لن تتم انتخابات فلسطينية من أي نوع

منذ أن دعا أبو مازن من على منبر الأمم المتحدة في سبتمبر الفائت إلى انتخابات فلسطينية عامة ؛ والساحة الفلسطينية تموج بالحديث عن  هذه  الانتخابات بين مؤيد ومعارض ومشترط للتأييد . واعتقادنا راسخ بأن الدعوة للانتخابات لم تكن جادة . كانت مسرحية للتلهية وتبديد الوقت وإبقاء الحال الفلسطيني على ما هو عليه لكونه ملائما تمام الملاءمة لعباس وسلطته الفتحاوية . وأول برهان على كون الدعوة للانتخابات ليست إلا مسرحية ؛ إطلاقها من على منبر الأمم المتحدة ،  ما علاقة الأمم المتحدة بهذه الانتخابات  ؟! لا علاقة  لها بها ، والهدف من إطلاقها من على منبر جمعيتها العامة التوهيم بأن عباس رجل ديمقراطي يؤمن بالانتخابات المعبرة عن إرادة الشعب ، وهو توهيم يلحق الضرر الكبير بالقضية الفلسطينية . كثيرون في العالم ممن لا يعرفون حقائق هذه القضية سيتوهمون أن هناك دولة فلسطينية ذات سيادة ، وأن هذا الرئيس الذي يتحدث عن إجراء انتخابات فيها يمثل هذه الدولة ، فأين القضية الفلسطينية إذن ؟! وما المشكلة مع إسرائيل التي توصف بالمحتلة لأراضي الفلسطينيين والتي هاجمها عباس في خطابه الذي أعلن فيه نيته إجراء انتخابات عامة ؟! وظُن في البداية أن الانتخابات العامة ستكون تشريعية ورئاسية ومجلسا وطنيا بالتزامن أو بالتتابع المتقارب ، فإذا بنا نسمع أنها ستبدأ بالتشريعية ، وبعد زمن ما ستتم الرئاسية ، وتليها انتخابات المجلس الوطني . وبعد الإعلان عن الانتخابات أوضحت فتح أن أبا مازن هو مرشحها للرئاسية ، وفتح تعلم ، وكل الفلسطينيين يعلمون أن لا أمل في نجاح أبي مازن في الانتخابات الرئاسية ، وانعدام الأمل هذا يوجه إلى استحالة إجراء هذه الانتخابات . والمؤكد وفق استطلاعات الرأي وملاحظات المراقبين أن فتح لن تفوز في التشريعية ، وعدم فوزها سيمنع بدوره التوجه للانتخابات الرئاسية . لن تغامر بمواجهة فشلين ، وسيحدث ما حدث بعد انتخابات يناير 2006 التي انهزمت فيها أمام حماس التي فازت ب 78 مقعدا من مقاعد التشريعي ال120 . وقبل تلك الانتخابات توقعت المصادر الإسرائيلية الأمنية والسياسية فوز حماس بها  ، وهي الآن تعيد هذا التوقع الذي تشاركها فيه السلطة الفلسطينية نفسها والأردن . وكانت إدارة بوش الابن الأميركية هي التي ضغطت على عباس لإجراء تلك الانتخابات بمشاركة حماس بعد أن تخوف مع فتح من الفشل فيها ، وبديهي أن إسرائيل كانت وراء هذا الضغط لمعرفة الدولتين سلفا بنتيجتها ، وما ستؤدي إليه من انقسام فلسطيني ، وهو ما كان . نفس التخوف موجود الآن ، وبأعنف من تخوف 2006 ، فما الذي يدفع عباس وفتح إلى انتخابات فشلهما فيها محتوم محسوم ؟! إذن ليبقَ الحال على ما هو عليه لما فيه من ملاءمة تامة لهما !

ومبادرة الفصائل الفلسطينية الثمانية تقدم حلا سليما لمعضلة الواقع الفلسطيني المتردي المتأزم ، وقوام هذا الحل التوافق على فترة انتقالية تمتد من أكتوبر الحالي إلى يوليو التالي في 2020 ، تسوى فيها الخلافات الحالية في البيت الفلسطيني ، وتوضع الأسس الصحيحة للانتخابات التشريعية والرئاسية ، وانتخابات  المجلس الوطني ، وفتح ترفض هذه المبادرة ، وتراها مكيدة حمساوية تشاركها فيها  الفصائل السبع الأخرى  مع أن من شأنها أن تخلص الفلسطينيين من تأثيرات أوسلو التي بُرمجت برمجة إسرائيلية يستحيل أن تقود إلى أي نظام سياسي ديمقراطي فلسطيني ، ولا إلى أي شيء فيه مصلحة للفلسطينيين ، وكل ما حدث حتى الآن يؤكد هذه الاستحالة . والخلاصة المصفاة : لن تتم أي انتخابات فلسطينية من أي نوع . لا أحد يفطف عنبا من شوك ، ومن يقدم العربة على الحصان لن تتحرك عربته ، وأوسلو قدمت للفلسطينيين الأوهام بدل الحقائق ، وكان السليم القويم  تحرير الضفة وغزة من الاحتلال الاستيطاني قبل الولوج إلى كل  المسرحيات العبثية  التي تلت أوسلو ، ومنها الانتخابات التشريعية والرئاسية التي  قادتنا إلى رئيس منتهي الصلاحية منذ عشر سنوات ، ومجلس تشريعي محلول على يد هذا الرئيس . الأحداث لا تستقيم لمن يتجاهل  منطقها .

وسوم: العدد 847