الجزية على المسيحيين في الرقة

ليس مشروعنا ... وليس باسم الإسلام .. ولا المسلمين في سورية

ولا بد لقولي هذا من حامل

زهير سالم*

[email protected]

ما تزال التصرفات المريبة في سياق هذه الثورة الوطنية المباركة تتناثر حولنا تترى . وفي كل يوم تحمل لنا الأخبار أنباء عن تصرفات شاذة وغريبة ومستنكرة شرعا وعقلا وفقها وسياسية ، يقدم عليها أشخاص قاصرة عقولهم ، حصرة صدورهم ، قليلة علومهم ، خفيفة أحلامهم . هم للرعونة والطيش ، إن لم نقل للريبة والزيغ ، أقرب منهم إلى الهدى والرشاد والتوفيق والسداد . قد انتزعوا لأنفسهم كنى هي بريئة منهم ، ولبسوا ثياب زور ترهلت على أجسادهم ، وأعلنوا عن كيانات ، ولطخوا من تاريخ أمتنا وشريعتنا عناوين وقيما ومصطلحات يعلم الله أنهم الأبعد عنها والأجهل بها وبمواقعها وأحكامها ..

وقد تتابعت شهادات الثقات من العقلاء والعاملين والمجاهدين أن داء القوم ومقتلهم ، ليس قي قلة فقه ، وصغر عقل ، وضيق صدر كما كنا نظن ونقدر ؛ وإنما داؤهم الدوي ، ومقتلهم الخفي في اختراق لقوى الشر لمنظومتهم ، وسيطرتها على قرارهم ، وتوظيفهم في مشروع غايته تشويه صورة الإسلام عقيدته وشريعته ومنهجه ، والإزراء على مشروعه ، وقطع الطريق على دعاته وأهله بما يخدم مشروع المستبدين الفاسدين والقتلة المجرمين حول العالم بشكل عام وفي العراق والشام ولبنان واليمن والبحرين بشكل خاص . حتى أصبح ظهر المشروعات الإسلامية والوطنية بما يفعله هؤلاء ، وبما يقدمونه من معاذير ومسوغات للأعداء مكشوفا ، وموقفها ضعيفا ، وظهيرها قليلا ، وخاذلها معذورا ..

وقد كان الكثير من أهل الفقه والحكمة والدراية قد وازنو بين المصالح والمفاسد فرأوا في احتمال المفسدة الصغيرة ، كما قدروها من أمر هذه الفئة الباغية الزائغة ، أهون وأيسر ؛ حتى تعاظم الناسَ الخطبُ واتسع عليهم الخرقُ وعسر الرقعُ وبدا أنه لابد لكلمة الحق من قائل ، ولموقف الدفاع عنه من حامل ، فكان ما كان من اقتتال مخيف على أرض الشام مع ثلة البغي نسأل الله السلامة منها ، وأن يهدي إلى الحق من علم فيه صلاحا وهدى ورشادا من أفرادها ، وأن يستنقذهم من الاضطراب في طرق الغواية تحت الرايات العمية التي لا يعلم لها صاحب ، ولا يدرك على الحقيقة من يسوسها ويدبرها ويمكر عليها و بها ، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومن عمياء أفعالهم ..

ولقد بلغ الاستكبار بأهل الزيغ من قادة هؤلاء أن جعلوا وراءهم ظهريا كل فتاوى العلماء الثقات المخلصين من تحريم القتل بالتفجيرات العشوائية المريبة التي تنال الناس المدنيين ( غير المحاربين ) ، وتسفك الدماء بغير ما جناية ولاسبب فمدوا أيديهم بالسوء إلى كل من حولهم فقتلوا وخطفوا واعتقلوا وعذبوا ودمروا واغتالوا وغدروا وخانوا ورفضوا وساطات الوسطاء والمصلحين وقرآننا يقول ( والصلح خير ) ويقول ( فأصلحوا بينهما ) ويقول ( إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم ) . ثم امتدت أيديهم إلى أموال  الناس فنهبوها بمعاذير وأساليب أقرب إلى أساليب الذين يريدون العلو والفساد والأرض ، لم يرحموا طفلا ، ولا شيخا ضعيفا ، ولا التمسوا عذرا ولا اتقوا شبهة عَدوا على الكبير والصغير والصحيح والمريض والسليم والجريح . وهم في كل ما يصدر عنهم من بغي وإثم وفجور إنما يسيرون على خطى من يسيرهم ممن اخترقهم من قيادات جند الشيطان في سورية وفي العراق وفي  إيران

وآخر ما وصل اليوم من أخبارهم الشنيعة وتصرفاتهم المريبة ما أقدموا عليه - فيما نشرت بعض مواقعهم -  من استدعاء المواطنين المسيحيين في مدينة الرقة الواقعة تحت أيديهم وتخييرهم كما قالوا أو كما زينت لهم عقولهم الصغيرة وفقههم المريض بين : الإسلام أو الجزية أو السيف ..

وهذا كلام يقتضي منا أصحاب المشروع الإسلامي – إن صح وما زلت أقول إن صح لأنني لا أكاد أصدق – بيانا شافيا نعلن فيه أن هذا الذي يفعله هؤلاء إنما يفعلونه خدمة لبشار الأسد ، ونصرة لمشروعه ، وبمشورة عملائه المتغلغلين بينهم بل المسيرين لهم ..

وأن هذا الذي أقدموا عليه أو أعلنوا عنه ليس من المشروع الوطني الإسلامي في شيء . فالمشروع الوطني الإسلامي في سورية يقوم كما قدمته جماعة الإخوان المسلمين على قاعدة السواء الوطني حيث تتجسد عدالة الإسلام بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات أساسه المواطنة التي هي حق يكتسبه المواطن منذ ساعة ولادته ، ليكون له ما للجميع وعليه ما عليهم ..

وكما أن هذا الذي أقدموا عليه ليس باسم حملة المشروع الإسلامي في سورية وعلى رأس هؤلاء كبرى الحركات الإسلامية فهو ليس باسم عامة المسلمين على اختلاف مذاهبهم فالسوريون جميعا مؤمنون بوحدتهم الوطنية مصممون على الدفاع عنها ، وعن بنائهم الوطني المتسق ومستقبلهم الوطني الواحد الذي يجمعهم ويوحدهم ويصونهم  ..

وأن هذا الذي أقدم عليه هؤلاء – إن صح – ليس باسم الإسلام ، فللإسلام في كل عصر علماؤه وحججه والناطقون عنه ، وقد مضى جمهور علماء الأمة منذ سنين طوال أن مصطلحات العيش المشترك وتعابيره وقواعده  قابلة للتغير والتطور بما يحقق مطلب الشريعة الأسمى ( قيام الناس بالقسط ) ( ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )..

نحن في موطن لم يعد يجوز فيه السكوت ، ولا يحتمل فيه الصمت ، ولا يقبل من أصحابه التواري عن مواجهة الحقائق . مشروعنا الحضاري تقدمنا به لأبناء شعبنا مشروع صدق وبر وقسط ووفاء ..

وإذا كان بشار الأسد وعصابته الهمجية يظنون أنهم يحرجوننا بفعل هؤلاء أو يمتحوننا بإعلان البراءة منهم أو يستعدون علينا بما يرتكبون من حماقة وإثم فها نحن نعلن جهارا وعلى رؤوس الأشهاد : : اللهم إنا نبرأ إليك مما يخلط ويخبط هؤلاء ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية