عملية "نبع السلام" والمواقف الدولية والإقليمية منها

clip_image001_3846b.jpg

 "الموقف السعودي من الاعتراض نابع من ثلاثة مواقف".

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انطلاق حملة عسكرية مشتركة بين قوات الجيش الوطني السوري التابع للثورة السورية والجيش التركي، شمال شرق سوريا، وأطلق عليها اسم "نبع السلام"، وأعلن لها أهدافاً سامية تتمثل بإعادة اللاجئين السوريين، خاصة ممن هجرتهم عصابات سوريا الديمقراطية الفرع العسكري السوري لحزب العمال التركي الكردستاني، وفي جانب كبير منها حماية الأمن القومي التركي "حسبما زعمت الحكومة التركية" يتمثل بمنع هجمات تلك العصبة المارقة المنفلتة من عقال قيم حسن الجوار والتعايش المشترك، ويريدها البعض خنجراً مسموماً في خاصرة تركيا يستخدمها متى شاء للضغط على تركيا بهدف تحقيق مكاسب أو تنازلات سياسية، وربما تغيير تحالفات سياسية وعسكرية كانت نتيجة الوضع المتأزم في عموم المنطقة، ويقيناً لم يكن الهدف من وراء دعم تلك العصبة تحقيق أهدافها الانفصالية ومزاعمها القومية أو دعم تأسيس دولتها المنشودة، وخير دليل على قولي هذا تخلي الإدارة الأمريكية السابقة عنهم في العراق حين أعلن السيد مسعود البارزاني عن إقامة استفتاء للانفصال عن دولة العراق العربية.

حينها أصدر البيت الأبيض بياناً قال فيه إن الولايات المتحدة تحث حكومة كردستان العراق على إلغاء الاستفتاء، وإجراء حوار مع الحكومة العراقية، كما أن مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي، بريت ماكغورك، قال إن قادم الأيام سترتد بالسلب على الإقليم. وفي نفس السياق أوضح نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج ستريتر، أن بلاده تدعم وحدة الأراضي العراقية.

حتى لا نغرق في أحداث الماضي القريب لنذهب مباشرة إلى آخر تصريحات ترامب حول المسألة مستنداً إلى مقال تحت عنوان: "الأكراد لم يساعدوا الأمريكيين في إنزال النورماندي"، قائلاً: إن "الأكراد لم يساعدونا خلال الحرب العالمية الثانية. لم يساعدونا في النورماندي مثلاً"، مشدداً على أن ما يجب أن يكون مفهوماً هو أن "الأكراد يحاربون من أجل أرضهم".

للأسف إن بعض قيادات الكرد لا يريدون أن يتعلموا من سنن التاريخ وأحداثه، وليس لديهم أي رغبة للاستماع للنواميس الكونية والوقائع التاريخية ليستقوا منها الدروس والعبر بأن المجتمع الدولي ومن يسمونهم الحلفاء لن يدعموهم، بل يستخدمونهم لضرب تركيا المتنامية عسكرياً واقتصادياً، الأمر الذي لن تستقبله أوروبا بعين الرضى والقبول، خاصة مع وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا والتحول الديمقراطي المتسارع فيها.

رسالتنا للقوميين الكرد وزعماء الانفصاليين عليكم إعادة قراءة المشهد برمته؛ لقد تخلى عنكم من ظننتم أنهم الحليف الوثيق الذي لا يفل حده. ومنذ أول محاولة لكم للتواصل مع الغرب خاصة الجانب البريطاني منه في بداية القرن العشرين، من قبل شريف باشا، الذي حاول الاتصال بالإنجليز بين عامي (1914) لكي يعرض خدماته، ولم يستجب له، وعام (1918) استدعي من قبل السفير الإنجليزي برسي كوكس إلى مرسيليا الفرنسية للاستماع إلى أقواله فقط! واستمر الأمر على هذا المنوال في اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) بين وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية.

حتى مبادئ ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، ومؤتمر الصلح في باريس عام 1919 لم تسعفكم، ومن ثم معاهدة سيفر (1920) التي بقيت مقرراتها حبراً على ورق.

في الثلث الأخير من القرن العشرين، تحديداً يوم 6 آذار "مارس" عام 1975، وقعت العراق وإيران بحضور نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، ما عرف باتفاقية الجزائر.

تخلت بموجبها إيران عن دعم تمرد البارزاني بموجب تلك الاتفاقية، وأعلن بعدها مصطفى البارزاني الهزيمة، وما عرف بالكردية بـ"آش بطال"، أمام نظام صدام.

بعد هذا السرد التاريخي بهدف إنعاش ذاكرة الحالمين من الانفصاليين الكُرد لعلهم يتذكرون.

بالعودة إلى موضوع البحث "نبع السلام" يفتح البعض من المتباكين على تلك الفئة المارقة مزاداً يحذرون فيه من عملية إعادة تشكيل المنطقة المستهدفة "ديموغرافياً" نتيجة للعملية المشتركة بين جيش الثورة السورية والجيش التركي، ويتجاهلون بكل سذاجة الكون وحمقه أن التغيير الديموغرافي أمر واقع ومورس منذ سنين خلت على يد وحدات حماية الشعب الكردية، التي سبق وأن ارتكبت تجاوزات بحق السكان المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا، وعمليات تصفية عرقية حيث ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية أساليب مختلفة كالقتل والترويع والتشريد واستخدام المدنيين العرب والتركمان والآشوريين كدروع بشرية في الحرب ضد خصومها.

تلك الفصائل المدعية القائلة بالديمقراطية وزعمت زوراً أن لديها مشروعاً تنموياً ورؤية للعيش المشترك قافزين على ما وثقته وبثته منظمات حقوق إنسان دولية هم أنفسهم في الكثير من الأحيان يستشهدون بها محتجين بها على خصومهم من عملاء تركيا ومرتزقتها ومن القوميين العرب أو البعثيين و" .. ".

إلى كل من بدأ بشتمي ووصفي بالشفويين والجاهل بالتاريخ وأنني من بقايا البعث ومن المتطرفين القوميين أرجو أن تتوقف وتمنح نفسك فرصة لقراءة ما ورد في تقارير تلك المنظمات الحقوقية التي تحتجون بها علينا تارة وتنكرون عليها تارة أخرى، وإلى كل من يشعر بالقلق من عملية "نبع السلام".

في تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية التي نشرت تقريراً مفصلاً عن الأوضاع في المناطق الشمالية من سوريا، جاء فيه أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي يتحمل المسؤولية الكاملة عما وصفته بالتهجير القسري من المنطقة وتدمير المنازل، وهي العمليات التي تُعد بمثابة جرائم حرب.

منظمة هيومن رايتس ووتش تحدثت عن عمليات اعتقال قامت بها وحدات حماية الشعب الكردي ضدّ العرب والتركمان بحجة الانتماء لتنظيم الدولة أو مناصرته، حيث وضعوا في سجون سرية في تل أبيض وترددت أنباء عن تصفيتهم أو إجبارهم على التنازل عن منازلهم وممتلكاتهم، وهو ما تمّ تفسيره على أنّ وحدات حماية الشعب الكردية تتبع سياسة التطهير العرقي بحق كل من هو غير كردي في مساعٍ للأكراد بإنشاء دولة كردية.

مناطق سيطرة "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"

أجرت قوات الأمن في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي سلسلة مداهمات لإغلاق مكاتب الأحزاب السياسية المعارضة، واحتجزت وضايقت معارضين سياسيين وناشطين. اعتقلت معظمهم من دون توجيه أي تهمة.

وقال تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "قوات الأسايش"، القوة الأمنية داخل المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية؛ أقدمت بالاشتراك مع قسد، على تجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً، للقتال في صفوفها، وذلك منذ عام.

منظمة هيومن رايتس ووتش: ممارسات القوات الكردية ضد السوريين ترقى إلى جريمة حرب، مشيرة إلى أن القوات الكردية أحرقت قرى عربية وتركمانية شمالي سوريا، وأجبرت سكانها على المغادرة تحت التهديد بالقتل.

وما زال البعض يحاول تلبيس عملية "نبع السلام" لبوس معاداة الأقلية الكردية التي تعيش معنا في وطننا الواحد الجمهورية العربية السورية.

هل أصبح الضرب على يد الظالم بهدف إعادة الأمور إلى نصابها في عصر ديمقراطيتكم المزعومة أمراً مشيناً يستحق أن تعقد له جلسة في مجلس الأمن الدولي أم أنه مطلب حق وإحقاق للعدل "فما هو الموضوع وما هي القضية؟".

المواقف الدولية من "نبع السلام"

مما لا شك فيه ما كان لتركيا أن تقدم على هذه العملية دون موافقة الرئيس الأمريكي ترامب، وبالتوافق مع كل من روسيا وإيران شركائها في أستانة وسوتشي الروسية.

لكي نفهم موقف ترامب الحقيقي دعونا نتذكر أن الرئيس ترامب جاء إلى البيت الأبيض بخطاب شعبوي عنوانه الرئيس فشل سياسات الإدارات الأمريكية السابقة خاصة في المنطقة العربية، وأن أمريكا لن تحارب بالنيابة عن أحد، ومن أراد الحماية الأمريكية عليه أن يدفع وأهم من هذا كله شعاره الرئيس أمريكا أولاً.

ليس لدي أدنى شك بأن ترامب يريد الانسحاب من المنطقة اليوم قبل غد، ولكن الدولة العميقة في أمريكا تمنعه من هذا الانسحاب لاعتبارات استراتيجية في مقدمتها أمن إسرائيل.

ما يحكم قرار ترامب مع قرب الاستحقاق الانتخابي هو موقف الناخب الأمريكي وتأثير اللوبي المسيحي الصهيوني في سياساته، والتي بدأت بشن حملات انتقاد ضده، الأمر الذي جعله يطلق بعض التطمينات لها بأنه لن يتسامح مع أي تجاوزات تركية، الأمر الآخر الضغوطات التي تلاحقه، والتي قد تصل إلى عزلة، لذلك يجد نفسه مضطراً للانحناء والقبول بالإملاءات وهو غير راغب فيها لكن الظرف هكذا.

لإخراج تركيا من سوريا عن طريق مجلس الأمن الدولي بعد أن تحقق أهدافها من التقارب معها في الملف السوري. ربما قبلت بشرط أن تقدم تركيا تنازلات في إدلب كما فعلت من قبل في حلب ومن أجل التطبيع مع نظام الأسد.

الموقف الفرنسي على طول الخط ضد تركيا في كل الأمور وهو لن يقدم أو يؤخر في هذه العملية في ظل موافقة القطبين الروسي والأمريكي.

الموقف الإيراني: موقف خبيث متربص فهو يريد توريط تركيا في حرب استنزاف وربما خلق مشاكل لها مع أمريكا، وبنفس الوقت تريد دعم تركيا في وجه الضغوطات الدولية عليها وتضييق الخناق الاقتصادي عليها الأمر الذي لم تقبله تركيا مرحلياً.

وهي بنفس التوقيت متخوفة من ازدياد النفوذ التركي في سوريا، وأكثر ما يقلقها أن تصبح تركيا شرطي المنطقة في ظل التنافس بين الدولتين على النفوذ الأمر الذي طالما قدمت إيران نفسها به وأنها قادرة على لعبه.

كما أنها تعتبر سوريا منطقة نفوذ خالصة لها بل بعض زعماء إيران يعتبرون سوريا الولاية الخامسة والثلاثين من إيران.

المواقف العربية "السعودية والمصرية"

الموقف السعودي من الاعتراض نابع من ثلاثة مواقف:

أولاً دعم تركيا للربيع العربي وفتح بلادها وإعلامها للمعارضين العرب واحتضان الإخوان المسلمين الذين تصنفهم السعودية على قوائم الإرهاب.

ثانياً الموقف من الحكومة المصرية.

ثالثاً ملف الصحفي خاشقجي. وأعتقد أنه لو قامت تركيا بسحب ملف خاشقجي اليوم من التداول لربما غيرت السعودية موقفها الحالي وتخلت عن الكثير من الأفكار حول تركيا.

الموقف المصري واضح؛ مناكفات سياسية بسبب عدم اعتراف تركيا بالوضع القائم في مصر وشرعية الرئيس المصري السيسي، ودعم الإخوان المسلمين، واستقبال المنصات الإعلامية المصرية المعارضة التي باتت تؤرق الحكومة المصرية، ولو قبلت تركيا بأي شكل من الاعتراف بالوضع القائم لتوقفت مصر فوراً عن مهاجمة تركيا مرحلياً.

المطلوب عربياً من تركيا باختصار مكثف؛ سحب ملف خاشقجي من التداول بشكل نهائي، الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي، إغلاق المحطات الإعلامية المعارضة لمصرية، والتي تنتقد السعودية، منع النشاطات المعارضة لكلتا الدولتين على الأراضي التركية. التخلي عن دعم حركات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية.

الموقف التركي

مع خسارة الثورة السورية لمعظم مناطقها وانكفائها إلى جيوب صغيرة أكبرها إدلب وتنامي قوة المليشيات الكردية المعادية لتركيا بفضل الدعم الأمريكي والأوروبي لها، والرغبة الجامحة لتنظيم أسد وحلفائه الإيرانيين والروس في الانقضاض على إدلب آخر أوراق الثورة السورية، ستصبح تركيا نفسها دون أي أوراق قوة أو ضغط في الملف السوري، وتصبح بين فكي كماشة؛ المشروع الانفصالي الكردي وملايين اللاجئين السوريين الذين لن يعودوا إلى سوريا في حال انتصار أسد.

وفي ظل تنامي الاحتجاجات الداخلية التركية على استقبال اللاجئين السوريين وخسارة حزب العدالة في انتخابات بلدية إسطنبول لأول مرة منذ ما يزيد على سبعة عشر عاماً.

باختصار الدوافع التركية تكمن في هواجس الأمن القومي وحسابات الانتخابات وخسارة أوراقها التفاوضية في سوريا.

لكن تركيا تمتلك ورقة ضغط قوية تهدد في تفجيرها في وجه أوروبا في أي لحظة؛ وهي ورقة اللاجئين، الأمر الذي يلجم أوروبا بانتظار سقطات تركيا للانقضاض عليها، فهي لا تنظر بين الارتياح للتطور الهائل في تركيا بقيادة العدالة والتنمية "ذي الخلفية الإسلامية".

فقط ملاحظة طول أمد العملية العسكرية وعدم الحسم السريع سيخلق لتركيا الكثير من المشاكل داخلياً وخارجياً. وهذا ما يراهن عليه البعض كثيراً.

موقف نظام الأسد

هو يستثمر في التنظيمات الكردية في وجه تركيا وبنفس الوقت غير مرتاح لعلاقاتها بأمريكا، وقد خبر مرارة العقاب الأمريكي حال قرر المساس بتلك المليشيات. وهو يعتقد أن الضغط التركي عليها وتخلي أمريكا عنها سيقودها لتسليم مناطقها له ضمن صفقة آنية يمكنه أن ينقضها وقت يشاء وتقوي من أوراقه التفاوضية في أي عملية سياسية، خاصة بعد إجباره على القبول باللجنة الدستورية، وما تصريحات المقداد إلا نتيجة لإملاءات روسية عليه.

الحوار.

نحن حريصون على حقن الدماء وإنهاء هذا الملف بالطرق السلمية، وفي نهاية المطاف لا يمكن البقاء على الوضع القائم شمال شرق سوريا،

ولكن لسنا مستعدين لمنح "شيك على بياض"، وغير مستعدين للمغامرة بأمننا ووحدتنا الوطنية، وثوابتنا المستندة إلى الشرعية الثورية،

بل هناك أمر يجب أن تقوم به ما تسمى بمنظمة سوريا الديمقراطية بكافة أشكالها وتشعباتها:

أولاً تسليم السلاح الثقيل للجيش الوطن التابع للثورة السورية.

ثانياً إعلان طلاق كامل مع تنظيم أسد.

ثالثاً إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011؛ من السماح بعودة سكان المناطق الأصليين إلى مناطقهم والتوقف عن التغيير الديموغرافي وتغيير أسماء المناطق تحت سيطرتها.

التوقيع من قبل كل زعماء الانفصاليين والقوميين الكُرد السوريين على وثيقة يعلنون فيها بشكل واضح عن تخليهم عن أي مطالب انفصالية أو إقامة إقليم كردي في سوريا، وعدم التدخل في شؤون الكرد في العراق وتركيا، وأن تودع نسخة من هذه الوثيقة في مؤسسات الأمم المتحدة.

الآن نحن منفتحون على الحوار بكامل المحبة وعقول منفتحة فما هو الموضوع وما هي القضية؟

وسوم: العدد 846