إيران تهاجم العراق: الأهداف والرسائل

وجهت إيران صواريخها التي جابت سماء العراق يوم السبت الماضي مستهدفة مقار الحزب الديمقراطي الكردي والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني أيضًا، مخلّفة وراءها ما لا يقل عن خمسة عشر قتيلًا وجُرح الكثير من الأعضاء والقيادات والكوادر في الحزب الكردي الإيراني المناهض لإيران، حيث أكدّ الحزب الكردي الإيراني بأن هذا الهجوم قد تسبب في مقتل عدد من النساء والأطفال والشيوخ، وبالرغم من موجة الإدانات الخجولة التي جاءت بعد هذا الهجوم من جانب المسؤولين العراقيين والأكراد.

 يقول قائد القوات المسلحة الإيرانية الجنرال "محمد حسين باقري"، إنّ إيران ستتعامل مع كلّ عمل غير لائق أو غير متزن في إقليم كردستان العراق، كما طالب الجنرال "باقري"، بإخراج كافّة الناشطين السياسيين الكرد أو استردادهم وإرجاعهم إلى إيران، لتنفيذ القصاص العادل في حقهم، وهذا يعني أن إيران ستستمر في هذه العمليات العسكرية.

 بينما الحرس الثوري قام وبعد يوم واحد على الهجوم بتبنيه وذلك من خلال بيان أصدره الحرس الثوري الذي حذّر من تكرار هذه العمليات العسكرية على المجموعات المسلحة المتواجدة في إقليم كردستان العراق، حيث ستواجه هذه المجموعات عمليات أكثر صعوبة وأشد دمارا.

 بموازاة ذلك تواصلت ردود الأفعال على هذا الهجوم، فقد وصف "بهرام قاسمي"، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية هذا الهجوم وبلهجة شديدة بأنّه عمل استباقي وانتقامي، وفي هذا السياق أضاف "قاسمي" إن الجمهورية الإسلامية لن تحابي أو تجامل أي شخص أمام مصالحها الأمنية.

 أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ندّدت بهذا الهجوم وقد أجرى "مايك بنس"، المساعد الأول للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، اتصالًا هاتفيا برئيس إقليم كردستان "مسعود البرزاني"، وقد أدان في هذا الاتصال الهجوم الصاروخي الإيراني، حيث أبلغ "برزاني"، أن إيران وبهذه التصرفات تعمل على زعزعة أمن واستقرار دول الجوار، وهذا يدلل على أنّ هذا الهجوم يحمل بين طياته الكثير من الرسائل، حيث ما زالت ردود الفعل مستمرة على خلفيته.

 ردّة الفعل هذه وصلت إلى الجنرال "شمع خوني"، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني وكذلك العميد "رحيم صفوي" قائد الحرس الثوري الإيراني الذي يُعتبر الآن المستشار العسكري للمرشد الإيراني، ومجمل ردود الفعل هذه تعبر عن السياسة الإيرانية التي تغيرت عندما كانت قبل هذا الوقت تقتصر على إطلاق القذائف على الجبال التي يتواجد فيها هؤلاء المسلحون إلى جانب وجبات الإعدامات التي نفذتها السلطات الإيرانية بحق الناشطين الأكراد، أمّا الآن فقد وصلت هذه السياسة إلى مرحلة واسعة النطاق من الإعدامات بحق الناشطين الأكراد، حيث سنشهد في المستقبل القريب مزيدا من هذه الإعدامات إلى جانب العمليات العسكرية الصاروخية كما حصل قبيل أيام، لذلك نجد أن السياسة الإيرانية قد اتجهت باتجاه عسكريّ، وبخاصة بعدما طالب الجنرال "باقري"، بإعادة المعارضين للحكومة الإيرانية من الأكراد في كردستان والعراق، وهذا مؤشر على السياسة الإيرانية التي تمارس مزيداً من الضغط على الحكومة في إقليم كردستان، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المعارضة المسلحة الكردية موجودة في كردستان منذ زمن.

 حرصت إيران على توجيه رسائل للداخل الإيراني بأن الإنفاق على السلاح الصاروخي الإيراني قد كان في مكانه ومحله، لأنه هو الضامن لأمن الدولة واستقرارها، وبالتالي فإن رهان الغرب على تجريد إيران من سلاحها الصاروخي سيكون تهديداً لأمنها القومي، وكذلك من شأن هذه الضربات تعزيز صورة المرشد ومن خلفه الحرس الثوري والجناح المحافظ ، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة من الشحن والتجاذب غير المسبوق بين الإصلاحيين والمحافظين على خلفية الانهيار الاقتصادي الذي باتت تعيشه إيران، إلى جانب أن توقيت الضربات الصاروخية من شأنه لفت الأنظار الشعبية عن الأزمات الطاحنة التي يعاني منها الإيرانيين. أما خارجياً؛ إقليمياً وأميركياً: فقد حرصت طهران على استعراض قدرتها العسكرية لترتيب أوراقها الإقليمية، بحيث يمكن إشعال المواجهة من خلال وكلائها، وأن باستطاعة صواريخها استهداف القواعد الخليجية والأميركية في المنطقة.

 أما عراقياً: فقد حاولت طهران من خلال ضربتها الصاروخية استعراض عضلاتها أمام الحكومة والأحزاب والمليشيات العراقية، بأنها قادرة على تغيير المعادلة الحالية، وإرسال رسالة لمختلف الأطياف العراقية، وبأنها قادرة على تدمير الخصوم والمنافسين، دون قدرة حتى لواشنطن على مواجهتها، في الوقت الذي اكتفى فيه ترامب بالتنديد والاستنكار. فمن المؤكد أن رسالة طهران الأبرز في هذا التوقيت بالذات، هو محاولة توظيف دبلوماسية الضغط باتجاه تعديل التوازنات الداخلية العراقية، وبخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية لصالحها، في الوقت الذي باتت تخسر أوراقها في المنطقة تباعاً.

وسوم: العدد 789