" عاد إلى حضن الوطن " لا تضعوا هذا العنوان في غير مكانه

موقفنا :

ومن الأسئلة التي وجهها هرقل إلى أبي سفيان وهو يستطلع أمر رسول الله : هل يرتد أحد من أتباعه عن دينه بعد الإيمان به ؟ يجيب أبو سفيان : لا ..

وأسئلة هرقل أسئلة ملوكية ذكية تستحق المزيد من العناية والتدقيق لإدراك مراميها ، وإدراك أن الرجل كان جادا وكان مهتما وكان ألمعيا في البحث عن الحق ؛ ولولا أن بطارقته نخروا لكان له مع الإسلام شأن آخر ؛ ولاسيما حين بشر : أن رسول الله صلى الله وسلم عليه ، سيبلغ موضع قدميه .

من العبارات الرائجة هذه الأيام على ألسنة بعض المعارضين عبارة " عاد إلى حضن الوطن " أو إلى " حضن بشار " بحق بعض محترفي الفن من ممثلين ومخرجين ومغنين أو بعض محترفي الدين ، من الذين قال الأول في لحاهم

ألا ليت اللحى كانت حشيشا   فنعلفها دواب المسلمينا

وأقول إن استعمال تعبير العودة القميء هذا بحق هؤلاء الناس خطأ مزدوج في التعبير عن الحقيقة من وجه وفِي الانعكاس على روح الموقف الثوري من وجه آخر ..

فتعبير عاد إلى الحضن يستخدم أصلا بحق من غادره ، بحق من أعلن انحيازا حقيقيا صادقا إلى دينه أو إلى وطنه أو إلى شعبه أو إلى قيم الحق والعدل والخير ..

أما هؤلاء الذين أخرجهم جبنهم وخوفهم وحبهم لحياةٍ أي حياة من مربعات جغرافيتهم طلبا للأمن الشخصي وخوفا من رذاذ الثورة أن يصيب ثيابهم ، ولم يعلنوا موقفا واضحا حاسما صريحا بانحيازهم إلى الثورة فهـؤلاء لم يغادروا دفء الحضن الأسدي أصلا ولذا فإن استعمال لفظ " العودة " إلى الحضن المذكور بالنسبة إليهم خطأ دلالي لا يسوغ في هذا المقام .

وفِي الوجه الثاني فإن الانعكاس التعبوي لمثل هذا الإعلان غير حميد . وكأن أمر الثورة كان موجة عابرة ، أو نزوة جامحة وأن هؤلاء الناس قد رفعت الغمامة عن أعينهم فقرروا العودة ..

هؤلاء الناس لم يحوزوا أصلا شرف الانحياز إلى الثورة حتى يحسب ترنحهم في الحمأة عليها . في مستنقعات الريبة والشك نُشّئوا وظلوا في ريبهم يترددون ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 828