الآن فهمتكم

من طبائع الحكم السلطوي أنه عقيم،  وأناني، واستبدادي، ومتفرد، لا يحب الا ذاته ولا يحتمل النصح ولا يقبل الشريك.

الملك عقيم لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق، ولا ينفع فيه نسب، ولا يشفع فيه رحم، وكم من ملك قتل ابنه أو حفيده أو أخاه، من أجل البقاء في الحكم، أو الوصول إلى الملك، وصدق الله العظيم :

( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ).

ومن أبلغ ما قيل في وصف الحال ما ذكره الشهرستاني في كتابه الشهير " الملل والنحل " إذ قال: وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة،

إذ ما ما سُلت السيوف ولا اُريقت الدماء مثلما حصل في الخلاف على الإمامة في كل زمان.

السلطويات العربية مثل القطط تاكل ابناءها اذا جاعت او اذا لزم الامر، ومن اجل البقاء والاستمرار  لن ترحم الاقربين فضلا عن الابعدين. 

  واذا تعلق الامر بالبقاء او بالرحيل فبقاء الحاكم وجوقته اولى من بقاء الشعب، ومن لم يفهم هذه المعادلة واراد صعود الجبال فلن يجد الا السجون او الهجرة، والاغتراب. 

في الأوطان العربية، تجمع بقايا الاستبداد الكوني، وتمظهر بشكل السلطة التي لا تشبع ولا تقنع وتقول هل من مزيد ؟.

مزيد من السلطة ومن النفوذ، ومزيد من التسلط والاستبداد، والنار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله.

من دروس التاريخ، كما في علم السياسة والاجتماع، فإن طبائع الاستبداد وطلائع الاستبلاد، تُنشأ

مطلق السلطة، وبدورها  

تنتج الفساد والخراب والدمار، وتُؤذن بالزوال والاندثار.

  قبل سبع سنوات من انتفاضة الربيع العربي، حذر تقرير التنمية الإنسانية العربية من أنه ( إذا استمر العجز التنموي المصحوب بوضع قمعي على الساحة الداخلية وتدنيس على الساحة الخارجية ، فمن المرجح أن يتبع ذلك نزاع ٌمجتمعي مكثف في البلدان العربية ، ففي غياب آليات سلمية وفعالة لمعالجة الظلم الذي يتسبب فيه الواقع العربي الراهن تزداد احتمالات النزاع الداخلي وهو أسوء مصير يمكن أن ينتهي إليه العصر الحالي في التاريخ العربي الحديث ).

ملّ الناس ثرثرة الساسة المستدامة عن الإصلاح الإداري والسياسي، والثورة البيضاء، وهرمنا بإنتظار قطار التحول الديمقراطي، والتداول السلمي ولحظة التغيير، وتاخر فهم الحاكم العربي سبع سنين قبل ان يعلن الرئيس التونسي ( بن علي) خطابه  عشية هروبه من تونس حيث قال: "انا فهمتكم"، وبعدها بسبع سنوات عجاف استقال شبح الرئيس الجزائري (البوتفليقي) من منصبه بعد ان طف الصاع، وبلغ السيل الزبى، وخرج الشعب الجزائري متحديا استمرار سلطة المومياء المحنطة.

وأما في ليبيا، والسودان، وبلاد الشنقيط، ومصر وبلدان البلدان فجمرٌ تحت الرماد، ولكن بلادة الإحساس، وطبقات العزل المنافقة حول الحاكم، هي التي تحول بينه وبين الفهم، حرصا على مصالحهم ومكاسبهم، وليس حباً للحاكم أو تظهيرا لما يسمى بالولاء والانتماء.  

الثورات المضادة، المزودة بثروات النفط وخزائن البترول لن توقف حركة التاريخ، ولن تحول دون القدر، لأن معاندة النواميس، وتحدي إرادة الشعوب وقوانين الكون ستكون وبالاً على المراهقين والمغامرين. 

لو ان الرئيس المخلوع — اياً كان — قال لشعبه قبل فوات الأوآن ( نعم فهمتكم ) وفهمت انكم مصدر السلطة ومصدر الشرعية، لهتف  الناس بحياته وقبلوا منه بالقليل. 

هل للعقل الحاكم ان يتعظ بالتاريخ او يعتبر بغيره ؟

لا يغرنكم  طول الصمت ولا جميل الصبر 

ولو ان حكام الاندلس فهموا مقولة الشاعر صالح بن يزيد المشهور ب ابي البقاء الرندي  لما بكوا مثل النساء ملكاً لم يحافظوا عليه مثل الرجال ..

لـكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصانُ --- فـلا يُـغرُّ بـطيب العيش إنسانُ

هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُولٌ --- مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ

وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحد --- ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شان

يُـمزق الـدهر حـتمًا كل سابغةٍ --- إذا نـبت مـشْرفيّاتٌ وخُـرصانُ

أيـن الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ --- وأيـن مـنهم أكـاليلٌ وتيجانُ ؟.

ولله في خلقه شؤون، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.

وسوم: العدد 820