يا من تزعمون أن الإسلام أهان المرأة بستر جسدها ما رأيكم في استباحة العلمانية له ؟

استكمالا لما جاء في مقال سابق رددت فيه على أحد الساخرين  من لباس المرأة المسلمة ، والذي شبهه بغطاء سيارة ، فكرت في هذا المقال الذي أود  فيه عقد مقارنة بين تعامل الإسلام والعلمانية مع جسد المرآة .

إذا كانت القناعة أو الخلفية تسبق افعله أو السلوك ، فإن التعامل مع جسد المرأة يكون بالضرورة مسبوقا بقناعة  أو خلفية ما  سواء كانت صريحة أو مضمرة . وإذا كان الإسلام يحث على ستر جسد المرأة ، فلا شك أن هذا الفعل أو السلوك تسبقه قناعة  أو خلفية . وإذا كانت العلمانية ترفض ستر أو احتجاب جسد المرأة ، فلا شك أن وراء موقفها أيضا  قناعة وخلفية  ، فما هي  يا ترى قناعة أو خلفية  كل منهما؟

أما قناعة الإسلام  أو خلفيته ،فتستفاد من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يحق لأحد أن يتحدث نيابة عنهما أو باسمهما . وحقيقة هذه القناعة أو الخلفية  أن الإسلام يصون جسد الإنسان سواء كان ذكرا أو كان أنثى ،لأنه مخلوق كرّمه الله عز وجل ، ولا يمكن أن يبتذل جسده وهومخلوق مكرم . والدليل على صيانة هذا الجسد  الآدمي هو قول الله عز وجل في سورة النور : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ))الآية .

من المعلوم أن غض البصر هو خفضه إما استحياء أو خزيا . وواضح أن الأمر الإلهي بغض البصر لا يكون بسبب الخزي، وإنما يكون بسبب الاستحياء ، وهذا الأخير يدل على التقدير والاحترام لله تعالى أولا ، وللرجال والنساء فيما بينهم ثانيا ،وقد كرمهم ربهم جميعا . ولما كانت إجالة الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثى بصره في جسد غيره لا يمكن أن يخلو من نية التلذذ به ، فقد نهى عن ذلك الله عز وجل صيانة لكرامة الإنسان من خلال منع استباحة جسده ولو على مستوى النظر . وإذا كانت استباحة الأجساد من خلال النظر إليها النظر المغرض ممنوعة في الإسلام ، فما فوقها أشد منعا . وقد أشارت الآية الكريمة إلى ذلك حيث ذكر الله عز وجل  غض البصر لمنع أدنى درجة استباحة الجسد  وحفظ الفرج لمنع  أقصى درجة استباحته، وبطبيعة الحال يمنع  كل ما بين الدرجتين الدنيا والقصوى . وصيانة  لكرامة المرأة فقد  فرض عليها رب العزة جل جلاله أن تصون جسدها بلباس يغطيه كله، فضلا عن أمرها بغض بصرها وحفظ فرجها ، وتحديد حتى كيفية مشيتها .

ويتبيّن من هذا أن القناعة أو الخلفية المتحكمة في تعامل الإسلام مع جسد الإنسان عموما هو صيانة كرامته، والنأي بها عن كل ما يمس بها مهما كان نوع هذا المساس. ولا يحق لأي كان أن يتهم الإسلام بأنه يظلم المرأة أو يهينها أو يسلبها حريتها حين يدعوها إلى صيانة كرامتها من خلال ستر جسدها المقدس عند خالقه وهو الذي يملكه لا يحق أن يتصرف فيه بإرادته من ملّكه إياه .

أما القناعة أو الخلفية التي تصدر عنها العلمانية في تعاملها مع جسد الإنسان خصوصا الأنثى ،فتختلف عن القناعة  أوالخلفية التي يصدر عنها الإسلام إن لم نقل هما على طرفي نقيض ، ذلك أن العلمانية  ترفع شعار تقديس حرية الإنسان ، وبموجبها تبيح له التصرف في جسده كيفما شاء حتى لو كان هذا التصرف يبتذل جسده ، ويستبيح قدسيته ، ويهدر كرامته .

وإذا كان العلمانيون يزعمون أن قناعة الإسلام أو خلفيته في تعامله مع الجسد الأنثوي هي إهانتها وظلمها وحرمانها من حرية التصرف في جسدها الذي هو ملكها  حسب زعمهم ، فإننا نطرح عليهم عدة أسئلة تتعلق بتعامل علمانيتهم مع جسدها، وهو تعامل تقف وراءه خلفية وقناعة ستكون عبارة عن نتيجة الأجوبة عن  الأسئلة  الآتية :

ـ لماذا يستخدم الجسد الأنثوي في الإشهار لتسويق مختلف البضائع  من مأكولات ومشروبات وملبوسات ومركبات ، وهلم جرا وقد كشف عن أطراف معينة منه ؟  فتعرض على سبيل المثال لا الحصر صورة امرأة حسناء  بجسد في منتهى الرشاقة بجوار نوع من أنواع السيارات ،وهي كاشفة عن ساقيها إلى ما دون وسطها بقليل ،وعارية النحر عريا وقد كشف عن جزء من نهديها ، ومرسلة شعرها ، وهي باسمة وواقفة وقفة فيها تغنج ، وخاضعة بقولها وهي تفوه بعبارة تمليها عليها الجهة المسوقة  للبضاعة . و لقد زودني أحد الفضلاء بفيديو للداعية المرحوم أحمد ديدات وقد زار يوما معرضا للسيارات ،فرأى امرأة فاتنة بجوار نوع من أنواع السيارات المعروضة للبيع  بقدها الممشوق ، وفوق السيارة ملصق كتب عليه عبارة:" يمكنك أن تجرّب "، فسأل زوجته باسطا، وكانت رفقته ما الذي يمكنني أن أجرب هل السيارة أم الواقفة بجانبها أم هما معا ؟

ـ لماذا يكشف عن سيقان المضيفات في الجو والبر،  مضيفات الطائرات ،ومضيفات الاستقبالات وتفرض عليهن الفساتين المنحسرة عن أجساهن والمجسمة لها وحتى الشفافة منها ؟ وهل ركاب الطائرة ، ومن يحضرون اللقاءات لا تنال أبصارهم من أجساد المضيفات ؟ وهل من شروط الضيافة  وخدمة المسافرين أوالضيوف أن تكون أجساد المضيفات ثمنا لها ؟ أليس للمضيفات كرامة يجب صيانتها عن الابتذال ؟ أليس لهن أزواج يؤذيهم أن تستبيح أنظار الركاب والضيوف أجساد زوجاتهم ؟ ألا غيرة لهؤلاء الأزواج على أعراضهم ؟ وهل قدر هؤلاء الأزواج أن يلحق بهم عار الدياثة إن هم رضوا بما تتعرض له زوجاتهم ؟

ـ ولماذا يستعمل الجسد الأنثوي لعرض الأزياء ، وبالإمكان استعمال الدمى عوضا عنها ؟ وهل تقتصر أنظار الرجال الذين يحضرون عروض الأزياء رفقة أزواجهم أو دون رفقتهن على النظر إلى الفساتين دون أن تقتحم الأجساد الأنثوية التي تعرض عليها ؟ وأية كرامة تبقى لعارضة الأزياء إن هي سدّت مسد دمية ؟ وأية غيرة تبقى لزوجة على زوجها وهو يجيل بصره في عارضة أزياء تفوقها رشاقة وحسنا وتكسرا في المشية ؟ وأية غيرة تبقى لمن يقترن بعارضة الأزياء ، ووضعها لا يختلف عن وضع الراقصة في الملاهي الليلة ؟

ـ ولماذا تبتذل كرامة المرأة في الحانات والملاهي الليلة ، ويستبيح السكارى المترنحون جسدها بأنظارهم وأيديهم مقابل مال مدنس يمرغ كرامتها في الوحل ؟

ـ ولماذا يكشف عن جسد المرأة في معظم الرياضات، علما بأنه حتى في رياضة السباحة يمكن أن يصمم لها لباس يصون جسد ها من شبه العري التام ؟ وما بال اللباس الداخلي للاعبة التنس ينحسر عنه فستانها ؟ وهل يستطيع أحد من الرجال الذين يعاينون هذه الرياضة الزعم بأنهم لا تثيرهم لاعبة التنس حين تنحني ؟

ـ ولماذا تمرغ كرامة المرأة في الوحل وهي تستغل  بشكل فظيع يسيء إلى آدميتها في الأفلام الإباحية التي تنتجها المجتمعات العلمانية ؟

أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح على العلمانيين الساخرين من زي المرأة المسلمة ومن مواصفاته  كما فعل من شبه لباسها بغطاء السيارة . والجواب عن تلك الأسئلة واضح ، ولا يمكن أن يقنعنا العلمانيون أن المرأة في مجتمعاتهم العلمانية لا يستغل جسدها الاستغلال المهين لكرامتها حتى أن جسدها عندهم لا يعدو أن تكون وظيفته كوظيفة قمامة أو منديل أو شيء من هذا القبيل.

وأخيرا أتحدى كل ابن أنثى مهما كان أن يزعم بأن الجسد الأنثوي لا يثير غريزة الجنس فيه ، وأنه ينظر إليه كنظره إلى الجسد الذكوري ، كما أتحدى كل بنت أنثى مهما كانت أن تزعم أن الجسد الذكوري لا يثير غريزة الجنس فيها وأنها تنظر إليه كنظرها إلى الجسد الأنثوي باستثناء  من خشي الله عز وجل منهما وانصاع إلى أمره  .

ألم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتين من أزاوجه  بالاحتجاب عن أعمى، فلما قلن له إنه أعمى أجابهما : "أعمياوان أنتما ؟ "، فإذا منعت زوجتا النبي من النظر إلى أعمى لا يراهما  ، وهما من هما طهرا وورعا وعفة ...فأولى بغيرهن من النساء  ألا ينظرن إلى من ينظر إليهن من الرجال .

ومن طريف ما سمعت أن أحد هم قال لأحد العلماء الفضلاء إنني إذا اختليت بامرأة لا تثير في ما تثيره أنثى في ذكر ، فقال له العالم الفاضل : قد نصدق فيما تدعي، ولكنني  أنصحك إن كنت صادقا فيما تزعم  بزيارة الطبيب .

وأخيرا نقول للعلمانيين الساخرين من لباس المرأة المسلمة ، والله ما يحملكم على ذلك سوى أنكم لا تستطيعون استباحة جسدها كما يستباح جسد غيرها من النساء ممن لا يدن بدين الإسلام . ألم يزبد ويرغي المجتمع الفرنسي العلماني ،وهو مرجعيتكم في العلمانية، ويغضب  الغضب الشديد من غطاء رأس المرأة المسلمة ، ومن لباسها وحتى من لباس سباحتها ، وبلغ به الأمر حد منع وحرمان من ترتدي ذلك وتصر على عدم تركه  من حقها في التعلم والعمل ، وحتى من حقها في السباحة حيث تسبح من يستباح جسدها الذي لا يغطيه سوى قطعتان من قماش لا نقول تستران النهدين وما بين الفخذين بل تجسدانهما تجسيدا وقد تتجرد منهما المرأة العلمانية  تجرد أنثى العصور الحجرية ومع ذلك توصف بالمتحضرة  ، وفي هذا الوصف ظلم صارخ لأنثى العصور الحجرية أو أنثى الأدغال التي لم  تهتد في زمانها  إلى ما يوفره لها ستر جسدها من كرامة إنسانية ، تميزها عن الأنعام والبهائم التي لم يكسها الخالق سبحانه كما كسا بني آدم  لباسا تكريما لهم وهو القائل : (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون )).

 إن من عرّى من كساه الله عز وجل قد أهانه ، وحط من قدره ، ونال من التكريم الذي كرمه به خالقه  القائل في محكم التنزيل :(( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثيرممن خلقنا تفضيلا ))

 ومعلوم أنه لا يفخر بما يحط من كرامة بني آدم إلا  جاهل بيّن الجهل  أو متعمد  مصر على النيل منها  عن سبق إصرار وعن خبث ومكر ودناءة ، ودونه وعيد الله عز وجل إذ يقول : (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ومما يفضي إلى الفواحش تعمد الكشف عما ستر الله عز وجل من أجساد النساء صيانة لها لا ظلما لها كما يزعم العلمانيون بهتانا وزورا.

وسوم: العدد 817