البث في وضع اللغة العربية داخل المنظومة التربوية يجب أن يستفتى فيه الشعب المغربي ولا يمكن أن يكون موضوع مزايدات حزبية

أثارت  مؤخرا الأحزاب السياسية عندنا ضجة كبرى حول وضع اللغة العربية داخل منظومتنا التربوية ، واحتدم الصراع الذي تغذيه المزايدات السياسوية بينها ، وهي مزايدات عبارة عن حملات انتخابية قبل الأوان لكسب الرهان في الاستحقاقات الانتخابية القادمة ، وذلك في غياب إشراك الشعب في موضوع مصيري يخص هويته ،وكأنه شعب قاصر وغير راشد قدره أن تفرض عليه الأحزاب وصياتها بذريعة وجود برلمان يمثله ، ويتحدث باسمه ، ويقرر ما شاء أن يقرر ولو كان ذلك مخالفا لإرادته بهذه الذريعة الواهية، علما بأن كراسي عديدة في هذا البرلمان يشغلها من وصلوا إليها بكل الطرق والوسائل بما فيها غير الأخلاقية كما يعلم ذلك الشعب علم اليقين .

ومعلوم أن الشعوب ذات التجارب العريقة في الديمقراطية والتي نطمح إلى أن نحذو حذوها ، أو نبلغ شأوها أو على الأقل ندنو منه قليلا أو  لنتعلق بشيء من غبارها حين يتعلق الأمر بشأن مصيري في حياتها أو يتعلق بهويتها تستشار باستفتاء ، ولا يقتصر الأمر على آراء من يمثلها في برلماناتها .

إن وضع اللغة العربية داخل منظومتنا التربوية ليس بالأمر الهين الذي يمكن أن تبث فيه  فرق برلمانية لأحزاب سياسية اجتمع حابها مع نابلها ودارعها مع حاسرها ويمينها مع يسارها ، ومتدينها مع ملحدها لتكوين حكومة ناشز لحن من فيها حين تناقش قضايا الشعب بل قضية اللغة العربية قضية مصيرية في مستوى القضايا  البالغة الأهمية والخطورة  كقضية الوحدة الترابية على سبيل المثال .

ولقد كان من المفروض قبل جلوس من في الحكومة من أحزاب  بينها نشاز  لمناقشة القضايا المصيرية  وتحرير مشاريع القوانين الأطر التي تتعلق بها  كما حدث بالنسبة  لقضية وضع اللغة العربية داخل المنظومة التربوية أن يضعوا نصب أعينهم شعب معني بهذه القضايا والذي يجب أن يستشار على غرار استشارته في وضع الدستور وهو أهم وأخطر قانون ، والذي يكون فيه هو أعلى سلطة لا سلطة فوقه إلا سلطان الله عز سلطانه .

إن الشعب الذي استفتي  بخصوص  وضع اللغة العربية في حياته العامة ، وأقرها الدستور الذي صوت عليه  لغة رسمية للبلاد ، يجب أن يستشار ويستفتى في وضعها داخل المنظومة التربوية ، ونقول استفتاء ، وليس مجرد قرار يصدر عن فرق برلمانية لأحزاب داخل حكومة النشاز ، وهو الوصف اللائق بها .

أما وقد وصل مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي إلى طريق مسدود بسبب الخلاف حول وضع اللغة العربية في هذه المنظومة، فلا مناص من استفتاء الشعب في هذا الأمر إذا كانت إرادته بالفعل محترمة في هذا الوطن .

وإن اللغة العربية ،وهي اللغة الرسمية  كما هو منصوص على ذلك في دستور هذا الوطن  ،والذي صوت عليه الشعب لها نفس الحق الذي لغيرها  من اللغات في أن تدرس بها جميع المواد الدراسية علمية كانت أم غير علمية   دون استثناء ،كما أنه من حقها أن يكون لها نصيب فيما يرصد للبحث العلمي من مال لتلحق بغيرها من اللغات في نقل مختلف العلوم والمعارف .

 وإنه لا يمكن أن يوجه  النقد واللوم للغات إذا كان أصحابها قد عجزوا عن استعمالها في تحصيل العلوم والمعارف ، ولم يبذلوا جهودا لتمكينها من ذلك ،كما هو الشأن بالنسبة للغة العربية التي لا تسلم من نقد من ينتقدونها ، وهم أولى بأن ينتقدوا . ومعلوم أن اللغات وسائل لنقل العلوم والمعارف، لهذا من المفروض أن تتكاتف  جهود أهل الخبرة العلمية والمعرفية مع جهود أهل الخبرة اللغوية لنقل اللغات من وضع الإقصاء إلى وضع الإشراك في نقلها الحمولات العلمية والمعرفية ، وهو ما لا يحدث بالنسبة للغة العربية عندنا .

وعلى الأساتذة الجامعيين  عندنا من مختلف التخصصات العلمية والمعرفية  ومعهم أساتذة اللغة العربية تقع مسؤولية تعريب العلوم والمعارف المختلفة لإخراج اللغة العربية من وضعية الإقصاء الممنهج الذي تضطلع به الجهات التي تستهدفها من فرنكوفونيين وغيرهم . ومن العار أن يبلغ العجز بهؤلاء الأساتذة الجامعيين إلى هذا الحد الذي يجعلهم لا يستطيعون إيصال العلوم والمعارف  بلغة وطنهم الرسمية ، وأمامهم شواهد حية  من تجارب أمم أخرى كالصينيين واليابانيين والروس والهنود وغيرهم .

وإذا كانت العلوم تطلب ولو في الصين ، فلماذا تضيق آفاق البعض عندنا  فيحصرونها في فرنسا  كما هو الشأن بالنسبة لأصحاب الهوى الفرنكوفوني ؟ ألا يقال إن الإنجليزية وهي اللغة الأولى عالميا تفوق غيرها في مجال نقل العلوم والمعارف بأشواط بعيدة ؟ فلماذا لا تكون هي اللغة المعتمدة عندنا  ريثما ينجح أهل الخبرة والبحث العلمي عندنا بعد أن يشمروا على سواعد الجد ، ويطردوا عنهم الخمول والكسل والتراخي  والتباهي الفارغ  في تقليص المسافة بينها وبين اللغة العربية في نقل العلوم والمعارف ؟

ولقد أثبتت التجربة التربوية عندنا أن المتعلم المغربي  كان في الماضي يتمكن في ثلاث سنوات  فقط في مرحلة التعليم التأهيلي من  تعلم اللغة الإنجليزية نطقا ورسما لسهولة نحوها ، وجودة طرق تعليمها مقارنة مع اللغة الفرنسية التي كان يقضي  في تعلمها عقد من السنين  لتعقيدات نحوها ، ذلك أنه في كل اللغات على سبيل المثال لا الحصر يوجد زمن ماض وحاضر ومستقبل بينما في اللغة الفرنسية توجد أزمنة لا يستطيع ضبط صيغ أفعالها  نطقا ورسما حتى أهلها الناطقون بها الذين رضعوها مع ألبان أمهاتهم ، فضلا عما في رسمها من تعقيدات لا مثيل لها في اللغة الانجليزية .

فإذا كان همّ من يذرفون دموع التماسيح على منظومتنا التربوية هو النهوض بها كما يدعون ،فليكن النهوض بها  باعتماد لغة  تدريس العلوم والمعارف الأولى عالميا والمتفوقة في ذلك، وهي الإنجليزية ،ولا يمكن أن  ينكره ذلك إلا جاحد أو مكابر، فلماذا كل هذا الإصرار على إسناد هذه المهمة إلى اللغة الفرنسية، وهي لا تتعلق بغبار اللغة الإنجليزية  في نقل العلوم والمعارف ؟

 ولئن دل هذا الإلحاح والإصرار على استعمال اللغة الفرنسية في التدريس عندنا  على شيء، فهو إنما يدل على الهوى الفرنكوفوني الذي يريد أصحابه أن يظل المغرب مستعمرة فرنسية ،لأن لهم في ذلك مآرب ومصالح  مكشوفة .

وبناء على ما تقدم أصبح من الضروري نقل النقاش حول وضع اللغة العربية داخل المنظومة التربوية من كواليس البرلمان وكواليس حكومة النشاز إلى استشارة الشعب عبر استفتاء عام ،والذي يجب أن تنتهي معاملته معاملة شعب قاصر ومسلوب الإرادة ، والذي لا يقرر، وإنما يقرر له ، ولا يفرض إرادته بل يرفض عليه  فقط ، نقول هذا بملء أفواه  جميع أفراد هذا الشعب الذي مل هذا التعامل غير اللائق بكرامته  وقدره .

ولا محل للمزايدات الحزبية والسياسوية من الإعراب في قضية وضع اللغة العربية داخل المنظومة التربوية ، ولا معنى لركوب الأحزاب ظهر هذه القضية للمتاجرة  الرخيصة بها ،ولتراشق التهم فيما بينها في حملات انتخابية سابقة لأوانها ، وفاضحة لتهافتها ، والبث فيها  إنما يعود إلى الشعب وحده الذي لا إرادة فوق إرادته  سوى إرادة الله عز وجل .      

وسوم: العدد 818