وجيز التفسير : " فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ "

والوكز " دفع بجمع اليد " . يقول المفسرون : والوكز واللكز والنكز واللهد واحد . ويقولون : أن وكزة سيدنا موسى كانت في صدر القبطي أو على فكه . ويقولون إن وكزة سيدنا موسى كانت بيده ، وبعضهم يقول بل كانت بعصاه . ويستنبط بعضهم من هذا أن سيدنا موسى كان قويا ، بحيث أن وكزته تقضي على الرجل ، وليس بالعادة أن الوكزة تقتل !!

وفي تأمل آخر يمكن أن نفقه من الآية أن موت القبطي كان بقضاء مقدر مسبق ، أو أنه كان ينتظر سببه لوهنه وضعفه وتداعي بنيانه الجسماني ، وإنما كانت " وكزة " سيدنا موسى السبب المباشر لما ترتب عليها من أمور قدرية فيما بعد من خروجه من مصر إلى مدين ولقائه الرجل الصالح وزواجه من ابنته ورعيه الغنم عشر سنين ، وربما كان هذا نوعا من الصناعة الربانية ، ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) وليتعلم الرفق والأناة ، ثم عودته بعد عشر سنين مرورا بالواد المقدس . حيث خلع نعليه وجاء على قدر ( ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ) .لذلك لم يكن التعبير القرآني فوكزه موسى فقتله . فدلالة لفظ القتل أبلغ وأشد وأقسى من (فَقَضَى عَلَيْهِ ..) أي أنفذ فيه حكم القضاء المقدر المسبق .

" القبطي " كان في لحظته القدرية ، وكان كتاب الأجل قد أحاط به و ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) وجاءت وكزة موسى كالقشة التي تقصم ظهر البعير كما تعودنا أن نقول . (فَقَضَى عَلَيْهِ )..

والدرس المستفاد من هذا التمثيل أن بعض الأحياء وبعض الأجسام وبعض المؤسسات وبعض الدول أحيانا كما كان " الاتحاد السوفياتي " في لحظة غورباتشوف . تكون في لحظتها القدرية التاريخية ، تنتظر السبب ، ولو كان بمثل ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) أي تنتظر من ينفخ عليها أو يقول لها " بَه " حتى تنهار . والأصل في الإنسان الحكيم العاقل أن يتوقى هذه النفخة أو هذه الوكزة أو اللكزة أو النكزة أو اللهدة حتى لا تُحسب نفسٌ عليه كما حُسب القبطي على سيدنا موسى .

" اللهم سلّمنا وسلّم منا وسلّم بنا "

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 835