الأمة تتطلع إلى رجلها الرشيد

تحديات الرجل الرشيد لا عجز .. ولا فجور

زهير سالم*

[email protected]

في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في كتاب الإمارة (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ..) .

في معادلة واقع الأمة اليوم أمر جلل بحاجة إلى إصلاح أو استدراك أو تقويم . سواد الأمة من عامة أبنائها أو ما يسمى بلغة العصر ( جمهورها ) ليس جاحدا ، ولا متسخطا ، ولا ناكرا لمعروف ، ولا عاجزا عن إدراك التحديات ( المعطيات والمقتضيات والاستحقاقات ) ؛ ولكنه في الوقت نفسه ، ينظر إلى مقعد الرشد في سياسة أموره  فيراه فارغا ، ويرى ثلة من العاجزين ، والوصف بالعجز نوع من الاعتذار للمتلبسين به ، قد أحاطت بقراره وبمصيره في كل مكان فأغلقت في وجهه الآفاق ، وسدت عليه المنافذ ، وزادت طين معاناته  بلة ، وضغثه إبالة ؛ فيذهب في مناح شتى من الاحتجاج أو الإنكار أو الادعاء  أو حتى اللعن والدعاء ، أو حتى التطرف والغي والتدعش...

ليس مستحيلا فيما نقدر وإن يكن صعبا ، كسر دائرة الشر التي تملك على الأمة أمرها ، فتقصي خيارها ، وتوسد أمرها إلى غير أهله ، فتغيب عن هؤلاء أهلية الأمانة أحيانا ، وأهلية القوة و الكفاءة أخرى، أو كليهما في وقت واحد فيكون من يتوسد أو يتسيد عاجزا وفاجرا معا ..

إن الاستدراك على معادلة (الاعوجاج العام ) بالتقويم والتسديد والإصلاح ، وفق سنن الله الماضية في الخلق ، وسيرورة التاريخ وصيرورته ؛ كل ذلك يقوم أصلا على حقيقة بأن الباطل مهما رغا وأزبد ذاهب جفاء وأن ما ينفع الناس هو الذي يبقى في الأرض ، فأولى بمن أراد بقاء أن يكون صالحا مصلحا ، معملا للسنن ، نازلا على حكمها ، مستثمرا فيها لا متحديا للناصحين بالرشد ، معرضا عن استحقاقات الإصلاح ودواعيه وأسبابه ومدخلاته .. .

إن الحديث عن مقعد ( الرجل الرشيد ) في واقع أمة المسلمين اليوم يبدأ من قناعة الرجل ( الإنسان )  بنفسه في نفسه . فهل هناك في القائمين على أمر المسلمين اليوم في أي قطر من أقطارهم ، وفي أي إطار من أطرهم ،من ينظر إلى نفسه بحق ومسئولية على أنه ( رجل الأمة ) ، وليس رجل السلطة ، رجل اللحظة بكل استحقاقاتها ، الكفء لكل تحدياتها يشهرها بغير تردد أو تلعثم : أنا لها ...أنا لها ؛ وليس رجل الغمرة  أصاب قصعة من عسل فطمع أن يزداد منها لعقة ..

ومن قبل قال الرشيد للسحابة  :أمطري حيث شئت ، ورد المعتصم على نداء امرأة سبية في زبطرة : ( لبيك يا أختاه ) ، بينما قال المستعصم  وجاريته ترقص بين يديه وهولاكو على أسوار بغداد : (إن التتار لن يبخلوا عليّ بملك بغداد ) ، وكان الثلاثة من بني العباس ؛ فلينظر رجل أين يضع نفسه ... .

وخاف الفاروق اللهَ أن يسأله عن دابة تعثر على شاطئ الفرات ، ويقول لو أن دابة عثرت على شاطئ الفرات  لخشيت ....فكم من مستغيث اليوم على شاطئ الفرات أعلاه وأسفله ولا من مستجيب ...

إن التحدي الأول على أجندة رجل الأمة الرشيد أن لا تكون ذاته جزء من مشروعه . وكل الذي عانت منه الأمة خلال قرن مضى هو بلاؤها بقادة على أكثر من صعيد جعلوا ذواتهم عنوان مشروعهم وصلبه . فظل الحفاظ على الموقع هو الأهم  ،وتقريب الأتباع والحماة هو الأصل . فدار كل شيء حول شخص الحاكم كما دار عابد الوثن بوثنه ، رآه الأول والآخر ، وهو لا يعدو مراح دابة حول حجر الراحى ..

والتحدي الثاني على أجندة رجل الأمة الرشيد ، هو أن يكون الرجل قادرا على أن  ينضم هو  إلى هذه الأمة أو أن  يضمها إليه ، بلا نبذ ولا إقصاء ولا تمييز . أن يكون قابلا للبحث عن شركاء وليس عن أتباع . الرجل الرشيد في العصر الذي نعيش هو الذي يدرك بما يملك من رشد : أن زمان الفرد قد ولى . وأن عصر الأمة قد استحكمت حلقاته فما منه من محيص ..

وأما التحدي الثالث ( فرؤية جامعة ) ما أمكن الجمع ، رؤية تمتح من معين الحق ، وتنظر بنوره ، وتنغمس في العصر ، وتستشرف آفاق المستقبل ، وتنتمي بكل المعاني إلى إنسانية الإنسان ...

أمام واقع محبط بكل ما فيه تتلاشى خير أمة أخرجت للناس ، وتتلاشى بين يديها كل قلاع الصمود ، وحصون المقاومة فيها . يحدث كل ذلك بين فجور الفاجرين وعجز العاجزين ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية