كلام عن في الحراك

لستُ رجل سياسة ولا محللا سياسيا، أريد فقط كجزائري أن أدلي برأيي في حراكنا الشعبي المبارك الذي أؤمن به وأدعو له بالنجاح بعد أن جاوز شهريْن من العمر.

أعلم أن الجزائريين يميلون إلى الكلام العاطفي ويغلّبون التفاؤل على الحقائق الواقعية الماثلة لكني اخترت أن أقول ما أراه حقا تؤيده الحقائق الواقعية ولو لم يعجب أصدقائي – وأنا لا أكتب لإثارة إعجاب القراء – ولا أجري خلف الأحلام ولا أحيل الواقع إلى الأماني والغيب.

الحمد لله، هذا الحراك أعاد الأمل للجزائريين ووحّد الشعب إلى حدّ بعيد وأسقط بوتفليقة،وفي نفس السياق تمّ اعتقال بعض رموز الفساد،  وهذه نتائج رائعة من غير شك لكنه لم يزح العصابة ولم يغيّر النظام بل يشير الحال إلى استمراره مع تغيير بعض الوجوه فقط، كل ما هنالك أن الصراع بين رؤوس هذا النظام ظهر جليا، وهم في معركة كسر العظام، وواضح جدا أن المتحكمين في دواليب الدولة لا يبالون – كالعادة – بحراك ولا رأي عام ولا مطالب بل أقصى ما يحصل عليه الحراك كلام معسول هنا وإجراءات قانونية محدودة هناك... لم يطالب بها أصلا لأن المحاسبة والمتابعة والجزاء كل هذا يأتي بعد تلبية المطلب الشعبي الأول ألا وهو تغيير النظام وبناء دولة المؤسسات على أنقاض دولة الأشخاص، فما هو الإصرار العجيب على وضع العربة قبل الثيران؟ رؤوس الفساد والتزوير ما زالوا على رأس الدولة وهم الموكل إليهم تنظيم انتخابات "حرة ونزيهة" لتغيير هذا النظام !!! مهما كانت الثقة إلا أنها هنا تتجاوز حدود المعقول، ونحن لا نمنح ثقة عمياء لأي احد مهما علا كعبُه ولأية جهة مهما كانت...ثقتنا لكاملة في الله تعالى ثم في شعبنا.

واضح جليّ أن النظام يراهن على شهر رمضان لتنطفئ جذوة الحراك – إلى جانب مشاهد الاعتقالات الأخيرة والتي لا ننكر أهميتها تفاجؤنا منها - و "تعود الأمور إلى نصابها" ...وأخشى أن هذا الذي سيحدث بالفعل كما تدلّ القرائن.

يطلبون منا أن نثق بالجيش وننتظر الحلّ على يديه... جميل، وكلام رئيس الأركان مطمْئن، لكن في المقابل دولة بوتفليقة لا تعطي وعودا وإنما تجسد خارطتها في الواقع يوميا، وهياكلها ورموزها تسيّر البلاد مركزيا وعلى المستوى المحلي بتبجحها المعهود، وأنا لا يمكنني أبدا أن أتغافل عن هذه المعطيات الواقعية وأربط الخلاص بالأمور الغيبية مهما كانت مغرية.

ثم ما هذا التمسك الغريب العجيب بالدستور إلى حدّ التقديس وقد ألفنا اختراقهم له منذ الاستقلال؟ في الحقيقة هو دستور شخص أكثر منه دستور دولة وشعب، ثم كان الحلّ ممكنا في ظلّه باستقالة الحكومة والرئيس المؤقت ... هذا ممكن جدا وفيه استجابة لمطالب الحراك ومن شأنه بناء الثقة .

الواقع ناطق وصادم وعنيد: الحراك في مأزق، يراوح مكانه، لا يتقدم، يتغذى بالوعود الرجراجة ويملأ رأسه بالتحليلات المتناقضة، النظام مصرّ على انتخابات من سابع المستحيل أن تكون نزيهة في ظل بقاء رموز الفساد والتزوير على المستوى الوطني والقاعدي، وهذا ما فهمه الشعب ،فهو لا يعيرها أدنى اهتمام، كما ان الطبقة السياسية معرضة عنها تماما.

والحلّ؟ الحلّ في تقديري ما زال ممكنا:

-         تطوير طرق الحراك ووسائله وأساليبه السلمية الحضارية وبسرعة ليكون صوتُه أقوى، لأن المسيرات – رغم ضرورتها حتى في رمضان – لم تعد كافية.

-         الخروج من الفخ الذي سقط فيه الحراك والمتمثل في تخوين الطبقة السياسية بأكلمها وشيطنة جميع القامات الكبرى بحيث لم يبق في صفّ الحراك أي رمز وطني ولا طرف فاعل، مع عجزه عن إخراجه قامات من بين صفوفه.

-         تقديم من يوصل رسائل الحراك ومطالبه مباشرة إلى السلطة حتى لا تبقى هي التي تختار من يتكلم معها.

-         الشعارات شيء والعمل السياسي الميداني شيء آخر، وهذا النظام لن تسقطه الشعارات مهما كانت براقة وقوية.

-         مساندتنا لقيادة الجيش ليست طاعة عمياء بل لا بدّ لنا من نتائج ملموسة تتجاوز الوعود، في هذه الحالة نحن مجندون مع الجيش لاجتثاث العصابة.

-         أطراف كثيرة مطمئنة إلى اقتراح جمعية العلماء شخص أحمد طالب الإبراهيمي كرجل إجماع لحلّ الأزمة، وهذا اقتراح يستحق النظر ولا يمنع التفكير في أسماء أخرى تماثله في النزاهة الكفاءة واستقطاب الأغلبية.

وسوم: العدد 823