هكذا دفع المصريون ثمن القمة العربية الأوروبية

تحت شعار "في استقرارنا نستثمر" تختتم اليوم الاثنين أعمال القمة العربية الأوروبية بمدينة شرم الشيخ المصرية، والتي تعقد بالتعاون بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.

تزامنت القمة مع إدانات دولية لمصر على خلفية تنفيذها إعدامات متتالية لـ 42معارضا سياسيا في الفترة من 7 مارس/آذار 2015 وحتى 20 فبراير/شباط الجاري، بينما ينتظر نحو خمسين معتقلا الإعدام أي لحظة بعدما تم التصديق على أحكامهم من قبل محكمة النقض (أعلى محكمة بالبلاد).

فضلا عن حملة الاعتقالات الواسعة التي يتعرض لها رافضو التعديلات الدستورية المقترحة التي تسمح بمد فترة الرئاسة ست سنوات بدلا من أربع، ومنح الرئيس الحالي الحكم حتى عام 2034، وتضع الجيش فوق الدولة بصفته حاميا للدستور ومدنية الدولة.

هذا التزامن دفع معارضين مصريين ووسائل إعلام دولية لاعتبار القمة "غسيل سمعة" للسيسي ولإعطائه المزيد منالشرعية الدولية خاصة أنه يريد شيكا على بياض للاستمرار في سياساته القمعية بحق معارضيه، بينما يرى مؤيدون أن استضافة مصر لعدد كبير من قادة الدول العربية والأوروبية رسالة واضحة بأنها بلد الأمن والأمان.

مكاسب السيسي  يقول الرئيس السابق للبرلمان المصري بالخارج جمال حشمت إن هذه القمة تأتي ضمن مساعي الدول الأوروبية لإعادة رسم المنطقة من جديد تحت إشراف أميركي.

ويوضح حشمت -في حديثه للجزيرة نت- أن مصر تساعد في تلك الخطة بتخلية الساحة من الرافضين للظلم والاستبداد، وفي القلب منهم الحركة الإسلامية، مضيفا "الدول الأوروبية تريد من مصر أيضا المساهمة في تقليل حجم عمليات الهجرة غير الشرعية، وتقليل عدد طلبات اللجوء من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا".

وخلال يناير/كانون الثاني 2018، بلغ عدد المهاجرين لأوروبا عبر المتوسط حوالي 47 ألفا وخمسمئة مهاجر، مقابل حوالي 129 ألفا في الفترة نفسها من العام الذي سبقه، وفق إحصاءات أممية صادرة في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويعتقد ممدوح المنير مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية أن هذه القمة تعتبر زيادة في شرعنة نظام السيسي وضوءا أخضر للاستمرار في عمليات القمع والقتل.

ويستدل على رأيه بتجاهل دول الاتحاد الأوروبي لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والتي كشفتها المؤسسات الحقوقية الدولية وليس المعارضة المصرية.

ويعتمد السيسي -وفق المنير- في تعامله مع الغرب على ثلاثة ملفات للإبقاء على مصالح ممتدة مع هذه الدول، أولها صفقات السلاح الكبيرة التي يعقدها من حين لآخر حتى لو كانت على حساب الشعب المصري، ثانيا ملف الإرهاب الذي يسوق نفسه به دائما كشرطي المنطقة، ثالثا ملف الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط والذي يسبب صداعا مزمنا لأوروبا.

ومنذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي إثر الانقلاب العسكري صيف 2013، بلغت عدد صفقات الأسلحة التي أبرمها السيسي 24 صفقة بقيمة 150 مليار جنيه، وفق تقديرات صحفية.

شرعية دولية بدورها، انتقدت صحيفة غارديان البريطانية في افتتاحيتها أمس المشاركة الأوروبية بالمؤتمر بعد يومين من إعدام السيسي للمعارضين، وفي ظل التعديلات الدستورية التي تخلده في الحكم.

وثمة رسالة مهمة تحملها وجبة الإعدامات التي أمر بها السيسي مؤخرا، ومفادها -كما تقول الصحيفة- أنه واثق من أن إعدامه لعدد من الناس قريبا من موعد القمة لن ينجم عنه أي تداعيات، مشيرة إلى أن زعماء الاتحاد الأوروبي يرون في نظام السيسي مصدرا نادرا للاستقرار بالمنطقة، حتى لو كانت أفعاله هي التي تولد الأزمات على المدى البعيد.

وأضافت غارديان "ما من شك في أن الحاكم المستبد القادر على إخضاع الناس بالقوة ليس بحاجة إلى مزيد من الدعم، إلا أن أسلافه كانوا يظنون ذلك أيضا، وها هو الفساد والتضخم والبطالة وكذلك توحش الدولة يغذي حالة الإحباط" معتبرة أنه من الحماقة تعزيز نظام السيسي.

من جهتها، انتقدت الرئاسةُ التركية الدولَ المشاركة بالقمة، وقال الناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالن بتغريدة على موقع "تويتر" تضمنت صورة التسعة الذين أعدمتهم السلطات المصرية "العار عليهم جميعا، جميعا متواطئون بهذه الجريمة".

إنجاز جديد في المقابل، اعتبر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب (البرلمان) اللواء خالد خلف الله أن القمة العربية الأوروبية التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ تعد إنجازًا جديدًا يضاف إلى سجل إنجازات الرئيس (السيسي).

وأوضح في بيان "القمة تعد انعكاسا لمكانة مصر التاريخية وتقديرا لدورها بالمنطقة وفي مكافحة الإرهاب، والزخم الذي حظيت به القمة بحضور رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية دليل آخر على ريادة مصر في المنطقة والعالم".

بينما اعتبر وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي أن حرص القادة على حضور القمة يؤكد أن أوضاع المنطقة العربية تؤثر على أوروبا والعكس صحيح، مضيفا "العالم بأسره سيفكر الفترة المقبلة في إعادة بناء ما تم هدمه بالمنطقة العربية".

 ثمن السكوت وكما هو متوقع، استغل السيسي الكلمة الافتتاحية للقمة في تكرار الحديث عن مخاطر الإرهاب وتدفق اللاجئين عبر الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ودوره في حماية (القارة العجوز) من الإرهاب واللاجئين. وفي المقابل طلب السيسي الثمن الوحيد لهذه الحماية -والذي يكرره دائما- وهو توقف الضغط الغربي على ملف حقوق الإنسان، وترك تقدير أولويات حقوق الإنسان للحكومات العربية.

وقد غاب عن القمة نصف قادة الدول العربية حيث حضر 11 مسؤولا على مستوى القادة والرؤساء، وأربعة على مستوى رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان أو نوابهما، وأربعة على مستوى الوزراء، واثنان على مستوى أقل من ذلك، وكان أبرز الغائبين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهو ما أثار غموضا حول القمة لكونه أكبر داعم للسيسي منذ الانقلاب العسكري.

وحضر عدد من القادة الأوروبيين أبرزهم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.

وسوم: العدد 813