث العسكري باسم عاصفة الحزم يوم28/3/2015 " رصدت القوات السعودية تحركات لميليشيات الحوثيين باتجاه الحدود السعودية، فقامت القوات الجوية على الفور بقصف هذه الميليشيات لنمنعها من التقدم وإفشال محاولتها لاختراق الحدود السعودية". ومن المؤكد إن هذا الهجوم لن يكون الأول والأخير، سيما إن فصائل من شيعة العراق ولبنان الموالية لنظام الملالي أعلنت عن رغبتها بالمشاركة في الحرب ضد السعودية. فقد ذكرت مصادر لبنانية " أن عناصر "حزب الله اللبناني الشيعي وصلوا قبل أسبوعين إلى اليمن، وعملوا في قيادة المعارك التي خاضتها قوات جماعة الحوثي، ومنهم مدربون متخصصون في تدريب المليشيات على حفظ المواقع التي يتم السيطرة عليها، بحسب". (المصدر يمن/ 24). من المعروف إن التهديد بإستخدام القوة من قبل دولة ضد دولة أخرى يعد عدوانا في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. لأن التهديد قد يؤدي إلى نفس النتائج المترتبة على العدوان، وهذا يعطي المملكة الحق في الرد على التهديدات الإيرانية بإعتبار إن إيران هي التي بدأت العدوان.

2

هل نفضت السعودية يديها من أوباما؟

لم يعد سرأ ان الولايات المتحدة أدارت وجهها في الآونة الأخيرة عن ضفة الخليج إلى الضفة المقابلة مع إبتسامة ماكرة تحت موجة مفاوضات الملف النووي مع محور الشر . ويبدو ان أوباما فطن لسياسة أسلافه وحبذ إعادة سيناريو شرطي الخليج، وإناطة المهمة بنظام الملالي. لكن التأريخ لا يعيد نفسه دائما، وإن أعادها فبصيغ أخرى مختلفة. فالوضع الدولي والإقليمي في الوقت الراهن لا يسمح بذلك، كما إن المساومة بين الملف النووي الإيراني مقابل إطلاق يد الولي الفقيه في المنطقة سيصطدم عاجلا أو آجلا بإرادة الشعوب العربية ومعظمها تؤمن بعقيدة تتعارض مع ولاية الفقيه عقائديا وسياسيا، كما إن إيران في الوقت الذي نجحت فيه بإستقطاب الشيعة العرب، فإنها فشلت فشلا ذريعا في إستقطاب أهل السنة، لقد أسفرت النوايا التوسعية عن وجهها، وتبين إن مبدأ تصدير الثورة البائسة لا يزال يداعب مخيلة الولي الفقيه وأزلامه، كما أن عرب الأحواز وسنة إيران والأكراد والبلوش يعانون الأمرين من سياسة الفقيه، فإن كان الولي الفقيه قد فشل مع سنة إيران بل وشيعتها أيضا ممثلة بعرب الأحواز، فكيف ستنجح سياسته من السنه العرب!

إن الرسائل السرية بين الرئيس الامريكي اوباما والخامنئي قد كشفها الأخير، وليس الإدارة الامريكية، التي تحاشت في البدء التعليق عليها، ولكنها ذعنت للأمر الواقع بعد أن رُميت كل أوراق اللعبة على الطاولة. فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) تصريحات آية الله جنتي " طلب الرئيس الأمريكي خاضعا مشاركة إيران في الحرب الأمريكية ضد الدولة الإسلامية". مضيفا" أن تواصل الرئيس الأمريكي مع المرشد الإيراني علي خامنئي يعتبر من بركات ولاية الفقيه في إيران، وعندما يظهر شخص مثل أوباما ليمد يده إلى إيران والمرشد خامنئي، هذا يؤكد مكانة خامنئي في العالم". كما أعلن نائب قائد الحرس الثوري الايراني العميد حسين سلامي في 12 /10 /2014 " ان نفوذ بلاده في العراق اجبر واشنطن على الانصياع لقرارات طهران". المثير إن الولايات المتحدة لم تعلق على هذه التصريحات المهينة بل بلعتها على الريق!

إنحرفت بوصلة السياسة الامريكة في المنطقة من دول الخليج الى ولايه الفقيه 180 درجة، سيما بعد زيارة وزير الخارجية الامريكي للمنطقة، وإعلانه صراحا بمد يده الى جزار دمشق، ولم تكن تلك مفاجأة كما زعم البعض، لأنها نتيجة حتمية للتقارب الجديد بين نظام الإستكبار العالمي ومحور الشر. لقد إدرك النظام السعودي الجديد  طبيعة المواقف الأمريكية الجديدة، وإن الملف النووي الإيراني ليس أكثر من مسرحية طويلة ومملة لا معنى لها. ويبدو إن التصريحات المعلنة لا تعبر عن حقيقة العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية. عندما صرح رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر في 18/6/2014 ردا على سؤال للصحفيين في مبنى الكونغرس عما إذا كان يؤيد المحادثات مع إيران "لا! لا أؤيد ذلك مطلقا." وأضاف " اتصور فقط ما سيفكر فيه حلفاؤنا وأصدقاؤنا في المنطقة من تواصلنا مع إيران فيما هي مستمرة في دفع أموال للإرهاب ودعم الإرهاب ليس فقط في سوريا ولبنان وإنما أيضا في إسرائيل." إضافة إلى برقيات الطمأنه  التي أرسلتها إيران عامي 2007 و2008 وتعهدت من خلالها " أن إيران لا تستهدف الأمريكيين في العراق ومستعدة للتعاون، وأن للولايات المتحدة وإيران مصالح مشتركة في العراق وتعملان من أجل النجاح والأمن وضد الإرهابيين". لقد وجدت المملكة إن توجهات الولايات المتحدة الجديدة تثير الريبة! فقد رفضت تسليح الثوار السوريين الذين تدعمهم الرياض، وكذلك المقترح التركي لفرض مناطق حظر جوي ضد غارات جزار دمشق على شعبه، وتبنت الميليشيات الشيعية وأشادت بدورها في العراق، والمصيبة الكبرى إنها شطبت حزب الله ونظام الملالي من قائمة التهديدات الإرهابية، حسب تقرير رئيس الإستخبارات الأمريكية (جيمس كلابر)، والكارثة إن التقرير الأمريكي للإستخبارات الأمريكية الذي نشرته (بزنز انسايدر) في 26/2/2015 أشاد بصراحة بدور نظام الملالي في محاربة أهل السنة.

ما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من نظام الملالي الحاكم في إيران هو نفس موقف الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة والرأي العام الدولي من نظام الملالي، وهذا ما عبر عنه الأمريكان أنفسهم، فقد اتهم الكاتب المعروف (جون مونبيوت) المجتمع الدولي" بانتهاج سياسية الكيل بمكيالين، في معالجة القضايا التي تتعلق بالشرق الأوسط، فدول الغرب لم تتخذ مع نظام الأسد نفس ما اتبعته مع تنظيم داعش، كأن ضرب النظام السوري لجرائمه ضد شعبه واجب أخلاقي!". (صحيفة الغارديان). وهذا يفسر رفض المملكة مقعدها في مجلس الإمن في إشارة واضحة بأنه لا يحل ولا يربط!

كما إن الدبلوماسية الناعمة التي إنتهجها المملكة خلال السنوات الماضية قد أثبتت فشلها بل فاقمت الأوضاع في المنطقة سوءا، وان التقوقع العربي عموما، والسعودي خصوصا في صدفة الترقب قد عرض المنطقة إلى الإنهيار، وعليه لا بد من مقابلة التغيير في المواقف الأمريكية بتغيير مقابل في المواقف العربية أو الخليجية على أقل تقدير. طالما حددت الولايات المتحدة أجندتها بوضوح وجهرا، فعلى السعودية أيضا أن تحدد أجندتها بصراحة وعلنا، وهي تقليم مخالب الولي الفقيه الممتدة لخارج ولايته، وإذا إقتضى الحال نزعها. سيما ان طول النفس السعودي تجاه التخرصات الإيرانية وصل إلى حد الإختناق، وبقدر ما كان للصبر من عيوب، فأن له محاسن أيضا، وهذا ما تجلى بالموقف العربي والدولي المناصر للسعودية في هجومها على ميليشيات الحوثي، أقزام الولي الفقيه.

هذا لا يعني إن العلاقات بين واشنطن والرياض قد تأزمت لحد القطيعة، ولكن يمكن القول إن السعودية إن صح إنها تلكأت في إعلام البيت الأبيض بموعد هجومها على الحوثيين، ولم تبلغهم إلا في الساعات القليلة قبل الهجوم كما إدعى جون ماكين وسناتوران جمهوريان آخران خلال مؤتمر صحافي في واشنطن " ان العملية العسكرية التي شنها تحالف تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن بدون تنسيق مع الولايات المتحدة تظهر ان هذه الدول لم تعد تثق بالرئيس باراك اوباما، فعملية عاصفة الحزم هي دليل على ان دول المنطقة لم تعد تثق بالولايات المتحدة، او لم تعد تريد العمل معه". وأقر الجنرال لويد اوستن قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط امام مجلس الشيوخ الاميركي" ان السعوديين لم يبلغوه بالعملية العسكرية الا قبل وقت قصير من انتقالهم الى التنفيذ". وهذا يعني أما أن السعودية تريد إعادة الموازين إلى سابق عهدها مع واشنطن، وسحب البساط الكاشان من تحت أقدام أوباما، أو إن الإدارة الأمريكية تعمدت هذا التصريح كي لا يؤثر على سير المفاوضات النووية مع نظام الملالي. علما إن التفاوض بين الثعلب الإيراني والخراف الكبرى لا تبشر بخير.

خروج المملكة من بوتقة إزدواجية  المواقف.

الموقف السعودي من العراق حزٌ في نفوس العرب الشرفاء والعراقيين الوطنيين، فمشاركة السعودية في الحملة الأمريكية على داعش، جعلها في موقف مضبب، فهي تختلف عقائديا وسياسيا مع النظام الإيراني وأتباعه من حزب الله والحوثيبن والأحزاب الشيعية الحاكمة، لكنها تقف معهم في نفس الخندق في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وكان يفترض بالمملكة أن تتخذ موقف الحياد، ولا تنساق مع رغبة الأمريكان فقط، مثلما إنقادت جميع الدول العربية في الحملة الأمريكية على تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا إنطلقت المملكة في موقفها بأن عدو عدوي صديقي! فالأمثال تُضرب ولا تقاس، فتهديد داعش على المملكة لا يقارن بتهديد نظام الملالي بأي حال من الأحوال، كما إن تنظيم الدولة الإسلامية لم يتخذ موقفا معاديا من المملكة إلا بعد أن شاركت الأخيرة في الحملة الأمريكية ضده. بلا شك الموقف التركي كان موقفا صائبا من حرب أوباما، وكان يفترض بالمملكة أن تتخذ نفس الموقف.

صارت الأوراق مكشوفة للجميع ولا شيء تحت الطاولة في الموقف الأمريكي من نظام الملالي. فقد ذكر مايكل ويس، الكاتب والمحلل في مجلة فوريان بوليسي الأمريكية، في مقابلة مع(سي ان ان)، إن " الغرب والولايات المتحدة في مقدمته، باتا بموقع حليف الأمر الواقع للنظام السوري عبر قصف التنظيمات الإسلامية، أخشى أن نكون نساعده بطريقة غير مباشرة، لقد أكدنا على أننا لا ننسق معه ولا نحصل على موافقته، ولكن خلال الأيام الماضية رأينا مسؤولين سوريين يشيدون بخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويعتبرون أنفسهم شركاء لأمريكا بمكافحة الإرهاب، والمشكلة الثانية أننا ننسق مع الحكومة العراقية التي تخضع بشكل شبه كامل لسيطرة النظام الإيراني، والأخير هو الحليف الأول لبشار الأسد في المنطقة".

كما إن المملكة لم تجابه الأخطبوط الإيراني كما يقتضي الأمر، مثلا عبر الإنفتاح على تركيا وباكستان ومصر لتشكيل حلف مضاد للتوسع الإيراني، أو على أقل تقدير تنسيق عسكري لمواجهة المد الإيراني في المنطقة. فقد ذكر المُستشرق الإسرائيليّ، بروفيسور إفراييم " أنّ المُحافظة على باب المندب، وعدم السماح لجماعة أنصار الله من السيطرة عليه، هو مصلحة إستراتيجيّة لكلٍّ من مصر وإسرائيل". وهذا يعني إن لمصر شأن كبير في دعم المملكة من جهة، وحياد الكيان الصهيوني تجاه الهجوم السعودي من جهة أخرى.

أو من خلال دعم ثوار الأحواز بشكل معلن سيما جبهة تحرير الأحواز ، فقد تزامن الهجوم السعودي مع تصاعد وتيرة الإحتجاجات في الأحواز، وقد أشار الموقع الإعلامي لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز (أحوازنا) الى " الفرحة الكبيرة التي عمت الشارع الأحوازي إثر سماع خبر البدء بعاصفة الحزم التي تستهدف أذناب الاحتلال الفارسي في اليمن من الحوثيين وأتباعهم، واعتبروها عملا مشروعا لقطع الطريق أمام الفرس وتدخلاتهم في الجزيرة العربية". وطالبوا المملكة العربية السعودية والدول المشاركة معها في عملية عاصفة الحزم بتوسيع نشاطها العسكري ليشمل مناطق عربية أخرى، وتوجيه ضربات إلى الميليشيات الموالية للدولة الفارسية في العراق ولبنان وسوريا. كما أكدوا على ضرورة تقديم الدعم الكافي للشعب العربي الأحوازي الذي يناضل من أجل طرد الاحتلال الفارسي ونيل حريته. وانتشرت مؤخرا صورا لأحوازيين يرفعون لافتات مكتوب عليها عبارات مؤيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعملية عاصفة الحزم، بالإضافة إلى عبارات تطالب القمة العربية الذي عُقد في شرم الشيخ باتخاذ موقف لصالح القضية العربية الأحوازية". ويمكن للمملكة أن تفتح مكتب لجبهة تحرير الأحواز في الرياض فتثير جنونه، مثلما يفعل نظام الملالي من خلال دعم شيعة العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج جهارا وبصلافة.

كذلك من خلال الإنفتاح السعودي على منظمة مجاهدي خلق داخل وخارج إيران ودعمهم سياسيا وإعلاميا وتسليحيا، وفتح مكتب لهم في المملكة وبقية دول الخليج، مثلما هناك مكاتب لشيعة اليمن والبحرين والسعودية في العراق. فقد بينت السيدة مريم رجوي بشفافية تامة كيفية التعامل مع نظام الملالي بقولها" ان جذور الأزمات في هذه المنطقة من العالم وبؤرة التطرف ومصدر الارهاب والتشدد هو نظام الملالي اللا انساني ولا حل له الا اتخاذ سياسة الحزم أمام هذا النظام وقطع دابره في المنطقة واسقاط نظام ولاية الفقيه في ايران". كما أكدت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية " على ضرورة توحيد العمل ضد الديكتاتورية الدينية والارهابية الحاكمة في إيران وضد تصدير الارهاب وعدوانها على المنطقة قائلة: كان تشكيل التحالف ضد احتلال عملاء النظام الإيراني اليمن امرا ضروريا للغاية ولا يستغنى عنه الا انه يجب ان يتوسع هذا الدفاع العادل والمشروع في المنطقه برمتها بدءا من العراق وسوريا ومرورا بلبنان وغيرها من الدول وان يتم قطع دابر الفاشية الدينية الحاكمة في إيران وعملائها في هذه الدول". إن إضعاف النظام الإيراني من الداخل سيفسح المجال لقوى المعارضة في الداخل لكي تنشط وتواجه النظام القمعي بعمليات عسكرية ترهقه، سيما إن الوضع الداخلي في إيران حاليا يشكل فرصة ذهبية لقوى المعارضة للإطاحة به.

وهناك قرصات أخرى تجعل النظام الإيراني يئن من وجعها لا تخفى على ساسة المملكة ومفكريها، وكما يقال الباديء هو الأظلم. يفترض أن تَنصب إستراتيجية المملكة بالدرجة الأساس بقطع براثن الولي الفقيه في المنطقة العربية أولا وبقية الدول العربية والأفريقية ثانيا. وهذا ما عبر عنه مُحلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس) د. تسفي بارئيل بتأريخ 27/3/2015 " أنّ الهجوم السعوديّ على اليمن هو جزءٌ لا يتجزأ من الإستراتيجيّة العامّة، والقاضية بوقف انتشار التأثير الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط".

 الخلاصة إن المحافظة على الأمن الوطني والقومي السعودي لا يتطلب الإذن من أحد! وهذا ما عملت به المملكة، ولا أحد يلومٌها في ذلك. ومن ينظر للأمر من زاوية طائفية بحته، عليه أن يستذكر دخول القوات الإيرانية 40 كم داخل الأراضي العراقية بحجة المحافظة على الأمن القومي الإيراني. فقد صرح قائد القوة البرية في الجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بور دستان، أن " خمسة ألوية من القوات الإيرانية دخلت الأراضي العراقية بعمق 40 كيلومترا لصد هجوم محتمل من قبل داعش. وإن المنطقة الواقعة على عمق 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية، تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية". هل المحافظة على الأمن القومي الايراني حلال، وعلى الأمن القومي السعودي حرام؟