الجدل حول تأثير العقوبات على نفوذ إيران الإقليمي

فرضت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر الحالي مجموعة ثانية من العقوبات على إيران شملت قطاعات الطاقة والمال والتأمين والنقل البحري. وفي الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون أمريكيون أن هدف العقوبات هو تغيير سلوك النظام الإيراني الإقليمي من خلال التأثير على حساباته، يرى آخرون أنّ الهدف هو تغيير النظام الإيراني.

وبغض النظر عمّا إذا كان الهدف النهائي من العقوبات تغيير النظام الإيراني أو إقناعه بإعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، يتصاعد الجدل مؤخراً حول مدى قدرة العقوبات على تغيير السلوك السياسي والميداني لطهران في منطقة الشرق الأوسط. عندما يتعلق الأمر بقياس العلاقة بين قدرات إيران الاقتصادية وبين سعيها لبسط نفوذها في المنطقة، يسود في الغالب رأيان.

يقول الرأي الأوّل إنّ العقوبات القاسية لاسيما تلك التي تستهدف مصادر الدخل الإيراني الأساسية أي الطاقة وما يرتبط بها من تعاملات مالية تقوّض قدرة البلاد على بسط نفوذ خارجي، الأمر الذي يضطرها في نهاية المطاف إلى تعديل سلوكها مما يترك انعكاساته أيضاً على دورها الإقليمي فينكمش بشكل دفاعي تأقلماً مع هذه العقوبات.

إنّ العقوبات القاسية لاسيما تلك التي تستهدف مصادر الدخل الإيراني الأساسية أي الطاقة وما يرتبط بها من تعاملات مالية تقوّض قدرة البلاد على بسط نفوذ خارجي

في المقابل، هناك رأي ثانٍ يقول إنّ العقوبات الاقتصادية لا تؤثر على القرار السياسي المتعلق بدور إيران الإقليمي، لا بل إنّ بعض من يؤمنون بهذا الرأي يعتقدون أنّ العقوبات قد تؤدي إلى دفع نظام الملالي إلى زيادة سعيه لتوسيع نفوذه الإقليمي. وفقاً لهؤلاء فإن المسؤولين عن صناعة قرار التدخل الخارجي في إيران غير معنيين بالحسابات الاقتصادية على اعتبار أن الأمن القومي للبلاد غير مرتبط بمثل هذه الحسابات.

في حقيقة الأمر يعاني الرأيان من قصور في تقييم طبيعة العلاقة بين العقوبات والتأثير الذي من الممكن أن تتركه على السلوك السياسي لدولة ما. فيما يتعلق بالرأي الأول على سبيل المثال، فإن مجرد فرض عقوبات لا يضمن حصول تغيير في السلوك السياسي لدولة ما، لا بل إنّ معظم الدراسات تشير الى أنّها تفشل في تحقيق هدفها خاصة عندما يتم تطبيقها ضد أنظمة ديكتاتورية، أو ضد أنظمة غير عقلانية. وبهذا المعنى، فإن الحكم على نتائج فرض العقوبات يجب أن يرتبط بمجموعة من العوامل من بينها مدى قوتها، الأطراف التي ستلتزم بها، طبيعة النظام الإيراني (عقلاني، أو غير عقلاني) وغيرها من العوامل الأخرى.

أمّا بالنسبة الى أصحاب الاتجاه الآخر، فإنّ رأيهم يبدو منفصلاً عن الواقع. في نهاية المطاف، يحتاج أي نظام في العالم إلى الموارد من أجل توسيع نفوذه بغض النظر عمّا إذا كانت جهوده ذات تكلفة عالية أو منخفضة. إذا أخذنا هذا المعطى بعين الاعتبار عند مناقشة الرأي الثاني نكون قد أنشأنا رابطة بين الموارد وتوسيع النفوذ. عندما يسعى النظام إلى توسيع نفوذه الإقليمي لا بد له أن يدرس إمكاناته، ليس السياسية أو العسكرية فقط، بل الماديّة والاقتصادية أيضاً. في الحالة الإيرانية، تصبح الحسابات الاقتصادية أكثر أهمّية نظراً لاعتماد الكثير من الميليشيات الإيرانية و/أو تلك الموالية للحرس الثوري في منطقة الشرق الأوسط على التمويل الإيراني المباشر.

لو لم تكن الحسابات الاقتصادية موجودة في أجندة الجهات المسؤولة عن نشاط إيران الخارجي لما سيطر الحرس الثوري الإيراني على أكثر من ثلث اقتصاد البلاد

في هذا السياق، من الممكن حينها مناقشة مدى فعالية الدعم المالي الإيراني، أو مدى كفاءة التمويل المستخدم في توسيع النفوذ الإيراني، لكن القول بأنّ المسؤولين عن قرارا التدخل الخارجي في إيران ليسوا معنيين بأي حسابات اقتصادية هو قول سطحي لأنّه لا يمكن فصل نشاطاتهم الخارجية عن التكاليف المالية والاقتصادية. الأمن القومي لإيران لا يرتبط فقط بدور طهران الخارجي، فمن دون أمن اقتصادي لا يوجد أمن قومي كذلك، وعلى النظام الإيراني حماية نفسه داخلياً قبل أن يتطلع الى الخارج في نهاية المطاف.

ثمة عنصر آخر تجدر الإشارة إليه في هذا المقام وهو أنّه لو لم تكن الحسابات الاقتصادية موجودة في أجندة الجهات المسؤولة عن نشاط إيران الخارجي لما سيطر الحرس الثوري الإيراني على أكثر من ثلث اقتصاد البلاد. في نهاية المطاف، الحرس لا يموّل نشاطاته الخارجية من خلال الصلاة والدعاء وإنما من خلال الدولار الأمريكي. هذا بحد ذاته دليل على أهمية العوامل المادية في الحسابات الخارجية. لا شك أنّ العقوبات الحالية ستترك آثارها على نشاطات طهران الخارجية لكن حجم التأثير هذا سيعتمد على مدى قوّة العقوبات ومدى التزام أكبر مجموعة من الدول المؤثرة بها.

لطالما كان عامل عدم الالتزام هو العامل الأكبر في تمكين إيران من التملّص من تأثيرات العقوبات السلبية. العقوبات المفروضة الآن من الممكن لها أن تكون أقوى لاحقاً وهو الأمر الذي يجب إعادة تقييمه بعد ستة أشهر على الأقل من الآن، عندما يحين وقت النظر في الإعفاءات التي تمّ إقراراها خلال هذا الشهر لبعض الدول.

وسوم: العدد 799