من خفي الحرام

من خفي الحرام قبول تسلم المواقع أو البقاء فيها وهناك من هو خير منه لها وأكثر كفاءة ومناسبة لهذا الموقع والمنصب أو ذاك، ويكون ذلك على مستوى الفرد، والأسرة، والمؤسسات، والدولة، وفي كل مجالات الحياة في السياسة والإدارة والتجارة والتعليم ..الخ. 

فعلى مستوى السياسة والمناصب الحكومية، تتحقق الحرمة بأن يتسلم موقعا يعلم تمام العلم أن غيره أولى به منه.

وفي التجارة تتحقق الحرمة أن يرغم شريكه على قبول إدارته للشركة مجبرا، مع أن شريكه أولى منه بالإدارة وأكفأ.

وفي الأسرة تتحقق الحرمة بأن يتولى التصرف بمال الأب أو الأم أو اليتيم وأخوه أجدر منه بذلك.

وفي المواقع العلمية أن يحوز الموقع لكونه الأشهر أو الأكثر في العلاقات لا في الكفاءة العلمية أو التعليمية ووجود التخصص.

وفي رئاسة المؤسسات تتحقق الحرمة لاحتكاره الملفات والعلاقات ومفاتيح النجاح ليرضخ الباقون لاختياره مرغمين.

وإنما أسميناه (خفيا) _ مع ظهور الحكم من الناحية المعرفية _ لكثير من الناس، لما يكتنف ويحيط بهذا (المحرم) من ملابسات وإشكالات وحالات يشتبه في حكمها. 

إن هذا اللبس والاشتباه يأتي من أمور:

أولا: أن يكون من أخ كبير في أسرة، أو يكون من مؤسس أو قائد تاريخي في مؤسسة، أو ممن يملك الولاءات على مستوى الدولة ويرفض تسليمها، فيخيل لهؤلاء الأحقية بالقيادة على طول الخط وأن لهم شرعية بذلك.

ثانيا: امتلاك مفاتيح المال والقوة والقرار في الأسرة لكونه محظي أبيه، أو في المؤسسة _ وهي أصلا ليست له بل للمؤسسة _ حتى وان ساهم في تطويرها ، أو في الدولة وهي أصلا مال عام له منه منها كما للآخرين.

ثالثا: القبول بانتخاب واختيار أناس له، يعلم علم اليقين أنهم لم يختاروه عن علم وبصيرة، بل لكونه الأقرب أو الأشهر أو الأكثر دعاية، مع علمه انه لا يناسب الموقع، فقد يختار الناس مهندسا لإجراء جراحة لأنه لبس ملبس الطبيب،  ويختارون الطبيب لإعمار بناء لأنه لبس خوذة المهندس.

رابعا: هوى النفس وعشقها للتصدر والرئاسة والجاه والتمسك بالموقع وسوق التبريرات الفاسدة لذلك.

خامسا: اعتقاد الناخبين أن المختار بيده القوة والمال والعلاقات، فيخشون انهيار الأسرة أو المؤسسة أو الدولة، لا لأنه الاكفأ والأجدر.

أما معيار الكفاءة والجدارة فيتنوع بحسب المجال:

فالكفاءة العلمية في المناصب الدينية تحصل بشهادة العلماء له، وكونه الأنفع للناس والأكثر إدراكا لواقعهم، وتحصيل المصالح لهم ودرء المفاسد عنهم في تحقيق مناطات الأحكام على نوازلهم. 

والكفاءة السياسية تحصل بمجموع امتلاك الحنكة والفهم والعلاقات والمشروع والأمانة وتحقيق مصالح الناس.

والكفاءة التجارية تحصل بحسن التدبير ومراعاة الشريك والفطنة في التعاملات وطرق الكسب وتحري الحلال.

والكفاءة الادارية تحصل بوجود التخصص وقناعة أعضاء المؤسسة وارتفاع نسبة المنجز والسرعة والهدوء في حل المشكلات.

والخلاصة: إن الكفاءة تحصل بشرطين: الأهلية للمهمة، والقيام بمقتضياتها.

فمن كانت عنده الكفاءة فليحمد الله وليكثر من طلب التوفيق، ومن فقد الكفاءة فليتق الله وليعجل باختيار البديل المناسب، فإنها كما قال رسول الله ﷺ: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة وحسرة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".

والمرضعة هي الإمارة والدنيا، والفاطمة هي بعد الموت، لأنه سيحاسب على ذلك في الآخرة، فهو كالذي يُفطم قبل أوانه فيهلك.

نعوذ بالله من سوء الفاطمة ...

************************************

عالم الأسباب عالم لا يرحم من لا يملك الكفاءة، والإتقان، والتميز، والعمل الدؤوب في ميدان المنافسة المحتدم، وسيكون لا محالة من الخاسرين في سباق الحياة.

قوانين الأسباب _ إن حصل التقصير فيها _ لن تخرم لأحد يوما،  مهما كان عالي الإيمان، أو شديد العبادة، أو يظن نفسه مستعينا بالله، متوكلا عليه، دون أدوات وأسباب مادية يملكها، وينافس من خلالها.

الإيمان والعبادة دين، والأخذ بالأسباب دين أيضا.

وسوم: العدد 839