رصاصة الرحمة ..

من أصدق التخريجات والتعليقات التي سمعتها من الذين يحاولون تسويق الذهاب مع "الحل الأممي" في جنيف وأستانا وسوتشي واللجنة الدستورية . هي قناعتهم أن الذهاب في هذه الطرق ناتج عن رؤيتهم الواقعية لصيرورة الثورة السورية التي خذلها الجميع ، وأن هذه الطرق جميعا هي محاولات يائسة يتطوعون بها لحفظ ماء وجه الثورة - حسب تعبيراتهم - وأن كل الذي يرجونه أن يكونوا قادرين على إطلاق رصاصة الرحمة على جسد الثورة المنهك لوضع حد لما يسمونه المأساة. !!

ونحن مع إيماننا أن العجز والضعف واليأس والإحباط  كل أولئك قبيح وغير جميل،  يجب أن نعترف أيضا بحق الإنسان الفرد أن يعجز وأن يضعف وأن ييأس وأن يحبط، ولكن إذا كان هذا بعض الحقوق الفردية للإنسان ؛فإنه في الوقت نفسه ليس من حق الذي يريد أن يستمتع أو يتمتع بهذه الحقوق أن يتقدم صفوف الناس فيفرض عليهم عجزه وضعفه ويأسه وقنوطه وإحباطه .

ودائما يفاجئك الفهلوي بسؤال  : وما هي بدائلك ؟! والبدائل إنما يسأل عنها الجالسون على أعناق الناس وصدورهم ، ولا يسأل عنه أبدا المعروكون عرك الرحى بثفالها ..

بالأمس كنت أستمع إلى بعض المنافحين عن البدائل العدمية في متوالية رصاصة الرحمة ، فأورد أن هؤلاء المعارضين الذين يعارضون ما يسمى "اللجنة الدستورية" اليوم عارضوا الذهاب إلى المفاوضات من قبل ، ثم عارضوا جنيف واحد ثم عارضوا جنيف 2 ثم عارضوا أستانا وسوتشي ، ثم يذكر أن هؤلاء اليوم يتذكرون 2254 وغيره .. ..

وأقول : نعم  ..، وهذا دليل على ماذا يا رعاك الله ..؟! دليل على أن الذين ذهبوا إلى المفاوضات أولا ثم استكملوا الطريق على منهجية القطعة قطعة حتى إذا لم يبق على جسدهم شيء صار من حق هؤلاء أن يذكروهم بأيام ورق التين أو التوت ..!!

ومع حرصنا على أن نتمسك نحن السوريين بمنهجية لا تخوين ولا تهوين . ولا يجوز لأحد أن ينتزع لنفسه الحق في تفسير الواقع السياسي على الخلفيات والنوايا والانتماءات  ..

ولكن لنعترف أننا اليوم محاصرون في هذا الموقف وضمن هذه المعطيات  . وأنه بعد العديد من عمليات التناسخ المتردي لم يتبق  لنا من المجلس الوطني ومن الائتلاف الوطني ومن هيئة التفاوض تشكيلة اللجنة الدستورية بتركيبتها الحالية ولن أزيد ..

وآنه قد آن الأوان للسوريين الجادين أن يبحثوا عن قاعدة وطنية لقرارهم وللدفاع عن حقوقهم لا تدور في مدار غير مدارهم ، ولا تنتظر اعترافا من دولي ولا من إقليمي .

وسأنقل الخطاب على طريقة الالتفات من الحديث عن هؤلاء ورصاصة الرحمة التي يريدون أن يطلقوها على جسدنا المدنف كأجساد الآلاف من معتقلينا في سجون بشار إلى الحديث إلى كل السوريين الرافضين لشهادة إعلان موت الثورة المزور ..

لأقول لكل هؤلاء وأنا واحد منهم ..

إن الاعتراض على هذه المسارات البئيسة التي حاصرتنا برجالها ونسائها ومخرجاتها العدمية القاتلة  لا يكون بكتابة التغريدات ولا تسطير المنشورات ولا الاكتفاء بإصدار البيانات والتصريحات ، كما لا يكون بالتشكي والتذمر وتوجيه الاتهامات .

إن معارضة هذه المسارات البئيسة لإسقاطها أو تجاوزها إنما يكون بالعمل الجاد الدائب لإعادة رص الصف الوطني في منظومة من الرجال والنساء الذين واللواتي لا يزالون ولا يزلن ينادون : عاشت سورية ويسقط بشار الأسد ...

عاشت سورية ويسقط بشار الأسد

ومالنا غيرك يا الله ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 844