الشراكة اللدودة وفاتورة الدماء السورية

عندما يؤكد مجلس الأمن القومي التركي برئاسة أردوغان (30/5/2019) أنّ “هجمات النظام السوري على المدنيين في منطقة خفض التصعيد تقوّض روح اتفاق أستانا”، فإنه يخاطب فعليا شريكه الروسي، لأن النظام السوري ليس شريكا في مسار أستانا، وهو لم يكن حاضراً اتفاق سوتشي حول إدلب في أيلول/سبتمبر الماضي، وإنما أُلزم به.

على الرغم من حرص الروس والأتراك الحفاظ على التفاهمات المشتركة؛ إلا أن الكباش الناشئ عن تضارب المصالح؛ أكثر ما يبدو حالياً على أجساد المدنيين والمنشآت الصحية التي يقصفها النظام السوري بدعم روسي، بلا مراعاة للقانون الدولي للإنساني، كما هو ديدنه.

يريد الرئيس الروسي تثبيت حكم بشار الأسد؛ بإجهاض المسار السياسي المفضي إلى التغيير الحقيقي من جهة، وبالقضاء على آخر معاقل الثورة المسلحة من جهة أخرى، لكنه يدرك أن الأتراك لن يسلموا ورقة إدلب بلا مقابل، وهم غير مستعدين لتحمل موجات جديدة من النزوح السوري، وأن الفصائل التي يدعمونها هي التي تقاتل الميليشيات المدعومة من روسيا في ريف حماه الشمالي.

في الشراكة المستجدة بين الأتراك والروس؛ خط غاز مشترك، وسياحة، وسلاح، وعلاقات اقتصادية، وحاجة مشتركة في التعاطي مع الملف السوري. الروس والأتراك محكومون بشراكة لدودة، وكل منهما يحتاج الآخر، بعد حال التخلي الذي وصل إليها الملف السوري دوليا؛ ولذلك فإن هجمات السيطرة على المناطق منزوعة السلاح حول منطقة خفض التصعيد الرابعة؛ يقابلها الأتراك بمزيد من الدعم للفصائل؛ لاستنزاف القوات المهاجمة، وإجبارها على العودة إلى الحدود المتفق عليها في اتفاق سوتشي العام الماضي.

ومع أن الفاتورة الإنسانية التي يدفعها الشعب السوري بلحمه الحي باتت هائلة؛ إلا أنه من غير المتوقع أن يتحرك أحد على الساحة الدولية حالياً. الولايات المتحدة والموقف الغربي عموما مندد بالظاهر، لكنه في الباطن غير مبالٍ بما يجري، ويكتفي بمراقبة مسار العلاقة التركية الروسية عبر النار والدماء. أما العرب فمنشغلون إلى درجة أن مجازر إدلب لم تحظَ بموقف في قممهم الثلاث في مكة، ولو من باب التنديد بإيران – هدف القمم الثلاثة- لدعمها نظام الإجرام الأسدي.. ومن العرب من همه اتهام تركيا؛ تارة بالتقصير في الدفاع عن السوريين، وتارة بـ “احتضانها الجماعات الإرهابية”، وتارة بـ “خذلان الثورة السورية”.

ما لم تتغير المعطيات الدولية المتوافرة؛ ستبقى حالة الكباش الروسي- التركي على الأرض السورية قائمة؛ وهي مرشحة؛ إما لمزيد من التصعيد، أو لاتفاق جديد ينهي الموجة الحالية من القصف والقتال.. والفاتورة سيدفعها السوريون كالعادة من أجسادهم وأملاكهم.. ومستقبل أيامهم.

وسوم: العدد 827