السذاجة الأوروبية في التعامل مع إيران

بغض النظر عمّا إذا كنت ممّن يدعون إلى التقرّب من إيران عبر تنازلات على شكل اتّفاقات لتجنّب خطرها، أو كنت ممّن يسعون إلى احتوائها للحد من تداعيات سياساتها السلبية، أو حتى إذا كنت من أولئك الذي يؤيّدون تغيير النظام فيها ويرون أنّه لا فائدة من محاربة أذرع إيران في المنطقة العربية طالما بقي رأس الأفعى قائماً، هناك شيء واحد يجب أخذه بعين الاعتبار دوماً وهو أنّه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني تحت أي ظرف كان وبأي حال من الأحوال.

ثمة مؤخراً ما يؤكّد مثل هذا الاستنتاج. في ٤ من تموز الماضي، قامت سلطات جبل طارق باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية "جريس ١" أو ما بات يعرف الآن باسم "أدريان داريا ١" لخرقها العقوبات الأوروبية على نظام الأسد.

الناقلة كانت متّجهة وفقاً لتقدير السلطات الرسمية إلى نظام الأسد لتفرغ هناك حمولتها البالغة حوالي ٢.١ مليون برميل من النفط أو ما يوازي حوالي ١٣٠ مليون دولار.

الناقلة الإيرانية كانت تخرق كذلك عددا من القوانين الدولة ناهيك عن العقوبات الأمريكية على إيران، إذ أنّها كانت تحمل أوراقاً مزوّرة تشير إلى أنّ مصدر الشحنة هو العراق وليس إيران من أجل خداع السلطات والتمكن من بيع النفط الإيراني.  أثار توقيف الناقلة الإيرانية أزمة مع بريطانيا لاسيما بعد أن قام الحرس الثوري الإيراني بقرصنة سفينة بريطانية من المياه العمانية باتجاه المياه الإيرانية في الخليج، واستخدام العملية في سياسة بروبغندا واسعة تهدف إلى إخافة الدول الأخرى وتحذرها من اتخاذ أي خطوات قد تضر بمصالح النظام الإيراني. وبعد شد وجذب، قامت سلطات جبل طارق بالإفراج عن الناقلة شريطة تعهد السلطات الإيرانية خطّياً بألا تفرغ السفينة حمولتها في سوريا لكونها خاضعة للعقوبات الأوروبية، وهو ما حصل بالفعل حيث تم الإفراج عن الناقلة في ١٨ من آب بعد الحصول على التعهد الخطي.

بالرغم من عمليات التمويه التي اتّبعتها السلطات الإيرانية فيما بعد، كشفت صور الأقمار الصناعية الأسبوع الماضي وصول الناقلة الإيرانية إلى ميناء طرطوس السوري، وقد أقرّت إيران بعد ذلك ببيع النفط بالفعل للنظام.

وتعليقاً على هذا التطور السلبي، قالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها إنها "منزعجة للغاية"، واصفةً نكث إيران لتعهّداتها بـ"الإفلاس الأخلاقي"! لا تؤكّد هذه التجربة مدى سذاجة الأوروبيين ووثوقهم الأعمى بالنظام الإيراني فحسب، بل تفيد بشكل غير مباشر بتورطهم في تسهيل عمليات القتل والإرهاب التي يمارسها النظام داخل عدد من الدول العربية وعلى رأسها سوريا.  

تؤكد هذه الواقعة أيضا أنّ هذا النظام الإيراني لا يكترث لأي جهة ولا يعير أي اهتمام لتعهداته عندما تتناقض مع مصلحته، وبالتالي فنحن نتعامل مع نظام غير قابل للإصلاح، والوثوق فيه يعني إيهام النفس بشيء لن يحصل، مع العلم أنّ هذه السذاجة تعرّض الأوروبيين لخطر متزايد من النظام الإيراني. لم تكن هذه الحالة حدثاً استثنائياً، إذ أنّ الكذب والغش والخداع هي بمثابة ركن أساسي من أركان نشوء النظام الإيراني واستمراره في السلطة طوال العقود الماضية.  

يوم الإثنين الماضي، نقلت رويترز خبراً حصرياً مفاده أنّ عينات أخذتها الوكالة من موقع في طهران وصفه رئيس وزراء إسرائيل بأنه "مخزن نووي سري" أظهرت وجود آثار لليورانيوم لم تقدم إيران أي تفسير لها حتى الآن.

وتظهر هذه الحادثة بالتحديد أنّ النظام الإيراني المعروف بأساليبه الملتوية وبعمليات الغش والخداع المعقّدة لا يكبل يديه الاتفاق النووي، وأنّ نظام التفتيش الدولي المعمول به وفقاً للاتفاق الذي تمّ بين إدارة أوباما والنظام الإيراني -وبخلاف ما كان البعض يروّج- ليس النظام الأقوى لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية.

وبانتظار التفسيرات الإيرانية الرسمية، فإن نتيجة الاختبار تتعارض أيضاً مع ما خلصت إليه تقارير الوكالة من وجود تعاون دائم من السلطات الإيرانية والتزام ببنود الاتفاق النووي. وفي الوقت الذي لا يزال فيه النظام يمارس الإرهاب في المنطقة والقرصنة البحرية في مياه الخليج، فإن بعض الدول الأوروبية لا تزال تحاول إنقاذه والاتفاق النووي على حساب المنطقة. نجاح مثل هذه المحاولات لن يؤدي إلاّ إلى تعزيز النفوذ الإيراني، وزيادة قدرة طهران على الابتزاز والتهديد بغض النظر عن شكل ونوع التعهدات التي قد تقطعها للقوى الكبرى.

في نهاية المطاف، التجربة أثبتت أنّه إذا ما تعارضت تعهدات النظام الإيراني مع مصالحه القومية لاحقاً، فسيضرب بالأولى عرض الحائط. وإذا كان الحصول على السلاح النووي يصب في هذا الإطار، فإنّ الاعتقاد بأنّ النظام الإيراني سيلتزم بالحصول على طاقة نووية سلمية فقط هو اعتقاد ساذج، ومن السذاجة ما قتل!

وسوم: العدد 841