لا يؤثر بيع الإيباق على بيع العتق إلا مفلس

لا نستغرب أن يكون وراء حمى الدعوات الباطلة إلى التطبيع مع الفواحش ورفع التجريم عنها علمانيون أقحاح  نبذوا القرآن الكريم وراء ظهورهم ، ولكننا نستغرب أن يكون معهم من يدعي صلته به ، ولكنه يذهب مذهبهم فيما يقولون، فهذا قد آثر بيع الإيباق على بيع  العتق فأفلس .

 وبيان الإيباق والعتق  والإفلاس ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " وحديثه عليه الصلاة والسلام : " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ، ويأتي وقد شتم هذا ،وقذف هذا ،وأكل مال هذا ،وسفك دم هذا ،وضرب هذا ،فيعطي هذا من حسناته ، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ،أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ،ثم طرح في النار ".

والصلة بين هذين الحديثين الشريفين هو الإفلاس ، ذلك أن الذي يؤثر بيع الإيباق على بيع العتق مفلس ، قد استبدل الخسران بالفوز فما ربح بيعه .

والحديث  الشريف الأول يبين لنا حال واحدة يكون عليها كل الناس في هذه الدنيا وهي  حال بيع ، الكل تاجر يبيع ، ومن يشتري اثنان لا ثالث لهما رحمان أو شيطان ، فالرحمان يشتري النفوس بالعتق من النار ، والشيطان يشتريها بإيباقهم فيها ، وتكون النتيجة  عبارة  عن تجار ربحوا ،وآخرون خسروا و أفلسوا وقد كان الربح قاب قوسين أو أدنى منهم .

وإذا كان لا يؤسف على من لم يبع طيلة حياته بيع العتق ، فإنه يؤسف شديد الأسف لمن قضى من عمره سنين يبيع بيع العتق، وفجأة آثر عليه بيع الإيباق كما حصل لصاحبنا المعروف بأبي حفص الذي نشأ نشأة  إسلامية سوية كما شهد له بذلك من يعرفونه عن قرب، فدلس عليه الشيطان مرتين ، مرة حين تبنى الفكر الإجرامي وهو يظن أنه  يقيم فريضة الجهاد فأوبق نفسه، وقضى بسبب ذلك في السجن سنين عددا حتى إذا شمله العفو الملكي باع مرة أخرى نفسه بيع إيباق، فارتمى بين أحضان العلمانية يردد مقولاتها المتهافتة  ، وصار يلتمس لها الأدلة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم افتراء عليهما . وما زال في افترائه حتى أنكر عدل الله عز وجل في قسمة الميراث  بين الذكر والانثى ، وما لبث أن صار يدافع عن الفواحش التي حرمها الله عز وجل  مما أصبح يعرف بالمثلية ، وما هي إلا فاحشة قوم لوط ، وبالرضائية، وما هي إلا فاحشة الزنا وساء سبيلا . فأي مفلس هذا الذي يفلس مرتين مرة حين زين له الشيطان الإجرام فرآه جهادا ، ومرة حين زين له الفواحش فرآها حقوقا وحريات؟

إن الغالبية ممن استهوتهم العلمانية إما جاهلون جهلا تاما بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك يخوضون في الحديث عنهما راكبين غرورهم ظانين بأنفسهم الأقدام الراسخة  في العلم اليقين بهما ساخرين من علم غيرهم قدماء ومحدثون ، وإما أنهم حصلوا منهما النزر اليسير في فترة براءتهم وهم أطفال ، وعلقت بأذهانهم صور باهتة  منهما ، ولم يجددوا الصلة بهما لسنوات وقد انفرد بهم الهوى العلماني، واستحوذ عليهم شيطانها فأنساهم ذكر الله عز وجل ، ومع ذلك نراهم يعتدون بهذا النزر اليسير مما حصلوهوهم أغرار لا يهتدون  ، ويزعمون أنهم من أصحاب الفتح المبين في فهم الدين وما  فهمهم إلا  قول أهواء علمانية ضالة مضلة .

وأمر هؤلاء العلمانيين جاهلهم  جهلا تاما بالقرآن والسنة أوشبه جاهل بهما يهون ،ولكن غريب أمر من حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب  وروي من معينه ، وغدا وراح في السنة المشرفة ومع ذلك أخلد إلى أرض العلمانية ولم يرد الارتفاع إلى علو الإسلام ، فإنه بذلك تخلى عن عز واستبدله بذل وبئس البديل. وعجبا له كيف يقدم على ذلك وهو يقرأ قول الله عز وجل : (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه  فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا)) .

وأخيرا ننصحه نصح إشفاق كما نصحه أحد شيوخه ،نصح من يخلص النصح بالعودة إلى رشده بتوبة نصوح تجب ما قبلها وتبطل بيع الإيباق الذي آثره على بيع العتق  قبل حلول ساعة الندم ولات حين مندم .

وسوم: العدد 846