سُورُ عظيمٌ .. وَ ضَمَائرٌ بِلا أسْوارٍ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

في عام ١٩٩٥م زرت الصين مشاركاً في مؤتمر المرأة الذي عقدته الأمم المتحدة في بكين .. وعندما زرت (سور الصين العظيم ) سألت كبير المشرفين على حركة زوار السور: وهل كانت الصينُ آمنةً تَماماً بعدَ بناء هذا السَورِ المَنيعِ ..؟ قال: ليس على الإطلاق .. فقد اجتاحت جيوشُ الأعداء حدود البلاد ثلاث مرات مع وجوده ..قلت :أكانت تلك الاجتياحات لِتَصدُّعٍ وتَهدُّمٍ في مواضع من السور..؟ قال: لا .. فقد اجتاحت - للأسف - جيوشُ الأعداء حدود الصين عبر البوابات الرسمية لهذا السور العظيم ..قلت: لِمَ وكيف ..؟ قال : لثغرات كانت في ضمائر حُرَّاس بواباته.. فقد نجح الأعداء - للأسف - في شراء ضمائرهم .. فشرَّعوا لهم أبواب السور..! ليجتاحوا البلاد ويَعيثوا فيها الفساد .. يقتِّلون ويُدمِّرون وينهبون ..وينتهكون كرامة العباد.. ويدنِّسون سيادة البلاد ويسقطون هيبتها وأمنها .. مخلفين وراءهم أبشع الجرائم والدمار ..! فحزنت حزناً شديداً لِمَا سمعت.. وشكرته واستأذنت بالانصراف .. فبادرني يقول: ولكن لم تسألني ماذا كانت عقوبة هذا النوع من الحُرَّاس ..؟ قلت : فذاك أمر لا يعنيني ..فالذي يعنيني ويقلقني هو: هذا الخلل الشنيع في ثقافة الأجيال وكيف نُصلحه..؟.. فالأممَ اليومَ ومن قبل - للأسف -  تهتم ببناء الوسائل الماديَّة وتعتني بها وتطورها وتصرف عليها المليارات لحماية أمنها وسيادتها.. ولكنَّها لا تهتم ببناء سلامة أذهان وضمائر ابنائها .. ! ولا تنفق إلا اليسير من أجل هذه الغاية النبيلة الجلية.. بل ربَّما تنفق المليارات لإفسادها وتدميرها من حيث هي تدري أولا تدري..؟! فتبسم وانحنى يحييني بتحية أهل الصين.. أجل إنَّ سلامة ومتانة بناء أسوار ضمائر الأجيال البشريَّة .. والسهر على إعداد سلامة واستقامة أذهانهم..  لهو الأجدى والأقوى والأضمن لِحراسة أمن المجتمعات وسيادتها.

وسوم: العدد 818