مقاربات ومفارقات بين حربهم على الشيوعية وحربهم على الإسلام، عذرا فرنسيس سوندرز

لخصت الباحثة البريطانية فرانسيس سوندرز في كتابها " الحرب الباردة الثقافية - من يدفع للزمار - الكثير من خلفيات الحرب الباردة الأمريكية ضد الاتحاد السوفييتي . وربطت بما وفرت من وثائق وحقائق ربطا مباشر بين الثقافة والتنوير والفن والرياضة وبين العمالة والعمل الاستخباراتي المباشر .

سأطيل لو حاولت أن أنوه بالكتاب ، لذا أدعو صاحب كل ضمير حر إلى قراءته . وهو مترجم إلى العربية ، منشور في الأسواق وعلى الشبكة أيضا ..

يختصر لكم الكتاب الذي نشر منذ عشرين عاما كيف أن المخابرات الأمريكية كانت تهيأ سلم الصعود للمفكرين والأدباء ومن يسمون بالمبدعين ، وكيف كانت تحارب وتطمر كل ما يبقى رأسه مرفوعا بعيدا عن الانقياد ..

الإنسان العربي بشكل خاص مدعو في هذا الزمان لقراءة هذا الكتاب ليدرك حقيقة وأبعاد الحرب التي تدار على هذه الأمة على كل الجغرافيا الإسلامية ، وبشكل أخص على دول الطوقين ، الطوق الصهيوني ، والطوق الصفوي في وقت معا .

حين يقرأ أي مثقف عاقل كتاب الباحثة البريطانية فرنسيس سوندرز يدرك ضراوة ما كان يسمى " الحرب الباردة " وعمقها ، وتشعب ميادينها الاخطبوطية ، والتي كانت تموه الأمني أو العسكري بأثواب الثقافة والتنوير والفن بأنواعه من أدب وموسيقا ورسم و.. وسيعلم القارئ أن أكثر الجوائز العلمية والثقافية والفنية العالمية ولإقليمية إنما تمنح على عين ، وتقرر بقدر .

كل شيء في الكتاب سيذكر القارئ المتابع بما يسمع ويرى ويقرأ هذه الأيام ، إلا أنني ومن خلال معاودتي لقراءة الكتاب مرة بعد مرة أحببت أن أشير إلى ثلاثة فروق مهمة  بين الحرب الباردة الأمريكية على الاتحاد السوفياتي وبين الحرب الأمريكية العالمية اليوم  على الإسلام والمسلمين ..

ولعل الفارق الأول والأهم هو أن الحرب الباردة كانت حربا بين دول ..

الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من دول الناتو وغيرها ضد الاتحاد السوفياتي وحلفائه من حلف وارسو وغيرهم . ولم تكن الحرب العقائدية كما يقولون إلا حربا بين مذهبين متحدي المنطلقات والأهداف في الرفاه المعلن وكفالة حرية الإنسان في الرغبة والاشباع  ، على نحو متباين بعض الشيء ..

علينا أن نتذكر أنه بمجرد سقوط الاتحاد السوفييتي سقطت الماركسية اللينينية وسقطت معها الأحزاب الأممية الشيوعية المنتشرة حول العالم ، وتحول الكثير من قادتها ومنتسبيها إلى متسولين ليبراليين صغار .

بينما الحرب العالمية اليوم على الإسلام والمسلمين هي حرب على دين على عقيدة وشريعة وثقافة ونمط حياة يستعد ملايين البشر للتضحية دفاعا عنه ، وهي في الوقت نفسه حرب على خمس سكان العالم ، لكل فرد من هذا الخمس من هذه الحرب نصيب. وسيجد نفسه في ساعة من الساعات مستهدفا بنيران هذا العدو ..

والفارق الثاني :

 بين الحرب الباردة الأمريكية على الاتحاد السوفياتي والحرب على الإسلام والمسلمين في هذه الأيام ..

أن الحرب الأولى ظلت باردة ..سياسية اقتصادية ثقافية ، ولم تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مسلحة شاملة . ربما حصلت بعض المواجهات الجزئية على بعض الجبهات " فيتنام " و" أفغانستان " ولكن على العموم ظلت هذه الحرب حربا باردة ، وتجنب القائمون عليها المواجهة المسلحة التي اقتربوا منها أكثر من مرة كما في " أزمة الصواريخ الكوبية " بينما الحرب على الإسلام والمسلمين والتي تدخل مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين عقدها الرابع ، إذ انطلقت هذه الحرب مع سقوط الاتحاد السوفييت ، كانت منذ البداية ساخنة باردة في وقت معا .

دعونا نشير إلى أمر بالغ الأهمية يغفل عنه الكثيرون ..

لقد كان عمر الحرب الباردة بين القطبين الأعظم في العالم والمدججين بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل ، والمالكين لزمام السياسة والإعلام والاقتصاد ... أربعين سنة فقط ، ثم هوى أحد القطبين ؛  بينما تدخل الحرب على الإسلام والمسلمين  هذه الأيام عقدها الرابع . وهي حرب استخدم فيها العدو المقتدر كل عوامل قوته . وشنها في كل الميادين وكانت حربا ساخنة وباردة سياسية وثقافية واقتصادية .. إلا أن هذا العدو لم ينتصر في أي معركة من المعارك التي افتتحها ..

فما يزال الروسي والأمريكي عالقين في فلسطين وفي أفغانستان وفي العراق واليوم يتورطون أكثر فأكثر في سورية واليمن وليبية والجزائر ولبنان وفلسطين ..

والفارق الثالث :

بين الحرب العالمية اليوم على الإسلام والمسلمين والحرب الباردة بين القطبين ..

أن الحرب العالمية على الإسلام والمسلمين تجد اليوم مرتكزاتها في بنية المجتمعات الإسلامية . أو دعونا نسميها مراكز الاختراق ..

من عاش من أبناء جيلنا مرحلة الحرب الباردة يدرك كم كان يعنى الإعلام الأمريكي بمن يسميهم " المنشقون " وهم أفراد من المجتمع السوفياتي ، يستغلون فرصة ما لإعلان انشقاقهم عن دولتهم أو عن ثقافتهم .

بالصورة نفسها يبحث الذين يديرون الحرب على ديننا وعلى عقيدتنا وعلى شعوبنا عن هؤلاء " المنشقين " في صفوفنا ..

ولعل في طليعة هؤلاء المنشقين " الحكام المسلطين " على شعوب هذه الأمة من الطغاة والمستبدين الفاسدين المفسدين ، الذين يضعون على رأس أولياتهم تطويع هذه الأمة واختراق حصونها لمصلحة عدوها . مرة أخرى يطمح الأمريكيون عن طريق هؤلاء إلى نصر بلا حرب كما كتب عنه الرئيس الأسبق نيكسون . ولذا يباح لكل هؤلاء المستبدين أن يحرقوا شعوبهم بما هو أبشع من أفران الغاز النازية . أفران الغاز النازية هي نوع من أنواع القتل الرحيم أمام ما وثقه القيصر عن أفران القتل الروسية - الأمريكية - الأسدية ..

ثم يأتي في الدرجة الثانية من المصطفين في صفوف المنشقين بعض منتسبي الهوامش السكانية على كل الخلفيات الدينية والمذهبية والعرقية والتي لم يستح ترامب منذ أيام أن يعلن عن تقديم خمسين مليون دولار دعما خالصا لها يصدر باسمها  ولتغذية انشقاقاتها عن المجتمع الذي تعيش فيه !!

ويأتي في الدرجة الثالثة  من مكونات هذه الانشقاقات الأجسام المستنبتة في مختبرات التهجين الحيوي ، التي تبتلينا بتنظيمات التكفير والتطرف ، والتي تقتلنا باسمنا وباسم شريعتنا . فتمعن في عقيدتنا وشريعتنا تشويها وفي أحيائنا تقتيلا وفي عمراننا تهديما...

في هذه الأجواء تدور اليوم الحرب العالمية المستعلنة على الإسلام والمسلمين ..

وأعجب العجب أن كثيرا من المسلمين لا يدرك حتى الآن أن حربا تدور عليه !! وهي إحدى وصايا المكر الطاغوتي . أنجح الحروب أن لا تستفز عدوك فيشعر أنك تحاربه.

والأعجب من الأول أن الكثير من أهل السذاجة وليس من أهل الخبابة ، وما أكثر هؤلاء وأولئك في بنيتنا يصطفون في هذه الحرب في صفوف عدوهم ضد أنفسهم وهم لا يشعرون !!

وأعجب من ذا وذا عند العقلاء أن أهل الإسلام ما زالوا يخوضون معركتهم ضد كل أشكال الإجرام هذه متفرقين متنابذين لا رأس يجمع ، ولا قائد ينظم ، وبدأ العدو بكل رأس يملك ولو حدا أدنى من التأهيل فرموه عن قوس واحدة ..

ونختم  أنه ثمة شيء خفي في هذه المعركة نؤمن به نحن المسلمين  ولا نراه ..هو أن نصرنا على ضعفنا وقلة حيلتنا وتشتتنا قريب ..قريب ..قريب

( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا )

ولا أحد على منصة الدستور الأممي يمثلنا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 850