موقف الإسلام من حب شيوع الفاحشة في المؤمنين

من آيات الوعيد الشديد التي تستوقفنا ونحن نقرأ كتاب الله عز وجل  قوله تعالى: (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون )). ومعلوم أن هذه الآية الكريمة لها سبب نزول، ولكن حكمها ساري المفعول إلى قيام الساعة وفق قاعدة العبرة  في كتاب الله عز وجل بعموم لفظه لا بخصوص سببه .

وقبل الوقوف على دلالة حكم هذه الآية الكريمة لا بد من التذكير بأن الإنسان المسلم تحكمه قناعة مفادها أنه مخلوق لله عز وجل . ولما كان  خلق الله تعالى منزها عن العبث ،فإنه يتعين على الإنسان أن يقصي العبث من حياته .

 ومعلوم أن العبث هو كل قول أو فعل لا قصد وراءه ولا نفع ولا فائدة ترجى منه ، وما كان كذلك لا يؤمن ضرره  وشره إن لم نقل ضرره  وشره محققان لا محالة . ولقد نفى الله تعالى العبث عما خلق، والإنسان ممن خلق، فقال سبحانه وتعالى : (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )) والرجوع  المذكور في هذه الآية الكريمة ،هو رجوع تكون فيه مساءلة ومحاسبة وجزاء يدوم دوام الأبد إما في نعيم أو في جحيم ، ولهذا يلزم الإنسان أن يتنكب العبث في حياته قولا وفعلا لأنه متبوع بالمساءلة ، وعليه أن يأخذ نفي الله عز وجل العبث عن خلقه مأخذ الجد  وألا يستخف بذلك .

وقناعة الإنسان بمخلوقيته لله تعالى تلزمه ألا يدعي ملكية شيء في هذا الكون بما في ذلك نفسه جسدا وروحا وقوتا، وكل ما أنعم الله عز وجل  به عليه من مواهب ونعم  لقوله تعالى : ((  قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون )) .ففي هذه الآية الكريمة يثبت الله عز وجل لذاته المقدسة ملكية المواهب  والنعم التي يستفيد منها الإنسان دون أن يكون مالكا لها ،وهي رزقه الذي جعله الله عز وجل في سماء وأرض ، وسمعه وبصره وسائر جوارحه التي بها يدرك ويعلم ويسعى ، وإخراجه من موات إلى حياة هو وغيره من المخلوقات ليتناسل ويتكاثر لغاية لا يلابسها عبث ، وتدبير شأنه وشأن غيره من المخلوقات حافظا على نظام الكون الذي به يحصل تقدير المقدرات .

وهذه الآية تتضمن اعتراف الإنسان بأنه لا يملك شيئا ،وأن المالك لكل شيء هو الخالق سبحانه وتعالى . وقول الله عز وجل للإنسان بعد اعترافه ألا ملكية له ، وأنها لله عز وجل : (( أفلا تتقون )) يفيد أن هذا الإنسان قد يدعي ملكية  ليست له ، ولا يقي نفسه من غضب وسخط مالك الملك .

ومعلوم أن من يوظف ما ملّكه الله عز وجل في غير ما أراده سبحانه يسقط في العبث . ومن العبث أن يوظف الإنسان جوارحه التي ضبط الله عز وجل  توظيفها بضوابط ، ذلك أن البصر ضابطه أن يغض، فلا يقع على ما لا  يرضاه الله عز وجل ، والسمع  ضابطه أن يحجب عما لا يقبله الله عز وجل من قول سيء، وضابط الفرج ألا يوظف في غير ما وظفه الله عز وجل  ... وكل الجوارح  لها ما يضبطها ، الشيء الذي يدل على أنها ليست ملكا للإنسان .

ومن سوء توظيف الإنسان جوارحه التوظيف العابث وقوعه في فاحشة الزنا  ، وهو توظيف نهى عنه الله عز وجل في قوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) . والنهي  عن الزنا بعدم القرب يدل على شناعته ، وهي شناعة يؤكدها قول الله عز وجل (( وساء سبيلا )) وإذا كان شأن السبل أن تفضي بمن يسلكها إلى غاية  معينة ، فإن سالك سبيل الزنا إنما يفضي به إلى لا غاية  وإلى سوء ، وهو عبث من الإنسان  ليس وراءه القصد الذي أراده الله عز وجل من غريزة  الجنس التي أودعها فيه ، وهو المحافظة على نوعه وتنظيم نسله ، وصيانة وجوده  بنسب معلوم  قوامه أرحام تحفظ وأسر منها يتكون مجتمع مسلم على نظام معلوم منزه عن العبث . ولقد قضى الله عز وجل أن يكون تصريف هذه الغريزة في نكاح لا في سفاح بحيث تبنى الحياة البشرية بالأول ، وتهدم بالثاني .

ولقد توعد الله عز وجل من يحبّ إشاعة الفواحش عموما  في الذين يدينون بدين الإسلام  ، وفاحشة الزنا على وجه الخصوص . ومعلوم أن حب إشاعة فاحشة الزنا دليل على خبث النية وعلى سوء الطوية ، ذلك أن من يحب ذلك لا يلبث أن يصدر عنه أو عن غيره ، والحب رغبة في حصول محبوب . وشيوع فاحشة الزنا إنما يحصل بانتشار الحديث عنها  وتكراره ، فيخف بذلك وقعها على الأسماع بعدما كان يثقل عليها ، ولا تلبث أن تصير مألوفة ومتداولة ، فيقدم عليها من شيوع خبرها والاستئناس به وقبوله  ، وقد يصل الأمر إلى حد الأمر بها والدفاع عنها واعتبارها أمرا مشروعا ، وحقا مكتسبا كما يحصل اليوم عندنا بالنسبة للذين يطالبون برفع التجريم عن جريمة الزنا ، ويزعمون أنهم بذلك يدافعون عما يسمونه حرية فردية تخول للإنسان أن يفعل في جسده ما يشاء لأنه يملكه مع أنه لا حجة لديه عن ملكيته .

 ومن ذرائع هؤلاء  لإشاعة فاحشة الزنا في المسلمين  وهم يموهون على شدة قبحها بتسميتها  تخفف من وقعها السيء على الأسماع وفي النفوس "علاقة  جنسية رضائية " أو "علاقة جنسية مثلية " أنها موجودة في الواقع  ولا يمكن نكران وجودها ، وهذه ذريعة واهية إذ لو كان كل ما هو موجود في الواقع مشروعا لكانت كل الجرائم كذلك ، وذريعة أصحابها كذريعة أصحاب جريمة الزنا ، يموهون هم أيضا على شناعتها وقبحها بأسماء للتخفيف من وقعها على الأسماع، فيسمي على سبيل المثال اللص لصوصيته خبرة ، والمرتشي رشوته هدية ... وهلم جرا ، والكل يطالب برفع التجريم عن جريمته لأنها موجودة في الواقع  .

ومعلوم أن الإسلام لا يسمح بتاتا بإحداث شيء لم يشرعه الله عز وجل للمسلمين ،فقد  جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "  ما من أحد يحدث في هذه الأمة حدثا لم يكن ، فيموت حتى يصيبه ذلك " أي يصيبه وباله .

ولن يرحل عن هذه الدنيا محبو إشاعة فاحشة الزنى في أمتنا  المسلمة حتى يصيبهم وبالها كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . 

وسوم: العدد 853