لماذا إقصاء المقاربة الإسلامية لمعالجة آفة العنف والمخدرات في المؤسسات التربوية ؟

 في إطار الأنشطة التي ينظمها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ، عاينت يوم السبت 21 شتنبر 2019  صباحا نشاطا نظم بالشراكة مع برنامج دعم مقهى السياسات الاجتماعية في موضوع :" العنف والمخدرات في الوسط المدرسي بالمغرب " ، وكان هذا النشاط عبارة عن مداخلتين  من تقديم فاعلين جمعويين ،الأولى تناولت موضوع العنف الجنسي  ببعض المؤسسات التربوية الثانوية بمدينة مراكش، بينما تناولت الثانية موضوع تعاطي المخدرات ببعض المؤسسات التربوية الثانوية بمدينة فاس .

 والذي استرعى انتباهي في هاتين المداخلتين ، هو غياب مجرد إشارة عابرة إلى المقاربة الإسلامية لمعالجة هذه الآفة ، ولماذا استفسرت عن ذلك خلال المناقشة التي تلت المداخلتين أجابني صاحب المداخلة الخاصة بالعنف الجنسي بأنه اعتمد مقاربة حقوقية ، وبدا لي من خلال تعقيبه على استفساري كأنه يهوّن من شأن    المقاربة الدينية في أمر يقع في بلد هويته إسلامية بموجب دستوره وواقعه المعيش .

 ودون الذهاب بعيدا  في أي ظن من شأنه أن يخامره السوء والذي يتعلق بخلفية صاحبي المقاربتين اللتين أهملت فيهما المعالجة الدينية لآفة العنف والتخدير بين الناشئة المتعلمة كما بدا ذلك من خلال توصياتهما، أرى أنه من الواجب التذكير بضرورة أخذ الهوية الإسلامية بعين الاعتبار كلما أجريت دراسات أو أنجزت بحوث  جادة تخص تناول ومعالجة قضايا اجتماعية تهم مجتمعنا المغربي المسلم.

فبالنسبة لما سماه صاحب المقاربة الحقوقية العنف الجنسي في المؤسسات الثانوية الإعدادية والتأهيلية ، وقد توسّع في مفهوم هذا العنف ،فشمل التحرش ،ولم يقتصر على الاغتصاب كما يخطر غالبا على الأذهان عند سماع عبارة عنف جنسي ،علما بأن النسب المئوية التي ذكرها صاحب الدراسة كان أقلها تلك المتعلقة بالاغتصاب ، بينما كان أكبرها تلك المتعلقة بالتحرش ، وكان الأقرب إلى الموضوعية  أن يكون عنوان المداخلة هو" التحرش الجنسي " عوض "العنف الجنسي "الذي يوحي بشيء من التهويل  لا داعي إليه ، وذلك باعتبار النسب المئوية المذكورة . وكان من المفروض أيضا ألا تغيب عن توصيات هذا البحث أو هذه الدراسة الميدانية التي اعتمدت تقنية الاستجواب عبر استمارات توصية تدعو إلى ضرورة اعتماد تربية إسلامية كما دعت إحدى التوصيات إلى اعتماد تربية جنسية بالمفهوم المتداول في المجتمعات العلمانية التي لا تجرم الفعل الجنسي خارج الإطار الشرعي، وإنما تركز على قضية الأمراض المنقولة جنسيا وعلى استعمال العازل الطبي ... إلى غير ذلك من الأمور التي لا علاقة بوازع ديني أوأخلاقي . ومعلوم أن أكثر المواد الدراسية المؤهلة لتوجيه الناشئة المتعلمة بخصوص موضوع الجنس هي مادة التربية الإسلامية التي مع شديد الأسف والحسرة تم اختزال حصصها في حصتين ، مع ما يمكن تسجيله من ملاحظات عن محتويات مقرراتها التي كان من المفروض أن تركز على ما يمس حياة وواقع الناشئة المتعلمة وما يشغلها من أمور كالجنس والتخدير وغيرهما .

ولقد مرت مقررات مادة التربية الإسلامية بأطوار حيث كانت في فترة المد اليساري خلال القرن الماضي  موضوع سخرية بسبب بعض المضامين  التعبدية المتعلقة بالغسل والوضوء والتيمم ، وتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ... في الوقت الذي كانت فيه مادة الفلسفة تقدم مضامين إيديولوجية مادية للناشئة المتعلمة التي كانت تحرض للسخرية من مضامين مادة التربية الإسلامية مقارنة مع مضامين مادة الفلسفة التي جنت على أجيال من المتعلمين وتركت آثارا سلبية فيهم نالت  كثيرا من هويتهم الإسلامية . وبعد ذلك تغيرت مضامين مقررات مادة التربية الإسلامية ،إلا أنها مع ظهور مشكلة  العنف والإرهاب انتقدت هي الأخرى، وتعالت أصوات تنادي بحذفها ،فعوضت بأخرى قال عنها البعض أنها خالية من  الأفكار التكفيرية والجهادية ومن خطاب الكراهية والعنف بينما لم تنج من اتهام البعض الآخر ، وكأن نصوص القرآن الكريمة التي استهدفها الحذف في مقررات سابقة  كانت نصوص تدعو إلى الكراهية والعنف والإرهاب والتكفير . والكل أسباب تغيير مقررات هذه المادة التي صارت في مرمى سهام التوجه العلماني في الداخل سيرا على نهج نفس التوجه في الخارج.

فلو أن مقررات هذه المادة تناولت موضوع الجنس لما كانت الأحوال كما هي عليه اليوم من تسيب وانحراف أخلاقي بين الناشئة المتعلمة التي صار التحرش الجنسي عندها أمرا عاديا ومطلوبا لديها ،وصارت تتطلع إلى علاقة جنسية بين الجنسين كالتي عند الناشئة المتعلمة في البلاد العلمانية ، وتعتبرها أمرا طبيعيا بل وحضاريا أيضا .

 وأذكر أن الظروف ساقتني مرة  إلى بوابة مؤسسة ديكارت بالعاصمة الرباط، وكنت مضطرا لانتظار اجتياز ابنتي مباراة لولوج أحد المعاهد بفرنسا، فعاينت التحية الصباحية بين المتعلمين في تلك المؤسسة وهم خليط من الأجانب والمغاربة والتي كانت عبارة عن قبل وعناق بين الجنسين أمام أعين أولياء أمورهم الذين كانوا يوصلونهم على متن سياراتهم .

 وأذكر أيضا أنني أخبرت بأن أحد الآباء بإحدى المؤسسات التربوية التأهيلية بمدينة وجدة استدعي لإخباره بأن ابته توزع القبل على زملائها الذكور داخل المؤسسة، فثارت ثائرته ضد الإدارة التربوية ورأى أنها متخلفة ومتزمة وهي تلقي التحية على زملائها بالقبل ، وحذرها من استدعائه مرة أخرى لهذا السبب .

فمثل هذا السلوك سواء الذي عاينته في ثانوية ديكارت بالرباط أو الذي حدث في إحدى مؤسسات مدينة وجدة، يعطي انطباعا لدى ناشئتنا بأن تبادل القبل والعناق بين الجنسين أمر طبيعي في غياب ما يذكرهم بهويتهم الإسلامية التي لا تجيز ذلك، والتي  تحرص على صيانة الأعراض من كل ما يبتذلها من أنواع السلوك المنافية للعفاف .

ومعلوم التربية الإسلامية تبدأ التربية الجنسية فيها بتلقين الناشئة المراهقة والتي تبلغ في المرحلة الإعدادية والتأهيلية سن التكليف سلوك غض البصر بين الجنسين عوض إجالته، وهو أول خطوات التعفف ، وتليها خطوات أخرى من قبيل تنكب خضوغ  الإناث بالقول الذي يطمع الذكور فيهن ، ومن قبيل منع الخلوة والمصافحة ... إلى غير ذلك من السلوكات المفضية إلى التحرش وما بعده مما لا تحمد عقباه ومما يعتبره الإسلام فاحشة وساء سبيلا . هذه هي التربية الجنسية التي بإمكان مادة التربية الإسلامية الاضطلاع بها ، وهي تحذر من عقوبة أخروية خطيرة بديلا عن تربية جنسية تقتصر على التحذير من الأمراض المنقولة جنسيا و الوقاية منها باستعمال العازل الطبي. و معلوم أن العوازل الشرعية  هي الأجدى .

وما قيل عن  المقاربة الدينية لمعالجة موضوع الجنس عند الناشئة المتعلمة يقال عن معالجة  موضوع تعاطي المخدرات والمسكرات، والتي تبدأ بالتحذير من مجرد الاقتراب منها، فعلى غرار قول الله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ))  قوله تعالى : (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) وقوله في سياق تحريم المسكر والمخدر : (( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ))  ، ولقد وقف المفسرون عند دلالة القرب من الزنا، ودلالة الانتهاء عن  تعاطي المسكر، فاعتبروهما تشديدا في المنع  والتحريم .

بهذه المقاربة الإسلامية لموضوع العنف والتخدير يمكن محاصرة هاتين الآفتين المهددتين لناشئتنا المتعلمة وغيرالمتعلمة  أيضا، ذلك أن تحريك الوازع الديني لديها والذي يرفع شعار : " الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل " يكون أجدى وأنفع لها مما تقترحه مقاربات من قبيل تلك التي ذهب إليها المتدخلان في كلمتهما، والتي سماه أحدهما بالمقاربة الحقوقية. ومعلوم أن الوازع الديني هو سلطان ذاتي أقوى من كل سلطان يحكم النفس البشرية ويكبح جماحها ويصدها عن كل غواية، ولهذا تشيع بين الإناث  في مجتمعنا  المغربي المسلم مقولة عامية مفادها : " من لم تصن عرضها، فلا تنفع معها حراسة أهل أو رصدهم لها  ".

وأخيرا كنت أود لو أن الجهة المنظمة والمتدخلة استدركت تغييب المقاربة الإسلامية في معالجة قضايا حساسة تتهدد ناشئتنا المتعلمة المسلمة.

وسوم: العدد 843