موقف الإسلام من جريمة الانتحار

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله الواحد القهار، حرم الانتحار، وأصلى وأسلم على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار، وبعد ـ

من  فضل الله - عزوجل - على الإنسان؛ أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وكرمه على سائر خلقه، وأمره بالحفاظ على نفسه، وحرم الاعتداء عليها بأي وسيلة لتقوم بوظيفتها وهي عبادته ، فقال جل جلاله: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ [سورة النساء، الآية 29]

وقد انتشرت في الآونة الأخيرة، مشكلة اجتماعية خطيرة، تؤدى إلى الاعتداء على النفس، وهى ظاهرة الانتحار، فتذكر المنظمات العالمية  أن نسبة الانتحار ما يقارب 800,000 شخص يموت كل عام بسبب الانتحار، معظمهم من الشباب، وخاصة في الدول المتقدمة، لكننا للأسف وجدنا بأنه بدأت تنتقل  هذه الظاهرة الخطيرة إلى المسلين بصورة مزعجة، فما هي هذه الظاهرة، وما أعراضها، وأسبابها، والآثار المترتبة عليها، وكيف عالجها الإسلام؟

الانتحار مأخوذ من النحر، وانتحر الإنسان بمعنى نحر نفسه وقتلها وأزهق روحه، للتخلص من مشاكله وصعوباته في الحياة.

لماذا يقدم الإنسان على الانتحار؟

يقدم الإنسان على الانتحار ويوردها الهلاك والبوار، لأسباب عدة، منها: الأزمــات الاقتصادية التي تواجهه في الحياة، وقلة الوازع الديني واعتناق الإلحاد، والترف والنعيم الزائد، والأزمات السياسية والحروب، والمشاكل الأسرية والاجتماعية، والحالة العاطفية، والشعور بالذنب والوَحدة.. الخ

أعراض الانتحار؟

وقد تظهر علامات ودلائل تدل على أن هذا الإنسان مقبل على الانتحار، إذا وجدناها نعلم أن هذه الشخص مقبل على الانتحار؛ منها: الاكتئاب واليأس من الحياة، والتغيرات المفاجئة في السلوك للسلوك، والإهمال في الدراسة أو العمل، وإهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي، والانعزال والانطواء، والحقد على المجتمع، والشكوى  والضجر، وتعاطي المخدرات والمسكرات...الخ

الآثار المترتبة على الانتحار:

وأما الأثار المترتبة على الانتحار فكثيرة ومتعددة، منها:

-       انه ارتكب كبيرة من أكبر الذنوب، حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]،

-       خاتمة سيئة مُبطلة لأعظم الأعمال والحسنات: ففي الصحيحين« أن رجلًا كان لا يَدعُ مِن المُشركين شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتَّبعها، فضرَبها بسيفِه، فقيل: يا رسولَ الله، ما أجزأ أحدٌ ما أجزَأ فلان، فقال: إنه مِن أهل النَّار! فقالوا: أيُّنا من أهل الجنة إن كان هذا مِن أهلِ النار؟! ثمَّ شهدَ رجل آخر على موته فقال: إنه جُرحَ فاستعجل الموت، فوضع نصاب سيفه بالأرض وذُبابه بين ثدييه، ثمَّ تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنَّك رسول الله». متفق عليه

-       ويحرم عليه الجنة: فعن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». أخرجه البخاري

-       أوجب على نفسه النار: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار» رواه البخاري.

-       يعذب في النار بما انتحر به، فعـن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : «  من قتل نفسه بحديدية فحديد ته في يده يتوجا بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ،  ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا»، ويروى عن ثابت الضحاك «  ومـن قـتل نفـسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم » ومن طريق آخر «  ومن ذبح نفسه بشيء ذبح به يوم القيامة » (متفق عليه) .

علاج الانتحار:

وقد وضع الإسلام علاجا ناجعا لظاهرة الانتحار، ليستأصله من جذوره، وتريح البشرية من هذه المشكلة الخطيرة، والظاهرة الغريبة، ومن هذه الوسائل لعلاج الانتحار:

-       زيادة رصيد الإيمان والتقرب إلى الله بطاعته، والبعد عن معصيته: وتطبيق البرنامج الإسلامي اليومي من صلاة وصوم  وبر وتقوى ومودّة ورحمة فهو بذلك يضمن لنفسه قدراً كبيراً من الصحة النفسية ، فها هي الممثلة الأمريكية " مارلين مونرو " التي كانت في غاية الجمال والشهرة والثراء معاً ، ومع ذلك انتحرت . وفي رسالتها التي تركتها تقول مونرو انها لم تشعر بالسعادة ابداً لأن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة . بل إن هذه الحياة هي رمز سعادة المرأة . بل سعادة الإنسانية .

-       تقوية الوازع الديني والخوف من عذاب الله للمنتحر في النار ويعذب من جنس ما قتلوا به أنفسهم .

-       التربية الإسلامية الشاملة الواعية الصحيحة: عن طريق المنزل والمسجد والمدرسة وأجهزة الإعلام المتعددة .

-       بالتسليم بالقضاء والقدر والتسليم بإرادة الله في جميع الأحوال والحالات والصبر على البلاء وأن ذلك مكتوب على الانسان في بطن أمه ، وقال تعالى ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ﴾[سورة الزمر آية 53 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «  لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله » ( رواه مسلم) .

-       الابتعاد عن الوحدة والعزلة والبحث عن التجمعات الصالحة سواء من الأقارب أو من سائر الناس، قال صلى الله عليه وسلم بشأن الوحدة «  الراكب شيطان والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب » (رواه أبو داود وأحمد) .     

-       الترفيه والترويح عن القلق وتأسيس علاقات تتسم بالهدوء والتفهم الكامل له من قبل المعالج

-       الاقتصاد في المعيشة، والبعد عن الإسراف، وأن يقتصر الدين على الحالات الضرورية القصوى، قال تعالى: ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين ﴾ [الأعراف:31].

-       المعالجة النفسية، وذلك بالتواصل مع القادم على الانتحار والإنصات إليه و تفهُّم ظروفه ، ومَدِّ يد العون له.

-       الاستعانة بالله: والدعاء و ملازمة ذكر الله تعالى:فقد قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقوله صلى الله عليه وسلم: « اللهمَّ إني أعوذ بك من الهَمِّ والحزَن، والعجز والكسَل، والبُخْل والجُبْن، وضلع الدَّين، وغلَبة الرِّجال». رواه البخاري.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 822