ما وراء مغادرة أمريكا سوريا؟

برلين / ‏20‏/12‏/2018/ لم يكن إعلان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب سحب فِرَقه العسكرية من سوريا مفاجئا، فهو كان أعلن بمناسبات عديدة أنه يريد سحب فِرقه من البلد المذكور ولم يف بوعده، إلا أن إعلانه بشكل مفاجئ يوم أمس الأربعاء 19 كانون الأول / ديسمبر بأن فِرَقه العسكرية بدأت تخلي مواقعها ما أحدث مفاجئات وبلبلة لدى الذين يراقبون الوضع في سوريا عن كثب.

 فالحكومة الألمانية تلتزم الصمت إلا أنها تراقب تطورات ما سيحدث بُعيد مغادرة الفرق الأمريكية من الشرق والشمال السوري وإعلان الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بدء الأعمال العسكرية بشرق الفرات ضدّ التنظيمات الكردية التي تريد إقامة دويلات لها في سوريا وفي تركيا أيضا.

 ويرى عضو لجان شؤون السياسة الخارجية في البرلمان الألماني، وناطق كتلة الخضر للشؤون الخارجية، أوميد نوريبور بادعاءات ترامب انتهاء مهام فِرقه التي كانت تقتصر على محاربة تنظيم ما يُطلق عليه بـ / الدولة الاسلامية / قد انتهت بالانتصار على التنظيم المذكور إذ أن تواجد قواته في سوريا ما هو إلا من أجل دحر ذلك التنظيم، بأنها ادعاءات سخيفة، فالتنظيم لا يزال موجودًا، وأجهزة المخابرات الدولية تأكد بقاء التنظيم بل أصبح أقوى من ذي قبل، فلا يوجد أي دليل إعلامي أو سياسي أو عسكري يثبت بأن أعضاء التنظيم قد انتهى أمرهم سواء بالقتل أو الاعتقال على غرار ما حدث لأعضاء تنظيم القاعدة سابقا، فسحب الفرق الأمريكية من سوريا هو إعطاء الضوء الأخضر للفرق العسكرية التركية بشن هجمات على معاقل التنظيمات الكردية إذ إن واشنطن لا تريد نزاعا عسكريا مع أنقرة العضو بحلف شمال الأطلسي / الناتو / متوّقعا بقاء فرقة أمريكية بسوريا، ولكن بشكل خفي إذ إن مصالح واشطن كبيرة في ذلك البلد الذي مزقته الحرب، وأصبح محتًلا من إيران وروسيا وأمريكا أيضا، والغاية من الاحتلال ضرب ثورة الشعب السوري وتثبيت بشار الأسد في دمشق.

 فالانسحاب الأمريكي من سوريا هو دعم لإيران وروسيا كي يبسطا نفوذهما في البلد المذكور أكثر من ذي قبل، صحيح أن موسكو على لسان زعيمها فلاديمير بوتين انتقدت التواجد الأمريكي واعتبرته غير شرعي، إلا أنّ تواجد موسكو وطهران في سوريا غير شرعي كذلك، فرئيس نظام سوريا فَقدَ شرعيته كرئيس للدولة السورية منذ بدء انتفاضة الشعب السوري عليه حسب تأكيد السياسة الدولية، وقوانين العلوم السياسية التي تعتبر أن كل انتفاضة شعبية ضدّ نظام بلادها يعني أن رئيس النظام فاقد لشرعيته، عدا عن ذلك فإن بشار الأسد يعتبر خائنا لبلاده وشعبه باستدعائه أكثر من دولة لسحق الشعب السوري.

 من يعتقد أن الانسحاب لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي / الكونجرس / أو وزارة الدفاع كان مفاجئا، وِفق توقعات مسؤول ملف الإدارة الأمريكية لمحاربة / داعش / بريت ميك جورك الذي أعرب قبل أيام قليلة عن اعتقاده بقاء فرق بلاده العسكرية في سوريا لأشهر وسنوات بالرغم من اندحار / داعش / للضرورة الملحة، فالكثير من أعضاء الإدارة الامريكية يرغبون بسحب فِرقهم من سوريا من أجل فسح المجال لبشار الأسد بالعودة إلى الشرعية الدولية بمساعدة موسكو، وذلك من خلال تصريح لمسؤول كبير بالإدارة الأمريكية أن واشنطن لا تهدف إلى إزاحة الأسد من دمشق .

 فهل سيؤدي الانسحاب الأمريكي من سوريا إلى إنجاح جهود أنقرة التي تبذلها لإقناع موسكو وطهران بسحب يديهما من بشار الأسد ونظامه من أجل إنهاء مأساة الشعب السوري ووضع حد لخطط التنظيمات الكردية التي تهدف إلى تقسيم سوريا ومساعدة حزب العمال الكردستاني عسكريا لزعزعة أمن تركيا؟

 الكثير من خبراء السياسة الاستراتيجية الذين يراقبون الوضع الميداني في سوريا يستبعدون ذلك، فطهران تريد تنفيذ سياستها التي تكمن بتوسعة نفوذها الديني بمنطقة الشرق الأوسط من خلال تثبيت أقدامها في سوريا، فإذا فقدت سوريا ستفقد العراق كذلك وستفقد أيضا اليمن فوضع إيران في سوريا مسألة حياة أو موت على حسب تأكيد رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، وتصريح بشكل غير مباشر لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، كما أن لموسكو مصالح في سوريا لا تستطيع الاستغناء عنها، فزعيم الكرملين بوتين كان قد أعلن مرات عديدة أنه سيسحب فرقه العسكرية ولم يفعل، ولن يسحبهم بانسحاب واشنطن من سوريا. والسبب في عدم سحبه يكمن في ارتباط مصالح بلاده العسكرية والاقتصادية والسياسية في البقاء بسوريا، واستياء موسكو من أوروبا التي ترفض الاعتراف بشرعيته في شبه جزيرة القرم التي فصلها عن أوكرانيا المركزية، فإذا ما اعترفت أوروبا بشرعية موسكو بالقرم فمسألة إنهاء دعمها لبشار الأسد تبقى متأرجحة.

 ويعتقد خبراء السياسة الاستراتيجية بأن الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا يرجع الى اتفاق بين الجانبين التركي والأمريكي فموافقة واشنطن على أعمال عسكرية تركية بشرق الفرات ضدّ قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي / قسد / والموالين لهم مقابل إنهاء انقرة لمطالبها من واشنطن بتسليم فتح الله غولن لتركيا، ويبقى هذا الاعتقاد نظريًا انتظارا لما تسفر عنه تطورات الوضع بالشرق الأوسط.

وسوم: العدد 804