إلى عبدة الأصنام

قال لي السادات: 

انت حر طليق !! لم أصدق نفسي هل أستطيع ان أخرج وأدخل بلا حراسة، هل استطيع ان أتكلم في التليفون بلا تصنيت هل أستطيع ان أستقبل الناس بلا رقيب!!

لم اصدق ذلك بسهولة،

فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، 

وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته، وانا لم اكن

سجينا عاديا كنت سجينا يحصون انفاسه، ويتصنتون 

على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته، وكنت اخشى ان اقترب من أحد حتى لا يختفي، واتحاشى زيارة الاهل والاصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم، وابتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي، فيذهبون وراء الشمس، 

ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة. وياليتني ما عدت، فالناس جميعا كان في حلقها مرارة من الهزيمة والاحتلال، وحديثهم كل شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي،

وبجانب هذه الاحاسيس

كانت هناك أنات ضحايا الثورة الذين خرجوا من السجون والمعتقلات ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب، وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات.

وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة، وعرفت ساعتها اي مستنقع القينا فيه الشعب المصري، فقد حريته، فقد كرامته، فقد ارضه، وتضاعفت متاعبه، المجاري طفحت، المياة شحت، الأزمات اشتعلت، الأخلاق انعدمت، والإنسان ضاع.

اللواء محمد نجيب

اول رئيس لجمهورية مصر العربية

من كتاب "كنت رئيسًا لمصر"

وسوم: العدد 835