نص كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال لقاء مع صحافيين أتراك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها الإخوة الأعزاء والأخوات الكريمات:

يسعدنا أن نكون معكم في هذا اللقاء الإعلامي الأول من نوعه الذي يربط بين فلسطين وتركيا.

ويشرفني في البداية أن أوجه خالص التحية لفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وللشعب التركي الشقيق الذي يعبر في كل المحطات عن ارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية وبالقدس وبالأقصى.

وهذه فرصة مواتية من أجل شرح مواقف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تجاه التطورات التي تحيط بالقضية وبالمنطقة بشكل عام، وهي فرصة لتبيان الأسس التي تربط فلسطين بتركيا، عبر قواعد العلاقات الأخوية والسياسية التي تجمعنا منذ زمن طويل، وحتى هذه اللحظة، وفي المستقبل.

أشير إلى أن الموقف التركي من القضية الفلسطينية هو تاريخي قديم، ولكنه تطور بشكل كبير وملحوظ خلال العقد الماضي، حيث تحركت تركيا لدعم القضية الفلسطينية على ثلاثة أبعاد:

البعد الأول: البعد السياسي:

تمثل ذلك في تبنى القضية الفلسطينية من قبل رئيس الجمهورية والحكومات التركية المتعاقبة في المحافل الإقليمية والدولية كافة؛ دفاعاً عن الحق الفلسطيني في وجه السياسات الاحتلالية، وخاصة ما تتعرض له القدس، والاستيطان، وحصار غزة، وظهر ذلك جلياً في محطات فارقة ستظل حاضرة في الذاكرة الفلسطينية والتركية على حد سواء، سواء كانت الخطابات الواضحة التي ألقاها فخامة رئيس الجمهورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو من خلال ترأسه لمنظمة التعاون الإسلامي، أو في المحافل الإقليمية التي شارك فيها، وما زلنا نستحضر ذلك الموقف البطولي والشجاع للرئيس أثناء مؤتمر دافوس، حيث وجه كلاماً معبراً عن ضمير الأمة العربية والإسلامية، بل عن ضمير أحرار العالم، لشمعون بيرس، ووجه له الاتهامات مباشرة بشأن ما ترتكبه (إسرائيل) تجاه الشعب الفلسطيني وخاصة حصارها لغزة.

ثم وجدنا هذا الجهد وهذا التضامن من خلال الاجتماعات الطارئة التي دعت إليها الجمهورية التركية لمنظمة التعاون الإسلامي؛ لمواجهة القرارات والمخططات الصهيونية تجاه المسجد الأقصى، وتجاه القدس بشكل عام.

البعد الثاني: البعد الاقتصادي الإنساني:

حيث إن تركيا سواء على البعد الرسمي عبر وزاراتها ذات الاختصاص، أو عبر المؤسسات الأهلية والمجتمعية، قد قدمت للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، وتحديداً لأهلنا في غزة في ظل سنوات الحصار، قدمت سيلاً متدفقاً من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى قطاع غزة عبر المؤسسات ذات الاختصاص التي تعمل داخل الأرض الفلسطينية، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص.

البعد الثالث:

يتمثل بقمة التضحية التي عبر عنها الشعب التركي الشقيق في التضامن مع قطاع غزة، وحصار غزة، والمطالبة بكسر هذا الحصار من خلال المسيرة البحرية (أسطول الحرية) والشهداء الذين ارتقوا قرابة 9 من الشهداء الأتراك بفعل الهجمة والقرصنة الصهيونية تجاه المتضامنين من الشعب التركي وعموم الجنسيات التي ركبت البحر من أجل كسر الحصار عن غزة، وهذا كان يمثل قمة التضحية وقمة التضامن من الشعب التركي الشقيق؛ إنه يدفع دمه رخيصا من أجل القدس، ومن أجل فلسطين، ومن أجل كسر الحصار عن قطاع غزة.

لذلك هذه الأبعاد الثلاثة التي تجلت خلال 10 سنوات مضت بكل وضوح في الموقف التركي الثابت والأصيل في دعم القضية الفلسطينية ورفض العدوان والاحتلال الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية تجاه شعبنا وقضيتنا وحقوق شعبنا في الداخل والخارج.

يتوازى مع ذلك، العلاقة المتوازنة ووقوف تركيا على مسافة واحدة من المكونات داخل الساحة الفلسطينية، سواء كان مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح، أو مع حركة حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية.

 تركيا ومن خلال علاقتنا وجدنا أن لها علاقة مميزة مع طرفي المعادلة السياسية داخل الساحة الفلسطينية (حركة فتح وحركة حماس).

ونحن نعبر عن تقديرنا العالي لهذه العلاقة، ومتمسكون بهذه العلاقة، بل وبتطويرها على الصعد كافة التي تمثل الاهتمام المشترك.

ثانيا: أتطرق إلى التطورات السياسية التي تحيط بالقضية الفلسطينية والمنطقة بشكل عام، وفي توصيف للبيئة الاستراتيجية التي تحيط بنا نجد أنها تحمل الكثير من التحديات، وأيضا الكثير من الفرص، ولكن تصل في مستوى من هذه التحديات إلى درجة التهديدات الاستراتيجية للقضية الفلسطينية، ولتماسك المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام.

وفي إطار توصيف البيئة الاستراتيجية على المستوى الإسرائيلي هناك حكومة يمينية هي الأكثر تطرفا من بين الحكومات الصهيونية المتعاقبة، وهي حكومة لا تعترف بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، ولا تعترف حتى بمسيرة التسوية ولا باتفاقية أوسلو، رغم أن هذه الاتفاقيات منحت الاحتلال أكثر 78% من أرض فلسطين، والاعتراف والتعاون الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

وهي حكومة أطلقت العنان للمستوطنين والاستيطان، وتلتهم الأرض، وتهود القدس، وتعمل على التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك، وشنت حروبا على قطاع غزة، وما زالت أيضا تحاصر شعبنا في القطاع، ولا تعترف بما يسمى حل الدولتين، ولا تعترف بحق اللاجئين في العودة، ولا تعترف بالقدس ولا بجزء منها عاصمة للدولة الفلسطينية التي يفترض أن تكون على حدود عام 67 وفق الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية.

على المستوى الإقليمي نجد بأن الواقع الإقليمي فيه كثير من التعقيدات، وكثير من الاضطراب والصراعات، منها صراع مذهبي وطائفي وحدودي، وبما لا شك فيه أن المنطقة خلال العشر سنوات الماضية مرت بظروف استثنائية لم تكن معهودة من ذي قبل؛ لذلك وجدنا أن المنطقة رخوة؛ سهل اختراقها، تسارعت خطوات إدماج الاحتلال الإسرائيلي فيها.

على المستوى الدولي فإن الإدارة الامريكية هي الأكثر تطرفا من بين الإدارات السابقة، حكومة ترامب أعلنت عن صفقة القرن واتخذت قرارات غير مسبوقة: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبار القدس عاصمة موحدة للكيان الإسرائيلي، وضم الجولان العربي السوري المحتل، وإعطاء الضوء الأخضر لبسط السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، وتغطية العدوان والحصار على غزة.

ثم بعد ذلك تسعى هذه الإدارة في ظل حالة الضعف الذي تمر به المنطقة العربية والإسلامية، وأيضا مستفيدة من حالة الانقسام الفلسطيني، قد عقدت مؤتمرات وارسو والمنامة من أجل إطلاق قطار التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية، خاصة تلك التي تشارك في هذه المؤتمرات.

إذن البيئة الداخلية الفلسطينية والمتعلقة بالاحتلال والبيئة الدولية تحمل الكثير من التحديات للقضية الفلسطينية وللمنطقة بشكل عام، ومن هنا أريد أن أؤكد بأن صفقة القرن لا تستهدف القضية الفلسطينية فقط، بل أيضا تهدف إلى تطويع المنطقة والقوى المؤثرة فيها من أجل الاستجابة والتعاطي مع الرؤية الأمريكية الصهيونية لحل القضية الفلسطينية، وأيضا لطبيعة تركيب المنطقة.

أمريكا خلال المرحلة سعت إلى تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يؤمن المصالح العليا الأمريكية على حساب المصالح الحيوية لدولنا الإسلامية، وفي مقدمتها تركيا وايران وغيرها من الدول، وكذلك تريد أن تؤمن المجال الحيوي أمنيا وسياسيا للاحتلال الإسرائيلي من خلال المعالجة المنقوصة والمدمرة للحقوق والثوابت الفلسطينية.

ما تتعرض له تركيا على سبيل المثال من محاولة حصار، ومحاولة إشغالها داخليا، وخلق بيئة متوترة محيطة بها، ومنعها من امتلاك أوراق قوة كما هو واضح في الموقف الأمريكي من صفقة صواريخ إس 400، كل ذلك يؤشر إلى أن صفقة القرن ليست فقط ذات بعد فلسطيني، بل ذات بعد إقليمي يتعلق بمراكز القوة في المنطقة.

ومن هنا نجد أيضا الحصار الذي يفرض والتهديدات والتلويح باستخدام القوة العسكرية  ضد إيران، ومحاولة إشغال قوى ودول كبرى بظروفها، سواء الخاصة أو من خلال محاصرة دورها، كدولة مصر وما تمثله من قوة إقليمية كبرى عربيا وإقليميا، وموقعها الحدودي والجغرافي من قطاع غزة، هناك محاولات أمريكية وإسرائيلية لحصر الدور المصري في اتجاهات معينة، بحيث ألا تأخذ مصر كإحدى ركائز القوة في المنطقة دورَها التاريخي والطليعي في هذا الموضوع.

تشجيع أمريكا على استمرار الحروب في المنطقة؛ سواء السعودية مع اليمن أو التوتر السعودي الإيراني، ومحاولة الابتزاز السياسي والمالي من قبل الإدارة الأمريكية لدولنا الخليجية، نحن أمام سيناريو خطير هو أبعد من حدود الجغرافية الفلسطينية، بل له امتدادات نحو المنطقة والقوى المؤثرة فيها.

من هنا لا بد من التأكيد على أهمية وضع استراتيجية فلسطينية أولا، ثم استراتيجية فلسطينية مع الدول المحيطة بفلسطين، من هنا أؤكد بأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تتحرك في المرحلة القادمة وفق الأولويات التالية:

على رأس هذه الأولويات التمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية غير القابلة للتصرف أو التنازل أو التفريط، ومن هنا نحن أعلنا موقفنا بكل وضوح أننا ضد صفقة القرن، وأن هذه الصفقة لا ولن تمر، واتخذنا الكثير من الخطوات الداخلية والخارجية من أجل قطع الطريق على هذه الصفقة من أن تحقق أهدافها.

من هنا نحن نتمسك بالأرض الفلسطينية والدولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، ونتمسك بحق العودة وتحرير أسرانا من سجون الاحتلال، وأيضا نتمسك بحرية الحركة بيننا وبين محيطنا الإقليمي والدولي.

لن نقبل بأي اتفاقية أو أي صفقة تمس الحقوق الثابتة لشعبنا وأمتنا في الأرض الفلسطينية، وفي القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، هذه الأولوية الأولى.

الأولوية الثانية التي نعمل على أساسها، العمل على استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية على أساس الاتفاقات الموقعة، ومبدأ الشراكة بين كل المكونات الفلسطينية، نحن ندرك في حركة حماس أن العامل الحاسم في مواجهة صفقة القرن هو العامل الفلسطيني؛ أنه إذا كان قويا موحدا فلن تتمكن أي قوة من تمرير أي حل على حساب حقوقنا وثوابتنا الوطنية، ومن هنا فإن حركة حماس تتجاوب مع كل المساعي الهادفة إلى استعادة الوحدة الوطنية، والمساعي المصرية الرئيسية والجوهرية، ونحن تعاونا أيضا مع الإخوة في تركيا في أكثر من محطة على هذا الطريق، وقدمنا أيضا رؤيتنا لتحقيق المصالحة للسيد رئيس الجمهورية التركية، وتعاونا مع المساعي القطرية واللبنانية، ومع الكثير من الأطراف التي تدخلت من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وأؤكد لكم أننا حريصون على تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني.

الأولوية الثالثة التي نتحرك على أساسها هي حماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية بما تمثله القدس للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية وللمسيحيين الأحرار في كل أنحاء العالم، من هنا لا نعترف بالقرار الأمريكي بنقل السفارة للقدس، ولا نعترف بالقرار الأمريكي الصهيوني بأن القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ومن هنا نضع استراتيجية متكاملة على الأرض وفي السياسة والإعلام؛ لتعزيز صمود أهلنا في القدس، وتشجيع كل الدول من أجل أن تأخذ دورها في تعزيز صمود أهلنا، وفي حماية القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.

هذه الأولوية في غاية الأهمية، ومرتبط بها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ورأينا في الأيام الماضية كيف تحرك شعبنا في كل المخيمات في لبنان رفضا لقرار وزير العمل المتعلق بالمؤسسات والشركات والعمال الفلسطينيين، كيف تحركت المسيرات والتظاهرات والاعتصامات، وكيف تضامن شعبنا في الداخل والخارج مع أهلنا في لبنان رفضا لهذا القرار، وتأكيدا على احترام الحوار اللبناني الفلسطيني الذي يضع ملف الظروف الإنسانية والمعيشية لأهلنا في المخيمات على الطاولة.

الأولوية الرابعة هي العمل على حماية مشروع المقاومة الفلسطينية الشاملة بكل أشكالها الشعبية والسلمية والمسلحة والدبلوماسية والسياسية والإعلامية والاقتصادية، ومن هنا انطلقت مسيرات العودة وكسر الحصار منذ أكثر من 68 أسبوعا في قطاع غزة، حيث يزحف عشرات الآلاف في كل يوم جمعة على بوابات وحدود قطاع غزة تأكيدا على تمسك شعبنا بحق العودة، وكسر الحصار عن غزة، هذا جزء من المقاومة الشاملة التي نعتبرها استراتيجية ثابتة لا تراجع عنها.

الأولوية الخامسة هي تعزيز علاقاتنا بمحيطنا العربي والإسلامي، نحن نرى بأن هذا المحيط يمثل عمقا استراتيجيا للقضية الفلسطينية، هي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية العرب والمسلمين، بل هي قضية أحرار العالم؛ لذلك نحن معنيون أكثر من أي وقت مضى بتعزيز التعاون والتشاور والشراكات الاستراتيجية مع محيطنا العربي والإسلامي، خاصة مع الدول الوازنة والمؤثرة للوصول إلى مواقف موحدة للتصدي لصفقة القرن، ولكل محاولات تصفية القضية أو تفتيت المنطقة، لصالح المشروع الصهيوأمريكي.

الأولوية السادسة والأخيرة هي أيضا الانفتاح على كل مكونات المجتمع الدولي رسميا وشعبيا، وتثمين كل المواقف الدولية الشعبية والرسمية التي تدعم الشعب الفلسطيني التي ترفض الصفقات المشبوهة، والتي لا تتعاطى مع البلطجة الأمريكية، وهنا نحن نعتز بحركات المقاطعة المنتشرة في كثير من الساحات الأوروبية، والمسيرات والمؤتمرات التضامنية، ونحيي المؤسسات العاملة في هذا المجال سواء كانت رسميا أو شعبيا، وهناك الكثير المواقف التي عبرت عنها كثير من الدول عبر التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح الحق الفلسطيني، ومع المظلومية التاريخية الفلسطينية؛ ولذلك نحن معنيون في حركة حماس بالانفتاح على الجميع، نحن حريصون على الحوار مع الجميع، فقط نحن لا مفاوضات مباشرة بيننا وبين الاحتلال الصهيوني.

هذه تقريبا الأولويات الرئيسية التي نعمل عليها في المرحلة القادمة، ونجدد التحية والتقدير لكل المشاركين في هذا اللقاء، وأعبر لكم عن ترحيبي بكل الأسئلة التي ستطرحونها:

ما هو تأثير الصراع على الغاز في منطقة البحر الأبيض المتوسط على القضية الفلسطينية؟

الغاز في منطقة البحر الأبيض المتوسط يعتبر أحد مساحات صراع الإرادات بيننا وبين الاحتلال الإسرائيلي، كما لا يخفى عليكم هناك حقول للغاز تقع في المياه الإقليمية لقطاع غزة كان بموجب اتفاقيات أوسلو قد رست مناقصات لهذه الحقول على شركة بريتيش غاز لمدة 20 سنة، وللأسف الشديد من يتمعن في تفاصيل هذه الاتفاقيات يجد أنها تعطي الحق الكامل للاحتلال والشركات الأجنبية للتنقيب والاستفادة من هذا الغاز دونما مراعاة المصالح الفلسطينية، ما زلنا حتى هذه اللحظة محرومين من الاستفادة من هذه الحقول، ونحن في إطار التفاهمات التي كنا نتحدث عنها في موضوع مسيرات العودة وكسر الحصار طرحنا هذا الموضوع على طاولة البحث، وطلبنا كيف يمكن أن يستفيد قطاع غزة من هذه الحقول التي تقع في حدوده بشكل مباشر وقريب جدا.

نلاحظ أيضا، الصراع حتى في المياه الإقليمية اللبنانية ومحاولات الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة وبسط نفوذه على حقول الغاز على حدود لبنان، لذلك فإن هذه القضية هي إحدى ساحات صراع الإرادات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي إحدى كوارث اتفاقيات أوسلو وباريس الاقتصادية التي أطلقت اليد الإسرائيلية للاستفادة من كل هذه الثروات، وربطت الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي.

واحدة من الأهداف الرئيسية التي نعمل على أساسها هو فك الارتباط بين الاقتصاد الفلسطيني واقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، وموضوع الغاز أحد المسائل المهمة التي هي على طاولة متابعة بحثنا ونقاشنا حتى مع الأطراف الوسيطة؛ الإخوة في مصر وقطر، والأمم المتحدة، نحن تحدثنا في هذا الموضوع في مفاوضات غير مباشرة من أجل التوصل إلى تفاهمات مرتبطة بمفاوضات التهدئة في قطاع غزة.

إسرائيل تحاول إظهاركم دائما في الإعلام الغربي كمنظمة إرهابية تبحث عن السلاح من أجل أن تصل إلى أهدافها، وتود أن تزيل اليهود عن وجه الأرض، هل ستغيرون سياستكم في المقاومة ورفض الاعتراف بإسرائيل؟

مما لا شك فيه أن الرواية الإسرائيلية طاغية في وسائل إعلام غربية، ومؤثرة بحكم الإمبراطورية المالية واللوبيات الصهيونية العاملة في كثير من هذه الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي تدفع دائما إلى توصيف مقاومة الشعب الفلسطيني على أنها (شكل من أشكال الإرهاب)، وللأسف الشديد تتعاطى بعض الدول مع هذا التوصيف، لذلك الولايات المتحدة الأمريكية تصنف حركة حماس وحركات المقاومة بأنها منظمات إرهابية، وأيضا جرى ذلك على تصنيف الاتحاد الأوروبي لحركة حماس، هذا نتاج غيبة الضمير العالمي وتجاوزه لمقررات الشرعية الدولية، ومقررات جمعية الأمم المتحدة وجنيف التي تؤكد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال حتى نيل استقلالها، بما في ذلك حقها في المقاومة المسلحة، هذا ما نصت عليه المواثيق الدولية، وهذا ما سارت عليه كل الشعوب التي عانت من الاحتلال بما في ذلك الشعوب الأوروبية نفسها، أوروبا عندما كانت في مرحلة الصراع والاحتلالات المتبادلة، فإن الشعوب الأوربية نفسها قاومت وقاتلت واستخدمت كل الوسائل من أجل أن تحقق أهدافها وتطلعاتها، أكدنا مرارا أنه إذا كانت المسارات الدبلوماسية والسياسية يمكن أن تحقق لشعبنا الفلسطيني كامل حقوقه فأهلا وسهلا، ولكن جربنا هذا الطريق 25 سنة من المفاوضات وكانت المحصلة صفر، وبالتالي شعبنا من حقه أن يمارس هذه المقاومة الشاملة، مسيرات العودة وكسر الحصار بعشرات الآلاف كل يوم جمعة تخرج، ولا يوجد أي شكل من أشكال السلاح المستخدم ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالرغم أن الجيش يستخدم الرصاص الحي ضد المدنيين، وهناك أكثر من 340 شهيدا وعشرات الآلاف من الجرحى، ومنهم آلاف المعاقين بسبب تلك الأعمال الإرهابية الإسرائيلية.

هذا شكل من أشكال المقاومة، حينما نرابط في المسجد الأقصى فرباطنا مقاومة، وحينما تخرج مظاهراتنا ومسيراتنا في الضفة الغربية، ونحن نلجأ إلى الكثير من الوسائل الشعبية في المقاومة، وهذا لا يعني أن نسقط المقاومة المسلحة لأن الجيش الإسرائيلي يستخدم الطيران والدبابات والمدفعية في قتل أبناء شعبنا الفلسطيني.

هل تقبلون بدولة فلسطينية على حدود 67؟

البرنامج الفلسطيني المشترك قائم على إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس وحق العودة، ونحن ذكرنا في الوثيقة السياسية التي صدرت قبل عامين عن الحركة أنه في إطار البرنامج السياسي المشترك والبرنامج المرحلي، فإن حركة حماس لا تعارض إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 67 وعاصمتها القدس وحق العودة باعتبار أن هذا برنامجا سياسيا مشتركا مع الفصائل الفلسطينية، ولكن ليس على حساب المواقف الاستراتيجية الثابتة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعدم الاعتراف وعدم التنازل، المشكلة اليوم ليست فلسطينية ولا عربية، بمعنى هل نقبل بدولة على حدود 67 أم لا، المشكلة دائما في الموقف الصهيوني المتعنت.

في ظل التوتر السياسي في إسرائيل وفشل تشكيل الحكومة وقرار إعادة الانتخابات، هناك أصوات لشن عدوان على قطاع غزة، هل تمتلك حماس البنى التحتية العسكرية للرد على الهجمات الإسرائيلية في حال حدثت؟

أود أن أشير أن الاحتلال الإسرائيلي والجيش الصهيوني لا يريد مبررات لشن عدوان شامل على قطاع غزة وعلى شعبنا بشكل عام، أذكر بأن الحرب التي شنها العدو الإسرائيلي سنة 2009 على قطاع غزة لم يكن هناك إطلاق لصواريخ من المقاومة، بل إن صواريخ المقاومة في ذلك الوقت كانت محدودة التأثير ومحدودة المسافات، لكن طائرات الاحتلال قامت وفي وقت قصير بقتل حوالي 350 شهيدا من أفراد الشرطة والمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة بطائرات إف 16، ثم واصلت عدوانها لمدة 23 يوما، وأسفرت عن أكثر من 1500 شهيد وعشرات آلاف الجرحى، والبيوت التي دمرت، وبشكل مشابه في حرب 2012، و2014 وعلى مدار 51 يوما، وصلت الأمور لقصف أبراج سكنية كاملة، وقتل عائلات بكاملها، مثل عائلة الأسطل والسموني والنجار وحدايد.

إذن المقاومة الفلسطينية في موقف الدفاع عن النفس، مقابل جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ضد أهلنا في قطاع غزة، ما زلنا نعاني من آثار الحروب الثلاث، ما زالت هناك مشاكل في الإعمار والبنى التحتية؛ لأن قطاع غزة تحت الحصار لأكثر من 12 عاما، وهناك الكثير من المعاناة الإنسانية، ومزيد من الحروب يمكن أن تخلف المزيد من المعاناة لأهلنا في قطاع غزة، لكن ما أود الإشارة إليه أننا شعب لا يستسلم، والمقاومة قوية وعصية على الكسر، وقادرة على الرد كما حصل في الأيام التي سبقت شهر رمضان المبارك قامت المقاومة بالرد على عدوان الجيش الإسرائيلي بشكل أرغم قادة الاحتلال على قبول وقف إطلاق النار.

المقاومة هي في موقع الدفاع عن الشعب، وهي عصية على الكسر، والمقاومة متطورة، لكن الاحتلال دائما من يبدأ العدوان ويرتكب المجازر ضد أهلنا، وقمة مظاهر هذا العدوان الحصار المفروض علينا منذ أكثر من 12 سنة.

في الأيام الماضية صدر تصريح من قيادة حماس حول الخروج من سوريا، هل هناك أي مبادرة لتحسين العلاقة بين حماس ونظام الأسد؟

أود أن أشير في البداية إلى أن العلاقة بين حماس وسوريا كانت علاقة قوية واستراتيجية، وحماس كانت محتضنة من الدولة والشعب السوري على حد سواء، وحينما بدأت الأحداث في سوريا فإن قيادة حماس متمثلة في الأستاذ خالد مشعل بذلت جهداً كبيراً جدا مع القيادة السورية من أجل احتواء هذه الأحداث وفتح حوار مباشر بين الدولة السورية والشعب في المدن التي شهدت الحراك الجماهيري، خاصة في البداية، حركة حماس كانت ترى بأن الحل الأمني لا يمكن أن يكون طريقا للمعالجات، ولكن بالتأكيد حماس لا تستطيع أن تفرض رأيها، وهي لا تتدخل في الشأن السوري أو في غيرها من الدول، حينما لم تنجح الحركة باعتماد الحوار بين الدولة السورية ومكونات داخل الشعب السوري، وتطورت الأحداث ودخلت في سياقات دموية، خرجت قيادة الحركة من سوريا، وحماس يؤلمها كثيرا ما أصاب الشعب السوري وما آلت إليه الدولة السورية بشكل عام، لأن سوريا دولة ذات ثقل في المنطقة، وذات ارتباط تاريخي بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، التصريحات التي نسبت إلى بعض إخواننا بأنه كانت هناك أخطاء لدى قيادة حماس حينما خرجت من سوريا، أنا أعتقد أن هذه التصريحات ليست صائبة، لأنه حينما خرجت حماس من سوريا كان الموقف صحيح في حينه، حينما تقرر حماس ترتيب العلاقات مع سوريا أو غيرها من الدول أيضا سيكون القرار صحيحا، حينما خرجنا كان القرار مؤسساتياً، وإذا قررنا أن نعيد العلاقة فسيكون القرار مؤسساتياً.

 القرار الصحيح يخرج دائما في إطار شورى ومؤسسي وقراءة لما يحيط بهذا القرار حال صدوره ، ولذلك فإن محاولات بعض وسائل الإعلام الاتكاء على بعض العبارات أو الألفاظ التي صدرت عن هذا الأخ أو هذا الأخ، واستخدامها كأن حركة حماس تجرم نفسها هو تحليل واستخدام غير سليم.

 ونحن في هذه اللحظة كل ما نتمناه أن تعود سوريا إلى عافيتها واستقرارها، وإلى دورها التاريخي والطليعي في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ونحب لأهلنا وشعبنا الفلسطيني الذين يقيمون في مخيم اليرموك أو في غيره من المخيمات في سوريا أن يعيشوا ظروفا آمنة ومستقرة وبعيدة عن أي تهديدات من أي جهة كانت.

هناك جيل فلسطيني جديد نشأ في ظل الحصار، وما زال الحصار يتفاقم على كثير من الصعد، والتعقيدات تزداد في البيئة المحيطة، ما هي الأجندة لدى حركة حماس في فك هذا الحصار؟

منذ أن فزنا في الانتخابات عام 2006 تعرضنا لحرب ثلاثية الأبعاد، البعد الأول هو الاقتصادي الإنساني من خلال فرض الحصار على غزة، والبعد الثاني هو عسكري من خلال الحروب الثلاث التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، والبعد الثالث هو سياسي من خلال عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وعزل الحكومة العاشرة التي ترأستها، ثم حكومة الوحدة الوطنية، وعدم إعطاء هذه الحكومة المساحة اللازمة للقيام بالتزاماتها وواجباتها تجاه شعبنا الفلسطيني.

 هذا الحصار يعتبر أحد جرائم الاحتلال الإسرائيلي والعقاب الجماعي ضد شعبنا وأهلنا في قطاع غزة، نحن لم نستسلم أمام هذا الحصار؛ وتحركنا في أكثر من اتجاه لرفع الحصار عن قطاع غزة.

أولا بذلنا جهدا كبيرا جدا مع الدول من أجل توفير مستلزمات الصمود ومواجهة هذا الحصار، وكما أشرت أن دولة مثل تركيا كان لها دور كبير في تقديم المساعدات والعون لأهلنا في قطاع غزة، والإخوة في دولة قطر الذين أنفقوا ما يقرب من مليار دولار في مجال الإعمار والبنى التحتية والتشغيل، بما في ذلك المنح القطرية الشهرية التي جاءت مؤخراً بالمرسوم الأميري، بموجب التفاهمات مع الاحتلال.

وهناك دول ومؤسسات عديدة وقفت إلى جانبنا نتيجة الاتصالات السياسية المباشرة وغير المباشرة التي قمنا بها.

وفي مسار آخر عملنا على دك أسوار هذا الحصار، وتجلى ذلك من خلال مسيرات العودة وكسر الحصار، قلت بأن أكثر من 68 أسبوعا على هذه المسيرات وما زال شعبنا مصمما على أن يسقط هذا الحصار مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات.

وتعاطينا على هذا الطريق إيجابيا مع كل التفاهمات التي يمكن أن تؤمن حقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والحياة الكريمة والإنسانية لقطاع غزة.

الأمر الثالث الذي حاولنا من خلاله إنهاء الحصار هو العمل لتحقيق المصالحة الفلسطينية، بحيث تكون هناك حكومة فلسطينية واحدة في الضفة وغزة، وتعاطينا إيجابيا مع ذلك في اتفاق الشاطئ والقاهرة وبيروت والدوحة، كل ذلك من أجل أن يكون هناك حكومة واحدة تدير شؤوننا في غزة والضفة، وسعينا إلى سحب الذرائع من الاحتلال الإسرائيلي، ومن أي جهة كانت تريد أن يستمر هذا الحصار تحت مبرر بأن هناك انقساما، و أنه لا توجد حكومة واحدة في الضفة وغزة.

وأيضا من المسارات التي سرنا بها من أجل تخفيف هذا الحصار هو العلاقة مع أشقائنا في مصر وتطويرها، والانتقال بها من مربع الخصومة السياسية والإعلامية التي مرت في السنوات السابقة، إلى علاقة إيجابية ومتطورة، ونتج عن ذلك فتح معبر رفح، وتدفق البضائع المصرية إلى غزة، ودخول السولار المصري إلى محطة الكهرباء، ومد خط كهربائي من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية.

إذن نحن سرنا في مسارات متعددة: مسار العمل السياسي والإعلامي، ومسار الصمود ومسيرات العودة وكسر الحصار، ومسار المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ومسار تنظيم وتطوير العلاقة مع الأشقاء في مصر، هذا إلى جانب القوافل المتضامنة التي وصلت من كل أنحاء العالم بجهد الخيرين من أبناء الأمة، وقبل أيام كنا في استقبال قافلة أميال من الابتسامات، وهذه قافلة مستمرة منذ بداية الحصار، وهناك قوافل أردنية وقوافل طبية وصحية، ومستشفيات ميدانية، ونحن نتعاطى إيجابيا مع كل المشاريع ومع كل الأفكار التي من شأنها تخفيف الحصار عن قطاع غزة.

نحن تنازلنا عن الحكم من أجل سحب الذرائع وإنهاء معاناة أهلنا في قطاع غزة.

لا شك في أن التفاهمات التي توصلنا إليها مؤخرا تقطع شوطا على طريق تخفيف المعاناة عن قطاع غزة، وهناك الكثير من المشاريع بموجب هذه التفاهمات من المفترض أن تجد النور، وأن تتحرك للأمام حتى يجد المواطن الفلسطيني ثمرة هذه التفاهمات، وهناك مشاريع بدأ بتنفيذها، ولكن للأسف الشديد هناك تلكؤ وبطء في تنفيذ الالتزامات المترتبة على الاحتلال، لذلك من هنا أوجه النداء لكل أحرار العالم ولأصحاب الضمائر الحية وللدول الصديقة والشقيقة، وأوجه النداء للسيد رئيس الجمهورية التركية أن يتقدموا أكثر وبخطى أسرع من أجل إنهاء هذا الحصار وهذه المعاناة التي خلفت الكثير من المآسي في كل القطاعات، ولكم أن تتصوروا بأن القطاع الصحي يكاد أن ينهار، لا أجهزة طبية، ولا أدوية، ولا معدات، ووقف العلاج الخارجي، وهناك معاناة حقيقية لمليوني فلسطيني، وتقرير الأمم المتحدة أشار بأنه لن تكون هناك مياه صالحة للشرب خلال 2020 في غزة، هناك معاناة حقيقية فيما يتعلق بأسس الحياة للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة.

وأنا أعرف أن تركيا قد اشترطت على العدو الإسرائيلي جراء ارتكابه المجزرة ضد أسطول الحرية، رفع الحصار عن قطاع غزة حينما تمت إعادة ترسيم العلاقات مع هذا الاحتلال، ووضعت شروطا ثلاثة لهذا الموضوع متعلقة بقضية غزة وبالحصار بالدرجة الأساسية، ولكن للأسف الشديد إن الاحتلال لم يحترم توقيعه، وتنصل من الالتزامات المترتبة عليه في هذا الملف.

وأنا أعرف أن الأشقاء في تركيا غاضبون لهذا الموقف الإسرائيلي، ويمارسون ضغوطا كبيرة على الاحتلال الإسرائيلي لكي ينفذ التزاماته التي حكمت مسار المفاوضات المتعلق بأسطول الحرية.

من هنا مرة ثانية أؤكد بأن غزة ما زالت تعاني من الحصار، وما زلنا نؤكد ضرورة أن تكون هناك وقفة جادة تلزم العدو الصهيوني بوقف هذه الجريمة الإنسانية عن أهلنا وشعبنا في غزة.

ومن ناحيتنا لن نتوقف، سنواصل مسيراتنا، سندك هذا الحصار بكل الوسائل الممكنة، ولن نقبل أن تستمر هذه المعاناة لمليوني فلسطيني داخل قطاع غزة.

بعض الدول العربية شاركت في مؤتمر البحرين، وأنت قلت بأن أجندتكم تهدف إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية، كيف ستتعاملون مع هذا الموقف؟

لدينا علاقات مفتوحة تقريبا مع جميع الدول العربية والإسلامية، وحماس تتبنى سياسة الانفتاح على الجميع، وهي تتحرك في المربع المشترك لهذه الدول، ولدينا علاقات جيدة مع مصر، وقطر، وإيران، وتركيا، وكان لدينا علاقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية، حتى البحرين سابقا قمنا بزيارات متعددة لدولة البحرين، سواء في رئاسة الحركة أو الحكومة، لدينا علاقات مع دول المغرب العربي، وموفدونا لا يتوقفون عن الوصول إلى الكثير من هذه الدول، حتى وصلنا إلى فتح حوار استراتيجي مع العديد من الدول العربية بما فيها مصر، صحيح لم نصل إلى كل ما نريده من هذا الحوار، لكن هذا يعكس بشكل أو بآخر طبيعة ونظرة حماس لمنظومة علاقاتها السياسية مع محطيها العربي والإسلامي، هذا أولا.

ثانيا، حركة حماس تؤكد أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن علاقتها مع أي دولة لا تكون على حساب علاقتها مع دولة أخرى، حركة حماس ليست في محور ضد آخر في المنطقة، وهي تسعى بكل ما تملكه من تاريخ ومكانة في الساحة الفلسطينية إلى أن توحد الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه الحقوق، وتجاه دعم الشعب الفلسطيني.

أحدثكم اليوم ووفد قيادي برئاسة نائبي الشيخ صالح العاروري متجها إلى طهران، والدكتور موسى أبو مرزوق مسؤول مكتب العلاقات الدولية كان قبل أيام في موسكو، وقبل فترة وجيزة كنا في استقبال الوفد المصري، وأخونا الأستاذ عزت الرشق مسؤول العلاقات العربية والإسلامية متواجد في لبنان لمتابعة أوضاع المخيمات، والإخوة متواجدون في تركيا، مساحة العلاقات ليست مقيدة، ونحن نتحرك على أساس أن قضيتنا اليوم تمر في أخطر مراحلها، وهي بحاجة ماسة أكثر من أي فترة سبقت إلى توثيق العلاقات مع محيطنا العربي والإسلامي ضمن أسس، وضمن رؤية واضحة لهذه العلاقات.

نحن نريد تماسكاً وتوحداً في المواقف بين الدول الشقيقة، ونرى أن أي صراع داخلي لا يصب في صالح القضية الفلسطينية، ولا مصالح الأمة العربية والإسلامية، وأن المستفيد من هذه الصراعات هو الاحتلال الإسرائيلي، وحلفاء الاحتلال الإسرائيلي.

في المقابل نحن لا نقر لأي دولة على الإطلاق بأن تكون بوابة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أو أن تكون جسرا لتمرير صفقة القرن، سواء على صعيد القضية أو المنطقة، نستنكر مؤتمر المنامة، ونستنكر لقاء وزير الخارجية البحريني مع وزير الخارجية الإسرائيلي قبل أيام في واشنطن، نستنكر الزيارات التي يقوم بها مسؤولون إسرائيليون لدولة الامارات، نستنكر التطبيع الرياضي، والتطبيع الإعلامي والسياسي مع الاحتلال الإسرائيلي، ونحن نرى أن هذه أثمانا مجانية تعطى للاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، بل تتجاوز المبادرة العربية التي كانت محل توافق عربي رغم أنها تنتقص من حقوقنا التاريخية المعروفة لشعبنا وأمتنا.

لقد جعلوا التطبيع والسلام قبل الحقوق وقبل الدولة الفلسطينية، أصبحت الصورة معكوسة للأسف الشديد، لذلك رؤيتنا للتعامل مع الدول تقدم على معادلة طرفها الأول الحرص على العلاقة، والتمسك بها ضمن خطوط وأسس ورؤية ومعايير واضحة، وفي الوقت نفسه نحن لا نقر لأي دولة عربية أن يكون لها علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي على حسابنا، نحن ضد التطبيع، وضد الاعتراف بالاحتلال، وضد دمج الاحتلال في المنطقة، وضد أن يكون هو المستفيد في المنطقة على حساب التاريخ والجغرافيا والدول والحقوق.

هل رؤيتكم للعلاقات مع مصر تندرج ضمن جهودكم لعلاج المشاكل الطارئة بينكم، ولرفع الحصار عن قطاع غزة، أم ترى أن لها مستقبلا طويل الأمد؟

نحن لا ننطلق من مفهوم معالجة مشاكل طارئة في بناء علاقة مع أي دولة، خاصة المحيطة بنا، وفي المقدمة منها الدول الوازنة، المشاكل الطارئة من الضرورة بمكان أن نعالجها، نحن واجهنا موقفاً سياسياً وإعلامياً وميدانياً من مصر شديد القسوة إلى حد شيطنة حماس والمقاومة وإغلاق معبر رفح.. إلخ. هذه المشاكل طرأت على مسار العلاقة التاريخية بين الشعب المصري والفلسطيني وكان يجب معالجتها، وأن نفكك هذه الأزمات حتى نتفرغ إلى مناقشة الملفات الرئيسية والمركزية في مسار هذه العلاقة، نجحنا في تفكيك هذه الأزمات وبنسبة جيدة، ونحن الآن كما قلت دخلنا في مسار الحوار الاستراتيجي حول العديد من المحاور الرئيسية، مصر والقضية الفلسطينية، مصر وغزة، مصر وحركة حماس، مصر ونظرتها للمصالحة الفلسطينية، وتوصلنا إلى فهم مشترك تجاه هذه القضايا.

بالتأكيد مصر لها ضروراتها، ومصر كدولة لديها نهجها السياسي، وسياستها الخارجية، ونحن في الوقت نفسه لدينا رؤيتنا وتصوراتنا السياسية تجاه العديد من الملفات، لكن مصر بحكم التاريخ والجغرافيا والدور يجب أن تكون العلاقة معها مستقرة وثابتة ومنطلقة من خصوصية الجغرافيا والتاريخ والدور.

نحن في حماس نسعى إلى بناء علاقة ثابتة مع احتفاظنا بخصوصيتنا السياسية والاستراتيجية، سواء كان في الصراع مع العدو أو سلاح المقاومة أو الاعتراف بالعدو، هذه قضايا تتمسك بها حركة حماس، وأود أن أشير إلى أن أي علاقة تبنيها حركة حماس مع أي دولة لا يمكن أن تكون على حساب استراتيجيتنا وثوبتنا ومقاومتنا واستقلالية قرارنا.

هل لديكم رؤية إيجابية للقضية الفلسطينية خلال العشرين سنة القادمة؟

من خلال قراءتنا للمتغيرات، أشرت في البداية بأن هناك تحديات كبيرة، في الوقت ذاته هناك فرص تلوح في الأفق، ونحن مطمئنون بأن المستقبل للشعب وللأمة، ولا مستقبل للاحتلال على الأرض الفلسطينية تحت أي شكل من الأشكال.

 من روافع ومظاهر النظرة الإيجابية، أريد أن أحصرها في عدة أمور:

أولا: صمود الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة وعدم تنازله عن حقوقه الثابتة رغم مرور أكثر من 71 عاما على النكبة، هذا الصمود الأسطوري لشعبنا، أنت تجد الجيل الفلسطيني الثالث في المؤتمرات الفلسطينية التي تنعقد في أوروبا، تجد الطفل الفلسطيني يلبس الزي الفلسطيني ويحمل مفتاح العودة، وهذا تأكيد أن قضية فلسطين منتصرة في معركة الوعي، وفي وعي ووجدان شعبنا داخل وخارج فلسطين، حينما يخرج آلاف الفلسطينيين في لبنان يطالبون بحق العودة وعدم المساس بأي شيء يمكن أن يمثل عدوانا على مفهوم اللاجئ الفلسطيني، هذا معناه أن هناك صمودا أسطوريا ووعيا عميقا ومتجذرا لدى شعبنا.

ثانيا: صمود وتطور المقاومة الفلسطينية التي انطلقت منذ 100 عام، منذ ثورة البراق وحتى آخر مواجهة بيننا وبين الاحتلال، موجة وراء موجة، ثورة تعقبها ثورة، انتفاضة تشعل انتفاضة، أريد أن أطمئن الجميع بأن المقاومة في قطاع غزة وصلت لدرجة ما يمكن أن يكون له تأثير كبير ومباشر وواضح على الصراع مع الاحتلال، والسير قدما نحو استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، هذه المقاومة المتطورة في كل النواحي وكل الاتجاهات، وهي بالمناسبة من صناعة أيدينا وشبابنا، نعم هناك دعم يأتينا، لكن العنصر الأساس والجوهري هو قدرة المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام على تطوير وسائل المقاومة ذاتياً والذي وصل إلى امتلاك صواريخ تقصف تل أبيب، وإلى ما بعد بعد تل أبيب، وأقول إن المقاومة في غزة تمتلك صواريخ يمكن أن تغطي مساحة فلسطين المحتلة.

وهذا شعبنا في الضفة الغربية يقاوم ويواصل صموده بعمليات فردية، وعمليات عسكرية، وعمليات منظمة، ومسيرات وتظاهرات ورباط في المسجد الأقصى، ونحن نبني مشروعنا الجهادي خارج الأراضي المحتلة، بحيث أن تكون المقاومة جزءا لا يتجزأ من استراتيجية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأقصد المقاومة من الخارج إلى الداخل، وليس العمل في أي من الساحات الخارجية لأن استراتيجية الحركة قائمة على هذا الأساس، أيضا هذا يشكل ورقة قوية لأحد الروافع في المستقبل.

ثالثا: القضية الفلسطينية ما زالت حية في ضمير العرب والمسلمين، وبأن قضية فلسطين تمثل القضية المركزية لهذه الأمة، وتابعنا المسيرات المليونية التي تخرج في كل الدول العربية حينما تتعرض القدس للخطر، وحينما تتعرض غزة للعدوان، شاهدنا الملايين في إسطنبول وأنقرة، شاهدنا الأحزاب والقوى ترفع أعلام فلسطين في تركيا وتهتف للقدس للأقصى ولرفع الحصار عن غزة، هذا هو ضمير الأمة، إن كل محاولات طمس القضية الفلسطينية فشلت وستفشل، بالأمس المنتخب الجزائري الذي فاز ببطولة كأس إفريقيا على أرض مصر، شاهدنا جمهور المنتخب يهتفون لفلسطين داخل استاد القاهرة، وشاهدنا لاعبي المنتخب يطوفون في استاد القاهرة رافعين أعلام فلسطين، وشاهدنا ذلك في المغرب وماليزيا وتركيا وإيران؛ وهذا دليل على أن قضية فلسطين قضية حية، وأن المستقبل بالتأكيد لنا.

ومن مظاهر المستقبل الواعد أيضا أننا نشاهد حراكا إيجابيا على مستوى المجتمعات الغربية والدولية، فلم تعد الرواية الإسرائيلية تنطوي على هذه المجتمعات، لم يعد الاحتلال مقبولا على هذه المجتمعات، هذه التي تخرج متضامنة مع الشعب الفلسطيني وتطالب بزوال الاحتلال هو تأكيد أن القضية الفلسطينية متحركة حتى في قلب المجتمعات الغربية.

هناك دول قوية تساند القضية الفلسطينية ليس فقط بالمسيرات والإعلام والسياسة، بل تساندها بالمال والسلاح والخبرات والموقف الاستراتيجي السياسي، نحن حينما نتابع هذه المواقف نشعر أن هناك عمقا استراتيجيا نستند إليه، وإن الشعب الفلسطيني ليس وحيدا في مواجهة الاحتلال والعدوان.

في المقابل رغم صولجان الاحتلال، ورغم ما يمتلكه من القوة وما يتوفر له من الغطاء الأمريكي إلا أنه يعاني من كثير من الأمراض الأمنية والسياسية والمجتمعية، وهناك فشل يلاحقه في مجالات كثيرة، سواء في الحلبة الداخلية أو الخارجية.

ماذا نفسر بأن قوة من النخبة الأمنية الإسرائيلية تدخل إلى منطقة خانيونس فيتم اكتشافها وملاحقتها، ويتم تفكيك أسرار هذه القوة الأمنية الإسرائيلية، هذه القوة التي عملت في الضفة الغربية وفي دول عربية، ويتم كشفها في قطاع غزة، وما زالت تداعيات هذا الموضوع مستمرة.

ماذا نفسر أن تصوت في مجلس الأمن 14 دولة مع فلسطين وضد القرار الأمريكي وضد صفقة القرن، ماذا يعني أن تصوت أكثر من 138 في الأمم المتحدة لصالح الموقف الفلسطيني، ماذا يعني أن يطرد الوفد الإسرائيلي من مجلس حقوق الإنسان، ماذا يعني أن تعلن مؤسسات أكاديمية في دول أوروبية مثل بريطانيا وغيرها عن المقاطعة الأكاديمية، ماذا يعني أن ترفض دول أوروبية أن تستورد منتجات المستوطنات.

نحن أمام مشهد داخل الكيان الإسرائيلي رغم أنه قوي، إلا أن هناك الكثير من العوامل تؤشر على أن المستقبل يحمل الكثير من المخاطر لهذا الاحتلال مقابل شواهد الأمل وروافع المستقبل الذي يحمله لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا على حد سواء.

وسوم: العدد 834