لا يجوز أن يفوتنا هذا التطور الخطير

زهير سالم*

[email protected]

تعتبر "زمان الوصل" هذا التقرير وماورد به من شهادات، بالإضافة للتقارير السابقة حول قلعة الحصن، بمثابة تقارير توثيقية توضح محاولات النظام والمتعاونون معه من وادي النصارى لتغيير الوجه "الديمغرافي" لبلدة الحصن التي كان يقطنها أكثر من 30 نسمة، هجر أغلبهم وقتل عدد كبير منهم، ومنع حتى المؤيدين من دخول البلدة بعد سيطرة "الحزب القومي الإجتماعي" عليها بمساعدة اللجان الشعبية المكونة من القرى المسيحية، وبإسناد من "حزب الله" وقوات النظام

وتدعو "زمان الوصل" الباحثين المسحيين من أبناء الوادي قبل غيرهم إلى توثيق ماحصل وأن يعمل قادة الرأي من أهل الوادي إلى إنقاذ مايمكن انقاذه من التعايش بين المسحيين والمسلمين في الوادي، ومنع حملة وضع اليد على بيوت أهالي بلدة الحصن… والسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم.

التقرير 

فرّ آلاف الأشخاص من أبناء قلعة الحصن من الموت تحت وابل القصف وعمليات القتل الممنهجة إلى لبنان عبر وادي خالد منذ ايام ولكن الموت الذي فروا منه كان بانتظارهم هناك حيث شوهدت جثث الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ طافية فوق مياه النهر الكبير وبعضها مرمياً على ضفتي النهر، ويروي الناشط أبو طارق الحصني أن أكثر من 3000 عائلة خرجوا أول أمس إلى "وادي خالد" اللبنانية الحدودية عبر طريق سهل البقيعة الزراعي، ساروا كمجموعات محاولين دخول لبنان غير أنه لم يصل منهم إﻻ الجزء القليل، إذ تعرضوا لكمائن من قرى موالية، ولم يزل مصير 300 مدني منهم مجهولاً. ويستطرد الحصني: يبدو أننا أمام مجزرة كبيرة لم نشهد مثيلاً لها في حمص ولعل تفاخر (الجيش الباسل) والدفاع الوطني على شاشات العهر ونشوته بفرحة النصر على جثث القتلى من الشهداء وجماجم الأطفال يعكس على نحو جليّ أن ما جرى كان لعبة طائفية قذرة.

وبالتوازي مع هذا المشهد الدموي الصامت كانت أبراج قلعة الحصن تضج باحتفالات "شبيحة وادي النصارى" الذين استطاعوا بعد أكثر من سنتين من مقاومة الثوار أن يحتلوا هذه القلعة ويقيموا حلقات الدبكة والرقص وتوزيع السكاكر على أبراجها التي استعصت على الصليبيين طوال سبعة قرون قبل أن يستعيدها صلاح الدين الأيوبي، ولم يكتفِ هؤلاء بالرقص على أشلاء جثث الأطفال والنساء وكبار السن، بل استباحوا بيوت المدينة ومحالها بعد هجرّوا أهلها وقتلوا من تبقى منهم، ونشر نشطاء صوراً لسرقة محتويات بعض بيوت القلعة التي يحاول شبيحة وادي النصارى تغيير اسمها إلى "قلعة وادي النصارى" –بحسب ناشطين– 

*مسيرات تأييد

ونقل الناشط صالح البيطار من أهالي قلعة الحصن أن قوات النظام وشبيحة وادي النصارى بعد استيلائهم على القلعة الي كانت تمثل حلماً صعب المنال بالنسبة لهم قاموا بمسيرات تأييد في محيطها وداخل المدينة، وكان واضحاً من الصور التي نشرتها الصفحات المؤيدة أن السيارات التي شاركت بهذه المسيرات كانت محملة بالأغراض التي سرقها الشبيحة.

ويضيف الناشط البيطار": لم يكتف هؤلاء الشبيحة بالنهب والسرقة والرقص على أشلاء جثث الأطفال والنساء وكبار السن بل تم الاعتداء على أبناء المنطقة من المؤيدين الذين خرجوا بمسيرات تأييد لدخول الجيش من قبل الشبيحة ولم يستثنوا صغيراً ولا كبيراً بل قاموا بسرقة أغراضهم الشخصية ولم يوفروا أيضاً العساكر الذين يقاتلون معهم من أبناء قلعة الحصن، وأحد هؤلاء أجبروه على الركوع على ركبتيه وأرادوا إطلاق النار عليه

ويردف الناشط البيطار إنه بالنسبة للشبيحة من أبناء المنطقة الذين كانوا يسكنون في طرطوس وجاؤوا للخروج في مسيرات تأييد كالعادة واستخدمهم النظام من قبل في التضليل الإعلامي وبعد تمثيلية رديئة الإخراج انهالوا عليهم بالضرب قائلين لهم (الحصن بتنسوها مالكم دخلة إليها) لا بل قاموا بتمزيق صور بشار الأسد وأعلام النظام التي حملها هؤلاء.

*قتلوا الشبان

وحول مصير من بقي من أهل الحصن فيها يقول الناشط صالح البيطار: بعد دخول قوات النظام وشبيحة الوادي إلى مدينة قلعة الحصن قتلوا كل الشبان رغم أنهم لم يتورطوا بحمل السلاح، وهذا يدل على الحقد الطائفي الدفين ضد أهل الحصن، وهناك عائلات بأكملها تتجاوز 80 عائلة مكونة من النساء والأطفال ممن لم ينزحوا من الحصن مجهولي المصير حتى الآن، هذه الفظائع والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية أثارت استياء الكثيرين من أهل وادي النصارى الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على ردعها لأن وادي النصارى عموماً محكوم بالنار والحديد منذ بداية الثورة.

ميريام سلامة فنانة تشكيلية من وادي النصارى أعربت عن حزنها لما جرى لقلعة الحصن على يد أبناء منطقتها معتبرة أن "شبيحة الوادي وأهاليه المحتفلين بتحرير قلعة الحصن من أهلها وقصفها واحتلالها صلبوا المسيح للمرة الثانية ولم يكتفوا بذلك بل رقصوا على دمه أيضاً".

وتضيف بتأثر: "إنني أشعر بعار كبير للمرة الأولى في حياتي لأنني من الوادي وما جرى في قلعة الحصن ﻛﺎﻥ ﻣأﺳﺎﺓ ﺑﻜ ﻣﻌﻨﻰ الكلمة وتستطرد مريام قائلة: "كان النظام وشبيحته من أبناء الوادي يخططون منذ البداية لتهجير أهالي قلعة الحصن التي تعد نقطة استراتيجية بالنسبة لهم واستطاعوا للأسف ﺑﺴﺒ الشبيحة وأغبياء ﺍﻟﺍﺩﻱ أن ﻳﺤﻘوا ما يريدونه، وأنا هنا بطبيعة الحال لا أتحدث عن كل أبناء الوادي لأن هناك كثيرون غير موافقين عما يجري وعن ممارسات الشبيحة، وهؤلاء الشرفاء كثر، لكنهم للأسف لا يملكون حرية التعبير عن مواقفهم ورأيهم بسبب الخوف وعدم وجود البيئة الحاضنة إلى جانب التشديد من قبل الشبيحة والأمن على حد سواء، فبمجرد أن يعبر أحد عن رأيه يتم اعتقاله، خاصة أن الشبيحة وقوات النظام مع آلياتهم موجودون في الوادي رغم أنف الكثيرين ومن أجل ذلك يأخذ الكثيرون نظرة أن أهل الوادي جميعهم موالون.

وتضيف مريام سلامة: "عشنا طوال حياتنا مع أهل الحصن بمحبة وتآخٍ ووئام والمعاملة الطيبة، حتى جاءت مجموعات دون ضمير ليكونوا لعبة بيد النظام ويقوموا بالتفريق بيننا وإثارة النعرات الطائفية والكراهية والحقد بيننا ويشوهوا صورة الوادي للأسف.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية