هضبة الجولان والمتهمون الأربعة، خواطر وذكريات

د. محمد أحمد الزعبي

1.   مدخل توضيحي

لابد بداية من توضيح معاني الكلمات التي انطوى عليها عنوان هذه المقالة ، ألا وهي ، هضبة الجولان والمتهمون الأربعة : أما هضبة الجولان  فهي التلة الاستراتيجية ( عسكرياً ) التي تحتوي على 14% من مخزون سورية المائي ، والتي تزود بحيرة طبريا ، وبالتالي " إسرائيل " ، بثلث مائها ، والتي تطل على فلسطين من علِ ، وتحول  دون أطماع الكيان الصهيوني  ليس في سوريية الصغرى وحسب وإنما في سوريا الكبرى كلها  . هذا إضافة  إلى أن هضبة الجولان ، هي إحدى المحافظات السورية التي عاصمتها مدينة القنيطرة ، والتي تخلى عنها حافظ الأسد لإسرائيل مرتين ، مرة بموجب البلاغ العسكري رقم ( 66 )  الذي أدى إلى انسحاب الجيش السوري من الجولان كيفياً ودون قتال ، ومرة أخرى ، حين صمت عن احتلال اسرائيل لهذه الهضبة الجولان الإستراتيجية طيلة حياته ، ثم ورث ( بتشديد الراء ) هذا الصمت المتعمد والمشبوه والمدان لخليفته بشار . وأما المتهمون الأربعة  المعنيون في عنوان هذه المقالة  فهم  : ولي الفقيه ، وبوتين ، ونتنياهو ، وترامب  , علماً أننا نشير بمفهوم " ولي الفقيه " هنا إلى ثلاثي  الخامنئي وبشار الأسد وحسن نصر الله  ، أي إلى  القوة الطائفية التي حاربت وتحارب الربيع العربي عامة  ، و الثورة السورية  منه خاصة .

2.  تحذير الرئيس بو مدين للقيادة السورية :

 ويحضرني بهذه المناسبة ، أن الرئيس المرحوم هواري بومدين فاجأنا ( كنت مازلت وزيراً للاعلام  )  ذات يوم ، بعيد ضياع الجولان ، في حرب حزيران 1967 ، في زيارة خاطفة لدمشق ، أبلغ فيها المسؤولين السوريين آنذاك ، أنهم إن لم يقوموا باستعادة هضبة الجولان من إسرائيل بالسرعة الكلية ، " فإن أنظمتنا سوف تسقط كلها " وكان يقصد – رحمه الله –  ب " نا " الجماعة في أنظمتنا ، أنظمة ماعرف حينها ب جبهة الصمود والتصدي ، التي كانت الجزائر جزءاً منها . والتي مازال نظام بشار الأسد يتاجر باسمها حتى يومنا هذا (!!) ، ( مقاوم بالثرثرة ، ممانع بالثرثرة ). لقد مات المرحوم بو مدين ، وماتت معه – على مايبدو -  قضية استعادة الجولان ، سواء من قبل الأب ، أو من قبل الإبن ،  بل وأكثر من هذا ، هو أن بشار الأسد يستخدم مسألة الصمود والتصدي الكاذبة كذريعة لبقاء القوات الإيرانية في سوريا أطول مدّة ، الأمر الذي سوف يعني  أن مناورات بوتن  ونتنياهو وبشار الأسد وترامب ، حول طلب مغادرة هذه القوات سورية ، هي(كذبة) صريحة  واضحة المعالم ( أنظرالفقرة 5) .

3.  قرار مجلس الأمن الدولي 242  ظاهره وباطنه :

من اطلاعنا على بنود قرار مجلس الأمن الدولي 242 ، ولاسيما تلك التي تنص من جملة ماتنص على  : ( عدم شرعية الإستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب  . والحاجة إلى سلام عادل ودائم تستطيع أن تعيش فيه كل دولة في المنطقة ) ، حيث أن المعني بكلمة " كل " هنا هو " الكيان الصهيوني تحديداً، وأيضاً اطلاعنا على الإشكالية اللغوية المتعلقة ب " ال " التعريف ، التي قام بحذفها في النص الإنجليزي اللورد كارادون، مندوب بريطانيا في مجلس الأمن وصائغ القرار 242( الإنسحاب من الأراضي / من أراض ) إرضاءً لإسرائيل ، وجعلها في حل من إعادة جميع الأراضي المصرية والسورية والأردنية التي احتلتها في حرب 1967 وكأنه بهذه الصياغة الملتبسة ، يكمل دوراً سبق أن قام به لورد بريطاني آخر في هذا الموضوع  ، ألا وهواللورد آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني 1917 ، وكأن التاريخ  هنا يعيد نفسه  ، ولكن في صورة ملهاة متضمنة في مأساة  . أقول تبين لنا ، من اطلاعنا على هذين الموضوعين ،بل هتين النقطتين الهامتين في القرار الأممي 242 ،  وبما لايقبل الشك ، من جهة ، أن الغموض المتعمد الذي ينطوي عليه مضمون بعض الفقرات ، هو أن الإنسحاب الإسرائلي من الأراضي التي احتلتها من مصر وسورية والأردن ، مشروط باعتراف هذه الدول بإسرائيل والتطبيع معها ، ومن جهة أخرى فإن إسرائيل ليست ملزمة بعد حذف " ال " التعريف من القرار ( النص الإنجليزي ) ، بإعادة كامل الأراضي العربية التي احتلتها في حرب حزيران 1967 إنه الغموض والإلتباس الذي عودتنا عليه معظم قرارات مجلس الأمن  حول سوريا ، لكونها قد اتخذت ( بضم التاء ) أصلاً للتنفيس وليس للتنفيذ

4. هضبة الجولان والإحتلال المثلث  :

الحديث عن هضبة ، بات حديثاً مؤلماً ، ويستوجب التوقف عنده طويلاً ، ذلك أن سوء حظ هذه القطعة من الأرض السورية ، هو أنها تطل من علِ على الكيان الصهيوني ،( كما سبق أن أشرنا )  الأمر الذي أخضعها لاحتلالات ثلاثة متتالية : كان أولها  هو إصدار حافظ الأسد بلاغه العسكري المشؤوم رقم 66 ، الذي فتح باب الهضبة مشرعاً أمام الإحتلال الإسرائلي  لها عام 1967 ، وكان الثاني عام 1981 ، حين أصدر الكنيست الإسرائلي قراره المشؤوم أيضاً بتاريخ 14 ديتسمبر من ذلك العام ، بضرورة تطبيق القوانين الإسرائيلية على هضبة الجولان ، أرضاً وبشراً ، باعتبارها باتت بنظر الصهاينة " ارضاً إسرائيلية " وليس " أرضاً محتلة " ، وكان ذلك تحت سمع وبصر وصمت     " الرفيق القائد حافظ سليمان الأسد " صاحب البلاغ الكاذب رقم 66 المعروف . إن إصدار مجلس الأمن بتاريخ 17 ديتسمبر 1981 قراره رقم  497 ، بعدم الإعتراف بقرار الكنيست بضم هضبة الجولان ، لم يكن بنظرنا ليزيد عن كونه  " ذراً للرماد في العيون " العربية عامة والسورية خاصة . بل إنه واحد من ألاعيب الدول النووية الكبرى ( دول الفيتو الخمس) الموالية لإسرائيل قلباً وقالباً . وكان الثالث ، هو قرار ترامب المضحك والمبكي ، في منح إسرائيل موافقته الخطية على اعتبار أن هضبة الجولان أرضاً إسرائيلية (!!) وهو مايمثل ثالثة الأثافي ، في هذه اللعبة البعيدة عن القيم والأخلاق والتي تشير إلى أن أمريكا مابعد ابراهام لونكلن وجورج واشنطن ، وأيضاً ما بعد غياب الإتحاد السوفييتي ،أصبحت هي الممثل الرسمي والشرعي ( ولكن ليس الوحيد ) في مجلس الأمن الدولي للكيان الصهيوني ، كما لو كان هذا الكيان ولاية أمريكية تتكلم اللغة العبرية .

5. بين إيران وإسرائيل وأمريكا شعرة معاوية  :

منذ اندلاع ثورة آذار الشعبية في سورية في منتصف شهر آذار 2011 ، ونحن نسمع ونرى ثلاثة نغمات متواترة ،دونما تغيير أو تبديل في المشهد الميداني (!!) .تشير الأولى منها إلى الشكوى من التغلغل الإيراني الطائفي  في سورية ، الذي وصل إلى تلشهاب في حوران ، وإلى الجانب السوري( المحرر!! )من مدينة القنيطرة عاصمة الجولان ، أي إلى حدود هضبة الجولان ، التي اتخذ أبو إيفانكا في 25/مارس الماضي ، قراراً أمريكياً يعترف فيه ، بوصفه مالكاً شرعيا لكل هضاب العالم ، بأن هضبة الجولان باتت ملكاً ( حلال زلال ) لإسرائيل (!!) ، وتشير الثانية إلى التهديدات المتوالية لنتنياهو للقوات الإيرانية بالتدمير الشامل في حال بقائها في سوريا ، الأمرالذي اقتضى من إسرائيل تنفيذها لبعض الضربات  للتواجد الإيراني القريب من هضبة الجولان ، أي القريب عملياً من حدودها الجغرافية الجديدة التي رسمها لها أبو إيفانكا ، وكانت هذه الضربات الإسرائيلية الرمزية ، تنفيذاً شكلياً لتهديدات نتنياهو اليومية بضرب إيران إذا لم تنسحب من سورية أو على الأقل تبتعد عن حدود إسرائيل الترامبية الجديدة مقدار 80 كم . أما النغمة الثالثة فهي تلك التي مازلنا ننتظر سماعها من صواريخ بوتن  ال S300   والتي تنتمي ترددات صوتها  - على مايبدو- إلى الترددات فوق الصوتية ، التي لاتسمعها الأذن الطبيعية ، والتي لولا زيارات نتنياها الماراتونية لموسكو، والتي دخلت تحت أرقام  موسوعة جينس للأرقام القياسية نظراً لكثرتها ، ماكنا عرفنا أن سماء نا وأرضنا ومياهنا باتت  في رعاية رادارت بوتن وصواريخه ال S300 ، وقواته المتمركزة في أرض ومياه وسماء سورية ، وخاصة في مطار حميميم .بحيث بات على ثوار 2011أن يعودوا إلى بيوتهم المدمرة  ، وينسوا شهداءهم  ، ويفسحوا المجال لبوتن لكي يكمل تحريرهم ، وتحقيق الحرية والكرامة لهم على طبق من ذهب (!!) .

إن مانرغب قوله حول هذه النقطة ، هو أنني - كمراقب - أشك وأشكك وأتساءل فيما إذا كان الخلاف الإيراني ـ الأمريكي ـ الإسرائيلي ،هو خلاف جدي، أم أنه خلاف " على عينك ياتاجر "، إرضاءً لزلمتهم  وولي نعمتهم سيد البترودولار( MBS)  .  إنه  - وفق رؤيتنا الخاصة - خلاف شعرة معاوية التي لايمكن أن تنقطع أبداً ، سواء بين هذاالرباعي  بعضه بعضاً ، ( ولي الفقيه –بوتين – نتنياهو – ترامب ) أو بينهم وبين ولي نعمتهم الذي سبق ذكره ، ذلك أنه إذا شدها ( الشعرة ) هذا أرخاها ذاك ، وإذا شدها ذاك أرخاها هذا ، ولا سيما في إطار شبكة من العلاقات والتحالفات البينيية الحميمة ( ترامب – محمد بن سلمان ، ترامب – بوتن ، بوتن – خامنئي ، خامنئي – بشار الأسد ، بوتن – بشارالأسد ، محمد بن سلمان – نتنياهو ، نتنياهو – بوتن ، نتنياهو – ترامب ، الخ ) التي تربط بينهم على أكثر من مستوى ، ولأكثر من سبب .

وسوم: العدد 819