مؤتمر سوتشي وقبقاب عرس جدتي ...

سهل علي أن أكتب منشورا عن مؤتمر وارسو . أكدت فيه أننا ضد إيران ومشروعها في المنطقة . وأننا كذلك ضد الكيان الصهيوني ومشروعه في المنطقة . وأننا لسنا من مجموعة ( حيط بصد وحيط برد ) . وأننا نعتقد أن الصفوي والصهيوني والامبريالي في خندق واحد . وأنهم متفقون علينا ونحن لن ننتصر بفريق على فريق . وأن الأمريكي حين ثرنا على عميله الصهيوني بشار الأسد ضربنا بعصاه الصفوية ضربا آلمنا وأوجعنا . وأن ادعاء التناقض الجدلي بين الصفوي والصهيوني والمتطرف العدمي ادعاء لا يمكن أن يمر بعد الآن على عقولنا ولا على قلوبنا ..

وبعد أن تابعت مؤتمر سوتشي المتزامن مع مؤتمر وارسو ( التزامن له معناه ومغزاه) واستمعت إلى التصريحات المتساوقة والتي تحاول توظيف المشترك اللغوي إلى أبعد الحدود / فعندما يلفظ أي واحد من الضامنين الثلاثة كلمة إرهاب ..فلا يذهبن وهمك أنهم يتحدثون عن دلالة واحدة وإن كان اللفظ واحدا . فلفظ الإرهاب يتجسد عند المتحدثين الثلاثة في أقانيم . وكذا عندما يذكرون عودة اللاجئين ، أو إعادة الإعمار، أو وحدة الأرض السورية ، أو عودة الاستقرار ، أو الشعب السوري ...حتى هذا اللفظ له معنى مختلف بين بوتين وروحاني الداعمين لصاحب نظرية المجتمع المتجانس وبين أردوغان الذي يتمثل الشعب السوري في مخيلته بملايين المستضعفين من اللاجئين بعبئهم الإنساني الذي لم يمد لهم يد المساعدة أحد ؛ بل ما زال الأمريكيون والأوربيون والروس والإيرانيون يساومون التركي النبيل على إنسانيته فيرتدون خائبين وذلك بعد أن أحكموا الحصار على خيارات هذا النبيل ، في منطقة آمنة معترف بها تصبح موئلا وسندا ومتنفسا للشعب البطل ومأوى للكرام المشردين .

ربما رابني أو لفتني في تصريحات روحاني قوله مساوما أو مطمئنا لأردوغان التصريح الذي أوردته قناة الجزيرة على سبيل التمسح : على تركية ألا تشعر بأي تهديد من سورية ويجب أن تكون علاقات تركية بسورية أخوية ..

نعم لقد كانت أخوية منذ زمن طويل . منذ عبد الله أوجلان وعصاباته التي ما فتئت تفجر وتقتل على الأرض التركية على مدى عقود طويلة ؛ حتى بلغ عدد ضحاياها عشرات الألوف ؛ يومها لم يكن في تركية سلطان اسمه أردوغان ولا عدالة وتنمية يمكن أن يتهم بدعم الإرهاب ...

أردت أن أقف أمام خلطة التصريحات التي تختلط فيها الأصوات والألحان والدلالات كما يقولون ولكن شعرت أن المداخل ضيقة وأن المخارج أضيق وأن الموقف يحتاج إلى من هو أشد لحيين مني يلوكه كما تقول العرب . وتذكرت على الفور قبقاب عرس جدتي المرصع بالصدف بارتفاع أربعين سم . وكيف كنا نلبسه ونحن صغار ونعبث به ولكن كثيرا ما نسقط على الأرض فتوقفت عن الكتابة حذر السقوط من هذا المرتقى الذي هو حق للآخرين وعليهم ...

أتذكر كم كان يتهلل وجه جدتي حين نطلب إليها أن تحكي لنا حكاية القبقاب وكيف لبسته وماست فيه بين الصبايا وأقول بعض المواقف الدقيقة الحرجة تحتاج إلى مباشرة العروس ذات القبقاب الأعلى حتى يسمع منها ويفهم عنها ودائما تعود ناسنا أن ينادوا : يا كحلا من فمك أحلى ..

أظن أن أكثر كلمة فرح بها بوتين وروحاني هي قول السيد أردوغان حسب قناة الجزيرة أيضا : هناك وقف لإطلاق النار يجب أن يحافظ عليه النظام السوري .

هذه " اليجب " يدفع ثمنها بوتين وروحاني وبشار الأسد الكثير وأكثر من الكثير.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 812