استقالة ظريف وكذبة الدور المناط بوزارة الخارجية

كما رأينا في الحكومات السابقة، وكما شاهدنا في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، هو أن السياسة الخارجية لإيران يتم رسمها في مطبخ خاص بعيدا عن وزارة الخارجية، وفيه تتخذ القرارات الإستراتيجية الكبرى، لعله مكتب المرشد والحرس الثوري. لكن ما هي الظروف الجديدة التي جعلت وزير الخارجية "ظريف" يقرر الاستقالة اليوم، وإظهار نوع من ردة الفعل بعد مرور 67 شهراً على توليه موقع الخارجية؟ وهل هو مرتبط بالزيارة الأخيرة للرئيس "بشار الأسد"، وعدم معرفة "ظريف" عن هذه الزيارة إلا من وسائل الإعلام؟ أم أن هناك أسبابا أخرى أكثر عمقا دفعته لتقديم الاستقالة؟

المؤكد في التاريخ الإيراني قبل الثورة "الإسلامية" أو بعدها، لم يكن لوزارة الخارجية أي دور في أي نوع في القرارات العملية والأساسية للسياسة الخارجية؛ سواء في زمن الشاه، أو في زمن قائد الثورة، "خميني" و"خامنئي"، لكن كان هناك أدوار مزدوجة يلعبها المرشد دوماً، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالاتفاق النووي؛ فقد لعب "خامنئي" منذ البداية دوراً مزدوجا، حيث كان يظهر هدوءه في بعض المواقف ويؤيد الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه كان يثير الأسئلة والشكوك حول نية الولايات المتحدة في الالتزام ببنود الاتفاق النووي، بين كل هذا كان "ظريف" هو الوجه البارز في محادثات الاتفاق النووي يترأس الوفد الإيراني، ويوزع الابتسامات، ويعقد المؤتمرات الصحفية، بسبب طلاقته في اللغة الإنجليزية ومعرفته بالعالم الغربي، وخاصة بسياسة الولايات المتحدة التي عاش فيها أكثر من 25 عاما.

اليوم، وفي النهاية تم التوقيع على الاتفاق، وخرج علينا الرئيس روحاني ليبشر العالم بأن كل ما جرى لم يكن ليتم لولا توجيه المرشد ومتابعته، و عندما قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، بدأ "خامنئي" بإلقاء اللوم وطرح أسئلة مفادها من المسئول عن توقيع الاتفاق النووي، ولأن "ظريف" كان رمزا في المفاوضات، ومع أنه لم يكن صاحب القرار في التوقيع لكنه اليوم يخضع للانتقادات،بسبب فشل الاتفاق النووي في تحقيق الأهداف الإيرانية، من المؤكد أن "ظريف" كان ضحية "خامنئي" وشركائه" اللذين باتوا ينظروا له ككبش فداء (قربان) سيتم تقديمه للرأي العام لتحميله خطيئة هذا الاتفاق.

المؤكد الثاني: أن التيار المحافظ  الذي عارض المفاوضات النووية، قد تقمّص دور المعارض لتوقيع الاتفاق النووي، فعارض مجموعة العمل المالي مع أوروبا، FATF ، طبعاً دون تقديم بدائل، فهم اليوم يحاولون ممارسة سياسة تشتيت الانتباه حول الأسباب الحقيقية لاستقالة  "ظريف"، ويتحدثون عن اختلافات خطيرة مردها إلى انعدام الكفاءة في حكومة  "روحاني"، والترويج بأن قبول استقالة "ظريف"، يعني استقالة وزير النفط  "زنغنه"، كما أن هناك آخرون ينوون الاستقالة وفي مقدمتهم محافظ البنك المركزي الإيراني؛ والتحذير من أن "ظريف" ينوي الهروب مع عائلته إلى الخارج، وقد نعته المتشددون من خلال "جبهة الصمود بالخيانة، وإذا كان ما نقلته وكالة أنباء آريا عنه صحيحا، حول قول المرشد: بأنه يريد أن يضع وزارة الدفاع بدلًا من وزارة الخارجية مما دفع "ظريف" للاعتراض.

ربما ستكشف استقالة ظريف ما كان مستورا لمدة أربعين عاما؛ ألا وهو أن المرشد والحرس الثوري وآخرون، هم الذين يقررون مسار السياسة الخارجية، ولكن هذه الانعكاسات السلبية على هذه السياسة يجب أن يتم تسجيلها على الخارجية وعلى الحكومة الإيرانية، يعني هناك جهات أخرى تتخذ القرارات الكبرى والمصيرية ذات الطابع الدولي، وفي نهاية المطاف على الرئيس "روحاني" أن يتعرض للمسائلة، كما أن على "ظريف" المثول أمام مجلس الشورى للاستجواب، فالاعتقاد السائد بأن الخلاف الرئيسي يكمن في قيام الحرس الثوري والآخرون باتخاذ القرارات المتعلقة بوزارة الخارجية، ولكنهم غير مستعدين لتحمل أية مسؤولية.

وسوم: العدد 813