دمشق المدينة الأقل ملاءمة للعيش في العالم، يا للحزن ..ويا للأسف

وفقاً لتقرير صادر عن مجلة ”الإيكونوميست“ البريطانية للعام 2019 ، صدر

أمس (الأربعاء) ؛ فإن دمشق هي أقل مدن العالم ملاءمة للعيش. حيث بقيت العاصمة السورية في أدنى مستويات التصنيف العالمي خلال السنوات الـسبعة الأخيرة، بحسب “الإيكونوميست”. وهاهي اليوم تحتل التصنيف الأدنى عالميا .

يعتمد التقرير السنوي الدوري الذي تصدره المجلة البريطانية في تصنيفاته على معايير عديدة منها ما يتعلق بالأمن ، ومنها ما يتعلق بالاقتصاد ، ومنها ما يتعلق بالصحة والرفاه والخدمات العامة والبنية التحتية .

الحديث اليوم عن دمشق الجميلة البهية التي أوصى منها الخليفة الوليد بن عبد الملك منذ القرن السابع للميلاد الأول للهجرة النبوية  أن يوكل في دولته لكل أعمى قائد ، ولكل زَمِن مساعد ..

نعلم أن الكثير من التعليقات يمكن أن تكتب حول هذا التصنيف أو حول هذا التقرير . وسيجد كل كاتب يملك أسلوب بيان طريقته في التعليق على التقرير القنبلة . أو التقرير البرميل المتفجر الذي سينفجر يوما باللاعبين في أواره ..

الذي نريد أن نؤكد عليه في قراءتنا لهذا التقرير  هو ثلاثة أمور  ..

الأول أن مناطق سيطرة الأسد وفي مقدمتها دمشق وفي مؤخرتها القرداحة ، وبغض النظر عن سير العمليات التي يقودها أو ينفذها الروس والإيرانيين ، تنحدر في لولبية هابطة إلى درك أسفل سافلين . وأن الهيمنة العسكرية والأمنية وسياسة الإخضاع والتخويف والتجويع تنجح في الهدم ولا تنجح أبدا في البناء .

لن تنجح كل مشروعات بوتين في الدعوة إلى الإعادتين ، إعادة اللاجئين ، وإعادة الإعمار ، ولن ينجح كل المال السياسي الأممي والإيراني والعربي ينصب في حجر بشار الأسد لأن بشار الأسد يعتقد أن كل ما يُصب في حجره هو له ، كما لن تنجح كل التنفيسات التي يطلقها بعض المحسوبين على بشار في النيل من وزير داخلية أو من وزير اقتصاد ..لن ينجح كل أولئك  في إعادة الحياة ، إلى كيان مسجى تحت أجهزة التنفس الاصطناعي منذ سنوات ..

وأكمل ولن تنجح كل سياسات الحصار والشرذمة المفروضة على قوى المعارضة السورية أيضا في تيئيس أصحاب الحقوق من حقوقهم ، وفي تحويل أعينهم عن ظلم وفساد عدوهم . إن الرسالة التي يجب أن تصل إلى بوتين وإلى ترامب وإلى كل حلفائهما في المنطقة هي : إن طفلا قتل بشار الأسد أو الزينبي أو الفاطمي أو الحزبلاوي أباه وهو في العاشرة منذ عشر سنين أصبح اليوم في العشرين ..

ونقول لكل هؤلاء : لقد أردتموها حرب أجيال ...وها هي اليوم كما أردتم ، وفي هذا الطريق تسير ..وسيكون للجيل الثاني والثالث والرابع من هذه الثورة طرقهم التي نسأل الله أن يعصمهم فيها من أن يتعلموا من طرق أعدائهم من  أمثال  بوتين ونوري المالكي وبشار الأسد وميشيل سماحة حمامة الحب والسلام ..

والرسالة الثانية هي إلى كل السوريين الذين يعيشون في المناطق المحررة ، ويظلون يتشكون ما يلحق بهم من أذى أو من ضرر وهو واقع وحقيق ، وبعضهم يظل يتغنى بما يظل يظنه عيشا رغدا في ظل الظلم والاستبداد ...إليكم الحقيقة الفاجعة فتحت سيطرة الظالم المستبد " لاخبز ..ولاحرية |" كما كتب حر فرنسي ذات يوم . لا خبز ولا صحة ولا تعليم ولا أمن ولا أمان ولا أي شيء تزعمونه كما يزعمه جلاوزة بشار وذبابه وبعوضه الأدنون ..

والرسالة الثالثة وهي الأخطر والأهم ..

الرسالة الثالثة إلى كل نخب المعارضة السورية ، على اختلاف الطيف ، تذكيرا بأن مهمتها هي المشاركة العملية الفاعلة في صناعة " العقل الثوري الوطني " وفي " القيام على العقل الثوري الوطني " تعليما وتقويما وتوجيها وحزما وعزما ..

وقد كنا جميعا منذ اليوم الأول وسنظل ضد تسمية " سورية الأسد "

ونحن اليوم أكثر حرصا على رفض هذا التقسيم الانفعالي االنزق . نرفض تقسيم سوريتنا إلى سورية الثورة وسورية الأسد ..فسورية كلها أرضا وشعبا لنا . وسيطرة الأسد ظل زائل بإذن الله .

سورية كلها لنا . وشعبها كله شعبنا . والخارجون على الثورة ، المعادون على الحقيقة لها ما هم إلا شرذمة قليلون لا يعكرون ماء أقطاره ألف بألف ..ولا حجمه مائة ومائة ومائة من قلال هجر .

هذا الموقف االانفعالي لاتهامي الذي ينتشر على ألسنة وصحائف البعض  بتطويب كل سورية التي يسيطر عليها بشار الأسد ، وكل السوريين الذين يعيشون عليها لبشار الأسد ...هو موقف تنقصه الصوابية وتنقصه الحكمة وينقصه الرشاد ..

بكل الأسى والأسف والحزن نستقبل كل أنباء المعاناة التي يعيشها أهلنا في كل المدن والبلدات والقرى والأرياف تحت وطأة زمرة الاستبداد والفساد ..

ونظل ننادي على الجميع  بكل الحب والوفاء :  لنصنع معا  فجرنا الجديد ، لنتحرر معا من معيشتنا الضنك المفروضة علينا ، وليكن لكل منا أساليبه في الرفض وفي الإباء ؛ فقد علمنا أن هذا " البوم "  هو الذي قادنا خلال نصف قرن إلى كل هذا الخراب ..

وقد حفظنا جميعا وحُفّظنا " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا "

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 841