حول نظرية سيد قطب السياسية

سيد قطب رحمه الله

محمد جلال القصاص

آخر نظرية سياسية قدمت في ساحة الحركات الإسلامية كانت للأستاذ سيد قطب- رحمه الله -، تلك التي تحدث فيها عن تكوين "النواة الصلبة"، و"الجماعة المؤمنة"، وعدم التعاطي مع الجاهلية بوصفها شر كلها، وأن المجتمع المسلم حال تكونه فهو خير كله، وله قضايا مستقلة تنبت بعد تكونه، وهي غير الثائر من قضايا في المجتمع الجاهلي.

كانت الفكرة الأساسية من عند الأستاذ أبي الأعلى المودودي، فالأستاذ سيد قطب والأستاذ المودودي شيء واحد: فكرة وشرحها.

 وهذه النظرية كانت الضربة الأخيرة لما عرف بالتيار الإصلاحي، والذي بدأ بالأفغاني في سياق يثير حوله شكوك كثيرة، وكذا تلميذه محمد عبده؛ ولم ينته هذا التيار بعد، ولكنه انحسر، وضعف. يحمل لواءه الآن أحمد كمال أبو المجد، وسليم العوا، وغيرهما..ويتحدثون لأنفسهم، إذ قد صرف الله الناس عن هذا المنهج.

وهذه النظرية كانت تعديلًا في مسار التصحيح الذي أوجده الشيخ رشيد رضا –رحمه الله رحمةً واسعة- وتبناه الإمام حسن البنا.

ثم تعثرت النظرية في التطبيق.

سيد قطب –رحمه الله – أراد أن يسلك بالحركة الإسلامية الطريق الأقرب، وإن كان وعرًا مليئًا بالمخالفين. ولكنه استشهد –كما نحسب والله حسيبه – قبل أن يوجد تطبيق عمليًا لنظريته، أو قبل أن يحول النظرية إلى إطارٍ عمليٍ يضع النظرية إطارًا عمليًا

الذين جاءوا من بعده تفرقوا في فهم النظرية:

بعضهم أخذ النظرية –أو تأثر بها - وراح يعدل فيها؛ أولئك الذين تحدثوا عن "التربية بالتخلية والتحلية"، فهؤلاء أبناء سيد قطب شاءوا أم أبوا، ولكنهم تنكروا لأبيهم. وتبعهم من وجدوا في "التربية بالتخلية والتحلية" الراحة والطمأنينة من بأس المستبدين، ثم دخلوا في شراك الظالمين، واتفقوا –بقصدٍ أو بدون قصدٍ - مع المحادين للدين، فصاروا من دعامات الاستبداد.

وبعضهم وقف مع جزءٍ من مقولات النظرية؛ أولئك الذين تحدثوا عن جاهلية المجتمعات، واستحكمت منهم عداوة المجتمع وراحوا يناوشونه والقائمين عليه، بالتكفير والتفسيق والتبديع،  وعمليًا مارسوا: استرضاء المجتمع، أو عزلته والاغتراب عنه، أو الاشتباك معه.

وبعضهم وقف مع قضية الحاكمية، وبعد الشريعة عن الحكم في المجتمعات. وجعلها قضيته الأولى، واشتد في الدعوة إلى تطبيق الشريعة، وإفراد الله بالحاكمية، وحمل شعارًا لا مشروعًا.

وكلهم تائهون لم يصل أحدهم بعد، أين الخلل؟

كانت فكرة سيد قطب بمثابة الوثبة القوية إلى الهدف، ونظريًا يمكن تطبيقها، وهي نظرية الإسلام التي نقرأها في التجربة الأولى، ولكنها تعثرت عمليًا؛ بل وظفت في إطار تفتيت المسار التصحيحي لحركة الأمة الإسلامية.واستطاع المخالفون أن يوظفوا مخرجات هذه النظرية (وهذا لا يعيبها ولا يعيب الأستاذ سيد قطب) في توطيد أركان الاستبداد.

أين الخلل؟

المتحدثون عن الخلل كثيرٌ، ولكنهم بعد حول أهدافٍ جزئية، عامتها الانتصار لحزب أو إطار ضيق، وتصفية حسابات مع الصحوة الإسلامية. ويبقى التحدي في انتاج نظرية جديدة، أو في شغلٍ جديد على هذه النظرية؟

وهل يفيد دخول مدرسة الدكتور حامد ربيع في الفعل الصحوي كما أعتقد؟

أم يكون الحل في العمل خارج دائرة التفكير هذه كلها، بأدوات جديدة كما يفعل الدكتور هشام حبلص؟

لا أدري، ولا زلت أفتش، ولكني أعلم يقينًا أن بناء نظرية وتوطينها عمل أجيال، وأن الفاعلين كثر، وأكثر منهم من يخالفهم، ومستوى الوعي عند المخالف عالٍ جدًا، وأدواته كثيرة.