قضاة أم جزارين؟!

لم يكن يدر في خلدي للحظة من اللحظات أن تتحول مؤسسة القضاء المصري التي وقفت لعقود طويلة في وجه الديكتاتوريات المتعاقبة متحدية صلفها وجبروتها بكل عنفوان وكبرياء، أن تتحول إلى مسلخة يعلق على محراب أحكامها رقاب المصريين الأحرار وقامات الإعلاميين الحرفيين أصحاب الكلمة الحرة والمواقف الوطنية المشرفة التي تتعامل مع الخبر بكل صدق ونزاهة وشفافية ومهنية وحيادية.

تلك الأحكام المجحفة التي صدرت عن جزارين وليس عن قضاة، والتي صدمت العالم وأثارت الخوف والهلع لدى المصريين الذين كانوا يأملون أن يجدوا في مؤسسة القضاء الحصن والسند والعدالة؛ لإنصافهم من جور الحكام وظلمهم وفسادهم، فقد فوجئ المصريون والعالم بأحكام الإعدام والمؤبد التي طالت المئات من رجالات مصر الشرفاء وشبابها الأحرار الذين ثاروا في الخامس والعشرين من يناير 2011 وأسقطوا طاغية مصر وفرعونها ومؤسسة حكمه الفاسدة وحزبه الضال المنحرف.

لم يفاجأ الناس بالثورة المضادة والانقلاب على الشرعية وقصم ظهر الديمقراطية الوليدة التي حلم بها المصريون بقدر ما فاجأهم تحول مؤسسة القضاء المصري إلى مسلخة تُجز فيها الرؤوس وتنحر فيها الرقاب ويساق فيها الآلف إلى أقبية وزنازين السجون والمعتقلات، وقد ظن المصريون والعالم أن مثل هذه الأحكام الظالمة والتي تفتقد إلى أدنى درجات العدالة قد أصبحت بعد ثورة يناير من الماضي، ولكن خاب فأل المصريين والعالم!!

ومن غرائب أحكام هذه المؤسسة ما صدر عنها من أحكام إعدام بحق تسعة من الشباب اليافع البريء الذين حزن عليهم وعلى شبابهم العالم عندما سيقوا إلى حبل المشنقة، وهو حكم أثار على الفور غضباً دوليا عارما، وحركت المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني إلى استنكار هذه الأحكام الجائرة التي تفتقد إلى أدنى أحكام العدالة.

هذه الأحكام الجائرة وغير المنصفة والتي تفتقد لأدنى معايير العدالة أثارت غضباً دوليا على مؤسسة القضاء المصري وأحكامها، فقد استدعت كل من أستراليا وبريطانيا السفراء المصريين لديها لتبلغهم احتجاجها.

والمثير للضحك الاتهامات التي وجهت إلى هؤلاء الشباب والتي تضمنت اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون لتعطيل أحكام العمل بالدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، واستهداف المنشآت العامة، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.

لقد صدمت أحكام مسلخة القضاء التي كانت وراء الانقلاب في مصر وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وذبح الديمقراطية الوليدة في مصر؛ صدمت العالم بأحكام فجة وقاسية توازي محاكم التفتيش الإسبانية التي استهدفت بقايا العرب الذين لم يغادروا الأندلس بعد سقوطها بيد الفرنجة، مما دعا العديد من مسؤولي العالم التنديد بهذه الأحكام، ووصف بعضهم هذه الأحكام قائلاً: إن "هذه الأحكام مخيفة وقاسية".

وقالت المفوضة العليا للأمم المتحدة لحقوق الانسان انها تشعر بـ"الصدمة والقلق" إزاء صدور هذه الاحكام التي وصفتها بانها "فظيعة ومهزلة مطلقة للعدالة".

وقالت منظمة الدفاع عن حقوق الانسان (هيومن رايتس ووتش) أن الحكم "صدر من دون أن يستند إلى أي أدلة". وأكد (جو ستورك) نائب مدير إدارة الشرق الاوسط في المنظمة أن "الحكم يوضح كيف أن قضاة مصر أصبحوا متأثرين بهيستيريا العداء للإخوان المسلمين التي يغذيها الرئيس عبد الفتاح السيسي".

واعتبرت منظمة مراسلون بلا حدود أن الحكم "اثبت التوجه الشمولي للنظام المصري".

والمضحك المبكي ما أدلى به قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من تصريح يكيل فيه المديح لمؤسسته القضائية قائلاً: "مؤسسة القضاء المصري مشهود لها بنزاهتها وعدالتها، وأنه يرفض أي تدخل بشؤونها وما يصدر عنها من أحكام"، فهل ستشهد مصر على خلفية هذه الأحكام ثورة جديدة تستعيد ثورة يناير المجيدة وتلفظ الانقلابيين ومن والاهم وساندهم من العسكريين والمدنيين وتعيد البسمة لشفاه المصريين والفرحة لقلوبهم وتستقيم الأمور في مصر مهفى قلوب العرب والمسلمين؟!

وسوم: العدد 816