آمال إسرائيل في التطبيع تذروها عواصف الرفض الشعبي العربي

لا تكاد إسرائيل تفرح بنسمة تطبيع ولو صغيرة من جهة عربية رسمية أو فردية شخصية حتى تهب عليها وعلى المطبع عاصفة غضب ورفض وتذكير بالمسلمات والثابتات العربية في مواجهة مشروعها الاستيطاني العدواني التوسعي المعادي في لبابه وهدفه لكل ما هو عربي وإسلامي وإنساني . ولا نصدم بظهور مطبع حتى ينفجر تيار الأمل قويا متدفقا في أن أمتنا العربية والإسلامية أصيلة وفية ، وواثقة من ذاتها ، وعظمة هويتها ، وشرف ونبل رسالتها للإنسانية ؛ هذه الرسالة المستمدة من وحي الله _ تعالى _ وهديه إلى كل البشر ، وأن أصوات التطبيع ليست سوى فقاعات هوائية عاجلة الاختفاء على أديم نهر هذه الأمة العظيمة . وإذ تهب عاصفة الغضب والرفض للتطبيع نرى الجهة المطبعة تنخذل وتندفع للنفي أو تبرر مظهر تطبيعها لتبرئة نفسها ، وبعض هذه الجهات رجع  إلى التقية والتخفي في تطبيعه ، والتريث في تجلياته العلنية . رأينا النظام السعودي يفعل هذا ، ويحد كثيرا من الأصوات الداعية لديه إلى التطبيع على  الرسمي ، وعلى المستوى الإعلامي ، وعلى مستوى الذباب الإلكتروني في الإعلام الموازي . ووزير البحرين خالد بن حمد آل خليفة فعل هذا من يومين ، فتحدث عن علاقات دبلوماسية مع إسرائيل " حين يأتي وقتها " . إنه يؤجل ولا يتعجل . وكلما سمعنا خبرا عن زيارة وفد عربي غير رسمي إلى إسرائيل ، والخبر عادة مصدره إسرائيل ، نسمع فورا نفيا له من بلد الوفد ، وتصدم إسرائيل ، لكنها لا تيأس ، وتظل تنقب عن سوانح التطبيع . وهبت عاصفة غضب ورفض وصدمة في وجهها فور فرحتها بما حدث في مؤتمر وارسو  بين خالد اليماني وزير حكومة عبد ربه هادي وبين نتنياهو رئيس وزرائها ووزير خارجيتها ووزير دفاعها ( ثلاثة مناصب سيادية معا ! أبو عمار  _ رحمه الله _ تولى مرة خمسة مناصب بعد تكوين السلطة ! إسرائيل صارت تشبه الأنظمة العربية ، وهذه بشرى خير لنا .) ؛ حين تعطل مكبر صوت هذا ، فأسعفه اليماني بمكبر صوته ( هل هي صدفة عفوية أن يتعطل مكبر صوت نتنياهو ؟! وهل هي صدفة عفوية أن يجلس مجاورا لليماني ؟! ) . العاصفة اندفعت من اليمن  ، من يمن العروبة والنخوة والأصالة والحضارة والتاريخ والوفاء والشهداء والأسرى اليمنيين في المقاومة الفلسطينية ، ولأن للعاصفة هذه الصفات العظيمات فإنها اندفعت من اليمن كله ، من اليمن الوطن ، من أنصار حكومة هادي ، ومن أنصار جماعة انصار الله . ويبشر ويطمئن أن هذه العاصفة مثلما تجلت في كلمات الغاضبين المستنكرين تكشف عن صدق وحماسة ، فكلماتها منبثقة من القلب ، مشحونة بحرارته ، وليست من الصنف البارد  المعاد الذي يعلق مثل لافتات ناصلة الخطوط على شفاه بعض المسئولين العرب حول ثبات موقفهم من القضية الفلسطينية . من الذي لا تلفحه حرارة الصدق والانبثاق من القلب في قول عبد الملك المخلافي وزير الخارجية اليمني السابق مستنكرا فعلة عقيبه في الخارجية خالد اليماني : " القضية الفلسطينية قضية القضايا التي لا تعلوها قضية أو تسبقها " ؟ !  و " التطبيع أو شبهة التطبيع مع العدو الصهيوني بأي صورة من الصور يخالف كل ثوابت شعبنا وتاريخه ، بل دستوره . " ، ويتابع  في فهم صحيح للسلوك الدبلوماسي القويم السليم : " المجاملات الدبلوماسية لا تخدم إلا أعداء الأمة ، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني . " .

وقال محمد علي رئيس اللجنة الثورية العليا في جماعة أنصار الله : " من يهرول لبيع القضايا الأساسية تحت أي مزاعم ومبررات لا يمكن أن يقبل منه ذلك شعبيا  " ، ووصفت الكاتبة والصحفية اليمنية سامية الأغبري فعلة خالد اليماني ب " سقوط وعار" ، وسارع اليماني إلى التفلت من فعلته نافيا أي قصدية فيها ، واهتم بعزوها إلى أخطاء بروتوكولية من الجهة المنظمة للمقاعد . العاصفة اليمنية ، عاصفة العروبة والإسلام والأصالة والحمية النقية أزاحت من قلوبنا كثيرا من وطأة غمتها على مهانة أمتها التي جلبها عليها حكامها المنحازون إلى صف أعدائها لاستدامة كراسيهم  ومباذخ عيشهم الترِف المنعم ، وجلبت فيضا من الغمة والصدمة إلى قلب إسرائيل ، ومنذ حين والاقتناع يتقوى لديها بأن تطبيعها مع الحكام فائدته قليلة ولا مستقبل له ما دامت الشعوب ترفضها وتمقتها ، وتحزم عزمها على أن إزالتها هدف عربي قومي وإسلامي عقدي ، ونقر بأن إسرائيل لا تيأس سريعا ، وتظل تكد وتجد خلف ما تريد ، وتؤمن أن الخطوة الصغيرة في سبيل التطبيع قد تكبر مستقبلا ، وتصير خطوات ، والدول الخليجية ، مع التحفظ الجاد على اعتبارها دولا ، يتقدمها النظام السعودي تربط مصيرها بمصير إسرائيل ، وتحلم بلحظة التطبيع الرسمي العلني ، ولا تعنيها القضية الفلسطينية في شيء ، وأميركا  بلدوزر ثقيل يسوي لها ولإسرائيل هذه السبيل ويمهدها ،  والصراع بيننا وبين حلف الشيطان هذا  بعيد الحسم ، فلنعمل على كسبه نقطة نقطة بأن نسد بسرعة كل ثغرة تفتحها إسرائيل في كيان الأمة ، ونسدد لها ما نستطيعه من السهام التي تستنزف روحها وجسدها ، ولنركز على الفوز في معركة الوعي الحاسمة الأهمية والفاعلية ، ولب هذه المعركة أن إسرائيل خطر متدرج على العرب والمسلمين وليس على الفلسطينيين وحدهم . الفلسطينيون هم الخط  الأول في هذا الصراع ، ولو اخترقت إسرائيل هذا الخط ، فستندفع إلى الخطوط العربية والإسلامية التالية معززة بقوة أميركا والغرب الأوروبي باعتبارها جزءا منه ، ورأس حربة في حربه التاريخية على العرب والمسلمين .

وسوم: العدد 812