نصر اللات جعل من الفأر نمراً فماذا حصد لبنان

يحكى أن ساحراً معمماً كان يعيش في غابة مليئة بالحيوانات، وقد تعايش معها وتعلم لغتها وعاداتها وأسلوبها في العيش، حيث القوي يأكل الضعيف والكبير يدوس الصغير.

جاء يوما فأر اليه؛ وكان سيداً في أقرانه، وكانوا ينادونه الجنرال؛ مهابة وخوفاً منه؛ وقد تميز عنهم بكبر حجمه وحدة أسنانه، جاء هذا الفأر الجنرال إلى الساحر المعمم يشكو القط إليه، فهو يجعله يفر منه ولا يستطيع الوقوف في وجهه والدفاع عن أبناء جنسه.

وأعمل الساحر المعمم عقله وفكر ملياً ثم قال للفأر الجنرال: ما رأيك لو حولتك إلى قط، فتصبح نداً للقطط ولا يحاولون الاقتراب منك لأنك صرت واحداً منهم؟

ضحك الفأر الجنرال طرباً وفرحاً مما سمعه من الساحر المعمم؛ إنه سيصبح قطاً ولن تقترب القطط منه ولن يخافهم، وسيكون واحداً منهم، وقبل عرض الساحر المعمم الذي أشار بعصاه إلى الفأر الجنرال ليتحول إلى قط منفوش الشعر عبوس الوجه.

ذهب الجنرال القط يمشي متبختراً ولم تعد تسعه الدنيا؛ وقد تحول إلى واحداً من القطط لا يخافهم ولا يهرب منهم.

وبينما الجنرال القط يعيش في أحلامه الوردية جاء إليه الكلب ينبح يريد الفتك به، فر الجنرال القط بكل قوة نحو جحره فخافه الفئران وظنوا أنه قط، فصاح لا تخافوا أنا الجنرال، ثم جلس في ركن من أركان الجحر وهو يفكر ما العمل حتى يبعد الكلب عن طريقه، فخطر له الساحر المعمم؛ فذهب إليه مستغيثاً يطلب منه تحويله إلى كلب، فأشفق عليه الساحر المعمم وحوله إلى كلب، وعاد الكلب الجنرال إلى أبناء جنسه فخوراً بما صار إليه، دون خشية من أن يصادفه كلب ينبح يريد إيزائه وقد أصبح من فصيلة الكلاب.

وبينما هو في طريق العودة وإذ جاءه ذئب يعوي يتضور من الجوع يريد افتراسه، ففر لا يلوي على شيء يريد جحر أبناء جنسه وهو يصيح أنا الجنرال أنا الجنرال، فوسعوا له كي يستطيع الدخول إلى جحره، وكان يلهث خوفاً ترتعد فرائصه.

إن موقف الجنرال عون رئيس دولة لبنان الذي فر في يوم من الأيام كالفأر من حافظ الأسد، الذي كان يحاصره مع بقايا من جنوده في قصر الرئاسة الذي اغتصبه بقوة السلاح الذي يملكه؛ في مواجهة كل الأطياف اللبنانية المتقاتلة في حينها، بما كان يعرف بالحرب الأهلية اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاماً (1975-1990)، ليفر ويختبئ في السفارة الفرنسية يوم 13 تشرين الأول 1990، التي أمّنته وسفرته إلى باريس، ليعلو صياحه هناك متوعداً حافظ الأسد بالويل والثبور.

وعاد الجنرال عون (84 عامًا)، في 7 أيار 2005، من منفاه في فرنسا. وخاض بعدها الانتخابات النيابية التي أُجريت في شهري أيار وحزيران 2005؛ مما جعله يدخل البرلمان اللبناني، ليتصدر المشهد السياسي والساحة السياسية اللبنانية، وتغير الجنرال عون بعد عودته مئة وثمانين درجة، فقد تحول من عدو لدود لحافظ الأسد إلى عبد مطيع لا يخالف أي أمر يصدره إليه، وقد استقبله في دمشق كممثل للمسيحيين في لبنان، ومنحه عدداً من الأوسمة.

كان عون قائدًا للجيش اللبناني من 1984 إلى 1989، قبل أن يشغل منصب رئيس وزراء لبنان ما بين 1988 و1990، حيث كلفه الرئيس أمين الجميل بتشكيل حكومة عسكرية، بعد تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد يخلفه.

وقام الرئيس الجميل بتسليمه السلطة بعد أن شكل الحكومة العسكرية التي أصبحت في مواجهة الحكومة المدنية التي يرأسها بالنيابة الرئيس سليم الحص.

وبالإضافة إلى كونه رئيسًا للحكومة، عيّن نفسه وزيرًا للدفاع الوطني والإعلام، كما كلف بمهام وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة ووزارة الداخلية بالوكالة، وبقي يحارب جميع الأطياف المتنوعة في لبنان إلى أن تدخل حافظ الأسد فحاصره وضيق عليه الحصار فالتجأ إلى السفارة الفرنسية ثم رحل إلى باريس كما قلنا.

بعد مرحلة طويلة من الفراغ السياسي عاشتها الجمهورية اللبنانية، اختار مجلس النواب اللبناني أواخر العام 2016، الجنرال عون، بضغط من النظام السوري وحزب اللات، رئيسًا للجمهورية، خلفًا للرئيس السابق ميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في أيار 2014، على الرغم من أنَّه لم يكن أفضل من يستطيع أن يكون رئيسًا للجمهورية. فالرجل ليس مؤهّلًا أصلًا لشغل هذا الموقع الذي يحتاج قبل كلّ شيء إلى شخصية متوازنة، تعرف لبنان واللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم معرفة عميقة، بعيدًا عن المظاهر الفولكلورية. كذلك الحاجة إلى شخصية تعرف المنطقة وما يدور فيها في وقت يبدو الشرق الأوسط مقبلًا على تغييرات جذرية.

واعتبر اللبنانيون أن أكبر فضيحة سياسية يمكن أن يوصم بها لبنان، كان في وصول الجنرال عون إلى قصر بعبدا ليكون رئيساً للجمهورية اللبنانية، واستخدامه أصوات عناصر “حزب اللات” (المصنّف إرهابيًّا في العديد من دول العالم)، وبالتالي لتكون لديه كتلة نيابية كبيرة، تضمّ أكبر عدد من أعضاء المجلس النيابي، تليها فضيحة إصراره على أن يكون صهره جبران باسيل وزيرًا، على الرغم من أنّه ليس قادرًا على الفوز بمقعد نيابي، نظرًا لأن “حزب اللات” الإرهابي لا يمتلك عددًا يذكر من الأصوات في الدائرة التي يترشّح فيها الصهر.

ولم يجد اللبنانيّون حلًّا عندما أصبح مطروحًا إنقاذ الجمهورية، أو ما بقي منها، حتّى لو كان الشخص يمتلك عقلًا انقلابيًّا، ولا يتورّع عن الذهاب بعيدًا في السير خلف كلّ ما يمكن أن يدمّر المؤسسات اللبنانية والتسبب في تهجير أكبر عدد من اللبنانيين من لبنان.

وظلّت المشكلة مع الجنرال عون، أنّه لم يفهم يومًا معنى المدنية، ومعنى إعادة الحياة إلى بيروت، ولا يعرف معنى إعادة الإعمار، ولا معنى أن تكون بيروت سويسرا الشرق الأوسط، ومكانًا يقصده العرب والأجانب للسياحة والاستثمار، ولا يفهم معنى خلق فرص عمل في لبنان وزيادة حجم الاقتصاد، على الرغم من أنّها من البديهيات، إلا أنها غائبة عن باله؛ نظرًا لأنّه لم يكن في يوم من الأيّام أكثر من عسكري في السياسة، وسياسي عندما كان الأمر يتطلب مواقف ذات طابع عسكري.

ويعتبر الجنرال عون، أحد أكثر من صدق في تعاطيه مع “حزب الله” الإرهابي، فهو لم يخلّ يومًا بالاتفاق الذي وقّعه مع أمينه العام حسن نصر اللات في العام 2006، وفي المقابل أعطاه “حزب اللات” الإرهابي الكثير في كلّ المجالات، بغية الحصول على غطاء مسيحي لسلاحه المذهبي غير الشرعي، الموجّه إلى صدور اللبنانيين الآخرين.

لم يعرف أحد يومًا، ما هو هدف “حزب اللات” الإرهابي، ومن ورائه إيران، من إيصال الجنرال عون إلى رئاسة الجمهورية، وقد ألبسوه لباس النمر ليرهبوا به أعداءهم من باقي الطوائف اللبنانية، علماً أنَّ فكرة استخدام الجنرال عون مرحليًّا من طرف الحزب الإرهابي، كانت ترسّخ للحملة التي تستهدف تغيير طبيعة النظام اللبناني الديمقراطي إلى حكم ديكتاتوري على شاكلة نظام الأسد في سورية، محمياً من حزب اللات الإرهابي، الراضية عنه واشنطن وموسكو وتل أبيب، والمدعوم من طهران.

ولا نعرف ما يخبئ للبنان القدر بعد أن اعتلى سدة الحكم فيه الجنرال عون بلباس النمر المنقط الذي اختاره له حزب اللات الإرهابي.

وسوم: العدد 841